فرحٌ ممزوج بالدموع، وسجدة حمد طويلة لانتهاء عهد الجلاد مع إشراقة فجر سورية الجديد، هكذا يصف د. أحمد علي عمر، أستاذ اللغة والأدب العربي في جامعة إسطنبول، لحظات لا ينساها بينما كان الثوار يعلنون سقوط نظام الأسد أخيراً، وقد شرّد أكثر من 11 مليون سوري، وقتل نحو مليون مواطن.. العديد من القضايا كانت محور لقاء «المجتمع» مع د. عمر.
كيف تتذكر اليوم سنواتك الماضية في سورية قبل ثورة التحرير؟
– للأسف، تحولت سورية الجميلة وطن العز والحضارة لمعقل ظلمات في عهد بشار وأبيه حافظ الأسد، ولا تزال ذاكرتي مترعة بفظائع ارتكبها بشار إبان ثورة السوريين التي أرادوها للياسمين والحرية وأرادها للدماء.
تجاوزت الفظائع التي ارتكبها رجال بشار في المعتقلات بحق المواطنين، كل ما تم تصويره في أستوديوهات هوليوود عن نازية هتلر، واكتشف طلابي في تركيا كيف لم أكن مُبالغاً في رواياتي عما يجري في سجون سورية، لما أصبح ضحاياها رأي العين في وسائل التواصل بعد أن تحطمت الجدران وخرجوا للنور أخيراً، وكيف أن آلاف السجناء نرى أسماءهم ولوعة ذويهم بعد أن تم قتلهم بدم بارد وبأكثر الطرق فظاعة ووحشية، بل وتحلل أجسادهم بالكيماويات التي استخدموها لإخفاء آثار جريمتهم.
دولة رعب وخوف تطاردك لأتفه سبب وبلا سبب، وتنتشل الرجل من حضن أسرته مضرجاً بالدماء لغياهب المعتقل الوحشي لمجرد وشاية من أحد المتعاونين مع السفاح؛ وهناك يقضي عمره ويفقد عقله تعذيباً وقهراً أو يتحول لشهيد.
أتذكر كيف كان يتم توقيفي بالمطار لتشابه اسمي مع مطلوب، وكمّ الرعب الذي أعيشه في كل مرة من سيناريو يحدث يومياً مع أبرياء، هكذا تحولت سورية لمزرعة للأسد وجيشه وأمنه وأصبحنا خدماً لهم.
في هذا الظرف، تركتُ جامعة دمشق وقررتُ التدريس في إسطنبول، وعشت سنوات عدة أتنقل بين جامعاتها حتى وصلت لجامعة إسطنبول التي أسسها السلطان الفاتح، وتم تكريمي بوصفي أحد أفضل السوريين نجاحاً بتركيا، ومنحي جوازاً خاصاً، ومن ذلك الحين ظل الأمل دائماً متصلاً بالله، خاصة وقد كان النظام الساقط يزيد في غيّه ويظلم الناس ويجعلهم في حكم الموات وهم فوق الأرض.
برأيكم، كيف يمكن لشباب سورية أن يعبروا تلك المحنة القاسية؟
– عندنا عدة أصناف من الشباب؛ هناك من عاش في ظل دكتاتورية الأسد، وقد انحصر تفكيرهم في تجنب الانخراط في القتال، وكيف يحصلون على لقمة العيش في ظل أوضاع اقتصادية خانقة، هؤلاء الشباب يجب أن نساعدهم بمبادرات توظيف وتدريب في مجالاتهم التي من شأنها إكسابهم الخبرة التي افتقدوها، مع تعزيز ثقتهم بأنفسهم لأن شباب سورية كانوا مكسورين من الداخل.
وهناك شباب لاجئون بنحو 10 ملايين سوري انخرطوا مع حضارات العالم في البلدان التي سافروا إليها، وقد أثبتت التجربة كيف يستطيع السوريون أن ينجحوا بشكل باهر ويتكيفوا مع واقعهم الجديد، واليوم أمامهم الفرصة للتفكير في مستقبلهم العلمي والعملي.
وبخصوص الشباب الذين تعرضوا للاعتقال، ينبغي أن تكون لهم معاملة خاصة تراعي جوانب نفسية واجتماعية عديدة، وقد رأينا حالة الشباب الذين خرجوا بصدمات عقلية وجسدية مروعة، وبعد عقود من حكم حزب البعث الذي خلق جيلاً من الشباب المقموع والمعزول بعد تجريم أي نشاط جماعي، ودورنا بالفعل هو تزكية العمل الجماعي ونشره كثقافة لأمة متحضرة حرة.
وما دور المجتمع المدني والأحزاب في دعم الشباب بعد حقبة الأسد؟
– ليست العبرة بتدشين أحزاب بالمعنى القديم بقدر غرس حب الوطن أولاً والانتماء للحضارة السورية؛ لأن المكوث تحت وطأة الاستبداد يقتل الانتماء لدى الشباب، ويجب أن نوجه الشباب لتعلم العمل المؤسسي، وهو ما يضمن نهضة وازدهار سورية.
وبالطبع فالمجتمع المدني مدعو بكل مؤسساته لدعم مشاركة الشباب وتوعيتهم واكتشاف قدراتهم أسوة بكل الأمم الناهضة، وفي الحقيقة لم يكن بيننا وبين نهضة وطننا إلا زوال الطاغية، وكل ما هو قادم يبعث على الأمل، وكل ما هو صعب في الجوانب التعليمية والنفسية والاجتماعية يمكن تجاوزه.
ما تقييمك لحالة الجدل القلق حول مستقبل البلاد؟
– جرت مصالحات كثيرة تأكدت منها بنفسي لجمع الفرقاء في معركة الاستقلال الثاني، وبالتالي فهذه الثورة هبة وطنية خالصة قادها فصيل من السوريين الأحرار.
وأتساءل: لماذا لا نمنح أنفسنا الحق الطبيعي لبناء وطن حر وطي صفحة الماضي، ومن يحق له أن يتحدث عن سورية غير من ذاقوا ويلات بشار وأبيه؟! لهذا، فالتفاؤل هو مسارنا ووجهتنا وكل السوريين اليوم بعيداً عمن ارتبطت مصالحهم الخاصة بنظام الأسد من إعلاميين وخلافه، وعلينا أن نكون عوناً له في بناء هذا الوطن بعيداً عن أي تجاذبات سياسية، وأن نوجه أنظارنا صوب الوطن.
ما أول مطالبكم من النظام الجديد؟
– الكرامة والحرية والعدل، سورية بلد ناهض يعلي الكفاءات وليس المحسوبية وذوي السلطان، ولا تهاون مع القتلة المجرمين، ولا يحق لأحد أن يتحدث عن أي عفو، ومن جهة أخرى، لا مجال لإشراك رجال نظام الأسد مهما كانوا في أي دور بسورية الجديدة، وقد نهبوا خير بلادنا طويلاً، وحوّلوا سورية لشعب فقير ولاجئ على شعوب العالم.