من المنظمات الصهيونية السرية الخطيرة التي اكتشف أمرها: الماسونية والبهائية، وجمعية شهود يهود، ونادي الصلبان، والمزدهرة، ونوادي الروتاري، ونكتفي بالإلمام بالمحافل الماسونية.
المحافل الماسونية
هي من أقدم المنظمات اليهودية التي بثها اليهود أينما حلُّوا في أقطار الأرض، لتكون مثوى اجتماعاتهم التي يتناقشون فيها ويتبادلون الرأي والمعلومات، ويكفي لبيان الصلة الوثيقة بين الماسونية والصهيونية أن بروتوكولات صهيون -الدستور الصهيوني- قد صدرت مذيلةً بإمضاء ثلاثمائة من كبار الماسونيين الحائزين للدرجة الثالثة والثلاثين الماسونية.
ولا يزال منشأ الماسونية طي الكتمان، بل لغزًا من الألغاز الغامضة(1)، ورغم ذلك فإن تاريخ الماسونية الذي تتداوله معارف الماسونيين ينبئ عن أصالتها الدينية لليهودية، فهم يزعمون أن الملك سليمان عليه السلام، كان الأستاذ الأعظم في محفل القدس، كما عثر على مخطوطة يرجع تاريخها إلى القرن الخامس عشر الميلاديّ يستدل منها على أن الماسونية دخلت إنجلترا على يد اليهود في مصر والقدس(2).
شعار الماسونية
والماسونية أو جمعية البنائيين الأحرار، منظمة اجتماعية عالمية، شعارها الذي يتسم بها نشاطها الظاهر: العدل، الإخاء، الحرية، وهدفها: التعاون الإنسانيّ بين أفرادها على أوسع مدى، وقد اتخذت من صناعة البناء وأدواته كثيرًا من شعاراتها ورموزها، فالبركار والزاوية هما الرمز العام للماسونية، وعلامة الأستاذ الأعظم: البركار والقوس وصورة العين المشعة داخل مثلث، وعلامة المنبه الأول الأعظم: ميزان البناء، وعلامة المنبه الأعظم: خيط الشاقول، وعلامة المهندس الأعظم: البركار.
ويشار إلى الله سبحانه وتعالى باسم «مهندس الكون الأعظم»، ويسمى كل تنظيم ماسونيّ محفلًا، يجتمع فيه الأعضاء، ويضم المحفل الأكبر مجموعة من المحافل، وتتبع المحافل المقامة في مجموعة من الدول محفلًا عامًّا يسمى: شرقًا، وتتكون الماسونية من طبقات ثلاثة متدرجة:
الطبقة الأولى: وتعرف بالماسونية الرمزية العامة، وهذه الطبقة متاحة لجميع الأجناس والأديان، ويُقَسَّمُ أعضاؤها إلى ثلاث فئات: المتبدئين أو الأخوة، ثم الأساتذة، ثم الأساتذة الأعاظم الذين يرأسون محافلها، وتتكون المراتب الماسونية في هذه الطبقة الرمزية من 33 درجة، تتدرج صعودًا حتى مرتبة الأستاذ الأعظم.
الطبقة الثانية: وتعرف بالماسونية الملوكية، أو العقد الملكي، ويسمى العضو فيها رفيقًا كما يعرف رئيس المحفل بالرفيق الأعظم، وكان أعضاؤها جميعًا من اليهود، ثم سمح للأساتذة العظام للمحافل الماسونية الرمزية العامة بالاندماج فيها، على ألّا يتجاوزوا فيها مرتبة الرفيق، وهي أدنى مراتبها.
الطبقة الثالثة: وتعرف بالماسونية الكونية، وتتكون من رؤساء محافل العقد الملوكيّ، وهي محفل واحد، جميع أعضائه من اليهود، ولا يعرف مقره ولا رئيسه الملقب بالحاخام الأعظم، غير أن المشهور أن الماسونية الكونية يديرها المحفل الأمريكيّ المؤلف من اليهود الصهيونيين الرومانيين.
ولكل درجة من درجات الماسونية رموز خاصة، وشارة خاصة، وتحية معينة، وأسرار محددة تتسع دائرتها كلما ارتقى العضو إلى درجة أعلى، وتختلف باختلاف طبقات المحافل، ولا يجوز لدرجة أن تطلع على أسرار وتعاليم الدرجة تعلوها.
ولا يقبل العضو الجديد في أدنى درجات الماسونية إلّا بعد تزكية عضوين له، وثبوت جدارته بما يجري حوله من التحريات السرية التي تبعث على الاطمئنان إليه، ونجاحه في اختيار نفسيٍّ عسير، يجري في غرفة مظلمة رهيبة؛ حيث يمكث فترةً طويلةً في تابوتٍ من توابيت الموتى بين الجماجم والهياكل العظمية، ثم يتم قبوله في حفل تكريس تجرى فيه طقوس غريبة على مشهد من جميع أعضاء المحفل.
ولا يرقى الماسونيّ إلى درجة أعلى حتى يَمُرَّ باختبارات وتجارب قاسية، تثبت جدارته بالترقية، وتلقي أسرار الدرجة الجديدة، وتتفاوت هذه الاختبارات في الدقة والقسوة بتفاوت الدرجات المكرس لها العضو؛ بحيث تمعن في القسوة كلما علت الدرجة، والقصد من ذلك التأكد من قدرة العضو على تحمل أنواع التعذيب والأذى الذي قد يتعرض له في سبيل كتمان أسرارها.
وقد اتخذت الماسونية ستارًا لأغراضها الحقيقية -وهي خدمة الصهيونية- تلك النشاطات الإنسانية والاجتماعية، باعتبارها تعمل للبِرِّ والتعاون الاجتماعيّ، وتنفي عن نفسها التعرض للمباحث الدينية والأمور السياسية، فالماسونيّ يلقى دائمًا من صنوف المعونة والمساعدة ما قد يحتاج إليه، سواءً كان ذلك في وطنه أو البلاد الأخرى، حيث يقابل من إخوانه الماسونيين المنتشرين في جميع الأقطار بمزيد البشر والترحاب، والاستعداد لخدمته، والعمل على راحته، حالما يلتقي بهم، ويتعرف إليهم بمقتضى الإشارات المصطلح عليها فيما بينهم، وكلمات السر المضنون بها على غيرهم، بل يزيد الدعاة في نشر الدعوة الماسونية بقولهم: إن الموظف الماسونيّ لابد أن يلقى من عناية الرؤساء الماسونيين بأمره ما تقرَّ به عينه؛ حيث تكون ماسونيته خير مؤهل للترقي وتخطي الأقران، وإذا أجرم الماسونيّ، ثم حوكم أمام القاضي الماسوني، فإن البراءة مضمونة له، حالما يظهر له الإشارة الماسونية، وهكذا التاجر ورجل الأعمال(3).
ومعلوم أن الماسوني يقسم عند التحاقه بالعشيرة الماسونية أمام الرئيس المحترم -خليفة الملك سليمان- أن يتخذ من إخوانه الماسون أولياء له في جميع أموره وأحواله، وأن يأتمنهم كذلك على أعراضه، وأن يتخذ القومية الماسونية دون سواها شعارًا له مدى الحياة(4).
وقد أفصح البروتوكول الثالث من بروتوكولات صهيون عن الدور الجديّ للمحافل الماسونية في سبيل إنشاء الدولة اليهودية العالمية التي يدين لها سكان المعمورة، ويخضعون لسلطانها حيث يقول: إن المحافل الماسونية تقوم في العالم أجمع -دون أن تشعر- بدور القناع الذي يحجب أهدافنا الحقيقية، على أن الطريقة التي ستستخدم بها هذه القوة في خطتنا، بل في مقر قيادتنا، ما زالت مجهولة من العالم بصفة عامة.
وفصَّل البروتوكول الحادي عشر الأهداف التي ترمي إليها الصهيونية؛ من إفساح المجال لغير اليهود للانضمام إلى المحافل الماسونية العالمية، فقد جاء فيه: ما السبب الذي دفعنا إلى أن نبتدع في سياستنا، ونثبت أقدامها عند غير اليهود، لقد رسخناها في أذهانهم دون أن ندعهم يفقهون ما تبطن من معنى، فما هو السر الذي دفعنا إلى أن نسلك هذا المسلك، اللهم إلّا أننا جنس مشتت، وليس في وسعنا بلوغ غرضنا بوسائل مباشرة، بل بوسائل غير مباشرة فحسب، هذا هو السبب الحقيقيّ لتنظيمنا “الماسونية” التي لم يتعمق هؤلاء الخنازير من غير اليهود في فهم معناها، أو الشك في أهدافها، إننا نسوقهم إلى محافلنا التي لا عداد لها ولا حصر، تلك المحافل التي تبدو ماسونية فحسب، ذرًّا للرماد في عيون رفاقهم.
وفي البروتوكولات نصوص كثيرة تبين دور المحافل الماسونية في العمل لخدمة الصهيونية؛ منها ما جاء في البروتوكول الخامس عشر: “يلتحق غير اليهود بالمحافل الماسونية مدفوعين بمجرد الفضولية، أو أملًا منهم في الحصول على المزايا التي توفرها لهم، ويلتحق بعضهم بها لكي يتمكنوا من مناقشة أفكارهم السخيفة أمام جمهور المستمعين، ويتوق غير اليهود إلى ضروب الانفعالات التي يهيئها النجاح والهتافات، وها نحن نوزعها عليهم دون حساب، ولذلك نتركهم يحرزون نجاحهم، ونفيد من الرجال الذين يتملكهم الغرور، والذين يستسيغون أفكارنا، وكلهم ثقة في عصمتهم، وفي أنهم وحدهم قادرون على التفكير وغير خاضعين لغيرهم.
وهكذا كان الماسونيون أكبر معوانٍ للحركة الصهيونية في شتَّى الأقطار، يعملون على تحقيق أهدافها السياسية والاستعمارية بحماس ودأب، ومنهم على سبيل المثال “ونستون تشرشل” الذي عمل على تأييد الحكومة الإنجليزية للمطامع الصهيونية في فلسطين، وكان هاري ترومان، رئيس الولايات المتحدة، ماسونيًّا أعظم، وقد أكدت ذلك مجلة «شيكاغو أفنجر» في عددها الصارد في 13 يوليو 1955م، وهو الذي سارع إلى الاعتراف بدولة إسرائيل ساعة ولادتها المشؤومة.
وتعزي الحركات الثورية العاتية، والفتن المخربة التي اندلعت في شتَّى الدول في العصر الحديث إلى النشاط الماسونيّ الهدام؛ كالثورة الفرنسية في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، والانقلاب العثمانيّ سنة 1327هـ/ 1908م، والثورة الشيوعية في روسيا سنة 1336هـ/ 1917م وغيرها(5).
____________________
(1) كتاب «كيف أنشئ المحفل الأكبر الوطني السوري اللبناني»، تأليف: حسين اللاز، وأحمد مختار نجاة، ص28.
(2) المرجع السابق.
(3) «الجمعية الماسونية حقائقها وخفاياها» للدكتور أحمد غلوش، الرئيس السابق للمحفل الأكبر الماسوني بالإسكندرية، والحائز على الدرجة 32، ص4.
(4) المرجع السابق، ص8.
(5) ويمكن لمن يرغب في المزيد من التفصيل الرجوع إلى الكتب التالية:
– «أسرار الماسونية» للجنرال جواد رفعت أتلخان.
– «الماسونية في العراء» للدكتور على الزغبي.
– الكتاب النفيس الذي صدر أخيرًا: «الصهيونية بين الدين والسياسة» للأستاذ عبد السميع الهراوي، وعليه عولنا في هذا البحث.
المصدر: كتاب أساليب الغزو الفكري للعالم الإسلامي.