عندما سيطر هتلر على مقاليد الحكم في ألمانيا في عام 1933م، تعاون زعماء الصهاينة مع زعماء النازية على حساب أرواح وثروات ملايين اليهود، فلا يمكن نسيان الخلفية العرقية التي كانت رائد بعض اليهود المعجبين بهتلر لدى تعاونهم مع نظامه، فقد كانت هناك مجلة تظهر في فلسطين تحت اسم «بريت هابريونيم»؛ أي عصبة الأشداء، تؤيد علناً التعاون مع النازية، وكانت أعدادها تزخر بالمقالات التي تمجد هتلر والهتلرية، وكان من هتافات أعضاء العصبة: «ألمانيا لهتلر، وإيطاليا لموسوليني، وفلسطين لجابوتنسكي».
فقد تطرق الاكاديمي «الإسرائيلي» إسرائيل شاحاك (1933 – 2001م) في كتابه «الديانة اليهودية: وطأة 3000 عام»، إلى نماذج وأمثلة واضحة من التعاون الصهيوني مع النازية على حساب اليهود الألمان والبولنديين وغيرهم من يهود شرق أوروبا، وربما كان من أفظع هذا النوع من الأمثلة هو الابتهاج الذي أبداه بعض القادة الصهيونيين ترحيباً بصعود هتلر إلى السلطة لأنه يشاركهم الاعتقاد بأولوية العرق وبمعارضته لاستيعاب اليهود ضمن العرق الآري، فهنؤوا هتلر بمناسبة انتصاره على العدو المشترك قوى الليبرالية.
ود. يواخيم برينز الحاخام الصهيوني الذي هاجر فيما بعد إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأصبح نائباً لرئيس المؤتمر اليهودي العالمي ومرشداً اقتصادياً في المنظمة الصهيونية العالمية وصديقاً كبيراً لغولدا مائير (رئيسة الوزراء «الإسرائيلية» السابقة) نشر عام 1934م كتاباً خاصاً بعنوان «نحن اليهود»؛ للاحتفال بثورة هتلر الألمانية وهزيمة الليبرالية، ففي هذا الكتاب المثير وردت الجملة التالية: معنى الثورة الألمانية بالنسبة للأمة الألمانية سيتضح في نهاية الأمر لأولئك الذين أوجدوها وشكلوا صورتها، لكن معناها بالنسبة لنا نحن اليهود، يجب تحديده فوراً: فقدت الليبرالية التي تعتبر الشكل الوحيد للحياة السياسية التي ساعدت على اندماج اليهود مستقبلها وغرقت.
وأعرب يوآخيم برنز، في كتابه، عن اغتباطه من أن النازية ألغت الاندماج اليهودي بمنع الزيجات المختلطة بين اليهود والألمان، وفرح لواقعة إجبار اليهود على التعريف على أنفسهم بإشارات واضحة تبين أنهم يهود.
بل طالب برنز باستصدار قانون ألماني يطالب اليهود بـإعلان الانتماء إلى الأمة اليهودية والعرق اليهودي على أساس أن الدولة القائمة على مبدأ نقاء الأمة والعرق لا يمكن أن يحترمها ويجلها إلا اليهودي الذي يعلن عن انتماء من هذا النوع، وما أن يعلن ذلك حتى لا يعود قادراً على محض الدولة ولاء ناقصاً، والدولة لا تقوى على تقبل يهود آخرين، وإنما أولئك الذين يعلنون انتماءهم لأمتهم لأنها (الدولة) لن ترغب بمنافقين وزاحفين يهود، بل يجب على الدولة أن تطلب منا الولاء والإخلاص لمصلحتنا؛ لأن الذي يحترم عرقه الخاص ودمه يمكن أن يحترم الإرادة القومية للأمم الأخرى.
إنه لأمر عجيب كيف يمزج برنز هذا المفكر المتفلسف تعابير العرق ونقاء الدم والأمة والشعب واليهودية كدين، ملقياً بها في وعاء واحد ويخلط حابلها بنابلها ليخرج بتركيبة كوكتيل غريبة وبمولود عجيب يتناسب مع المسخ الفكري الصهيوني الذي أسهم بقوة في مذابح اليهود.
هذا، ويبين شاحاك أن د. برنز وكل الصهاينة المتعاطفين مع النازية والمتحالفين معها لم يدركوا أبعاد نتائج النازية، ولم يدركوا أيضاً أن الصهيونية هي: خليط من أحقاد اليهودية الكلاسيكية ضد غير اليهود والاستغلال غير الموثق تاريخياً لكل حوادث اضطهاد اليهود لتبرير الاضطهاد والإبادة الصهيونية للفلسطينيين العزل.
فالتشريع اليهودي شديد الوضوح إذ يقول: فبحسب «الهالاخاه»، فإن واجب إنقاذ حياة قرين يهودي واجب لا يعلو عليه واجب آخر، فهو يتقدم على جميع الواجبات والتحريمات الدينية الأخرى باستثناء تحريم أشنع المعاصي الثلاث؛ الزنى، بما فيه الزنى بين الأقارب والقتل، وعبادة الأوثان، فإن اعتبرنا قادة الصهيونية الذين ضحوا بملايين اليهود غير يهود فيستحقون الحكم عليهم مدنياً حسب كل الأعراف الإنسانية بالإعدام لأنهم تسببوا بمقتل ملايين من البشر، من بني جلدتهم من البشر!
وأما إن اعتبرناهم يهوداً فيستحقون أشنع أنواع الإعدام لأنهم تصرفوا عن سابق عزم وإصرار بما يتسبب بقتل الملايين من إخوتهم من رعايا شعب الله المختار! الذين اختارهم ربهم إلى جواره من خلال المحرقة وغرف الغاز لأن مصلحة بعض اليهود اقتضت التضحية بهم، لقد وقفوا عثرة في وجه إنقاذ بني دينهم وتركوهم بين براثن الموت لكي يحققوا نفعاً قومياً لليهود الموجودين في خارج مناطق الخطر، فأين هم الحاخامات الذين كان عليهم محاكمة هؤلاء الزعماء القتلة؟ أو لم يتصرف الصهاينة بوحي بل بأمر صريح من قبل هؤلاء الحاخامات؟
ترى لماذا اغتيل كاستنر عام 1957م (الشاهد على تعاون قادة «إسرائيل» مع الزعماء النازية) على مدخل المحكمة في «إسرائيل» قبل أن يدلي بشهادته؟ ألم يعترف بعض قادة «إسرائيل» بأن ما يعرفه كاستنر يشكل خطراً على زعامات الدولة؟
وفي هذا الصدد، لا يمكن نسيان كتاب «ثمن إسرائيل» الذي أصدره اليهودي الأمريكي مــــن أصـــل ألماني ألفريد ليلينتال، ويتناول ضحايا النازية المضطهدين والهاربين والمختبئين في كل أنحاء أوروبا؛ حيث تلاحقهم مخابرات «الغستابو» (المخابرات الألمانية) تحت تهديد كل من يأويهم بالإعدام ومكافأة كل من يخبر عن مأويهم بالمال.
ونجحت سياسة القمع والجوائز إذ سقطت العائلة اليهودية إثر العائلة ليلتقط النازيون أفرادها ويرسلوهم إلى مصيرهم الدامي في معسكرات الاعتقال، يقول ليلينتال: كان الرئيس الأمريكي روزفلت قلقاً جداً على مصائر الملاحقين اليهود واللاجئين في أوروبا، وقانعاً بأنه على الأمم الحرة في العالم تقبل أعداد منهم في أراضيها بصرف النظر عن ديانتهم أو أصولهم أو لون بشرتهم أو مذاهبهم السياسية، وكان روزفلت يأمل بإنقاذ نصف مليون من الملاحقين بهذه الطريقة. (ص 30 – 31).
وانطلاقاً من قناعته الإنسانية هذه، أوفد روزفلت صديقه المقرب النائب موريس أرنست إلى لندن في منتصف فترة الحرب العالمية (أي خلال عام 1942م قبل أن تكون رحى الفتك باليهود قد أخذت الحدود المأسوية) ليسأل حكومتها فيما إذا كان لديها استعداد لتقبل مائة ألف أو مائتي ألف لاجئ في أراضيها.
وكان للرئيس روزفلت أسبابه في قناعته بأنه إذا وافقت بريطانيا على قبول هذا العدد من اللاجئين فسوف تفتح كندا وأستراليا ودول أخرى في أمريكا الجنوبية أبوابها لتقبل أعداد أخرى من هؤلاء المهددين في حياتهم ومصائرهم، وفيما إذا فتح هؤلاء أبوابهم فسوف يستيقظ لدى الكونغرس الأمريكي الإحساس بضرورة استمرار التقليد الأمريكي بتقبل اللاجئين أيضاً، ومفتاح كل ذلك في لندن! فهل سينجح أرنست في لندن؟
وعاد موريس إلى الرئيس روزفلت ليبشره بأن بريطانيا مستعدة للتماشي مع الرغبة الأمريكية بقبولها للاجئين بحدود 150 ألف مشرد لاجئ، فصاح روزفلت مستبشراً: 150 ألفاً فــــي بريطانيا، 150 ألفاً أخرى في الولايات المتحدة، و200 ألف في أماكن أخرى، وبذلك نفتـــح عملية إنقاذ نصف مليون من المضطهدين.
بعد حوالي أسبوع من ذلك اللقاء، اجتمع روزفلت مع أرنست وزوجته وحدثهم عن ضرورة إيقاف العمل بمشروع إنقاذ نصف المليون يهودي؛ لأن قادة اليهود في الولايات المتحدة ترفض ذلك المشروع الذي ينقذ أقاربهم، فصاح موريس سائلاً: هذا ضرب من المستحيل! فلماذا يرفض قادة اليهود هذا العمل (الذي ينقذ أقاربهم)؟
فأجابه روزفلت: إن الحركة الصهيونية تعلم بأن فلسطين في الوقت الحاضر، بل وفي المستقبل القريب مكان يجري إرسال اليهود إليه، وتعلم الصهيونية أنها تستطيع من خلال إرسال اليهود إلى فلسطين جمع مبالغ هائلة من أثرياء اليهود المتبرعين الذي يُقال لهم بأن فلسطين هي المكان الوحيد الذي يمكن أن ينقذ اليهود من حتفهم المؤكد، فإذا ما رأى هؤلاء المتبرعون أن الولايات المتحدة ودولاً أخرى في العالم تستقبل اليهود المضطهدين برحابة فلن يتبرعوا لصالح الحركة الصهيونية على الإطلاق.
صعق أرنست من هذا المنطق ورفض في بادئ الأمر أن يصدق ما سمعه من صديقه روزفلت، رئيس جمهورية الولايات المتحدة (لينينتال، ثمن اليهودية، ص27 – 28).
وبهذه المؤامرة الصهيونية الدنيئة مع كبار زعماء النازية أمثال: هايدريخ، وأيخمان، وهملر، توقفت عمليات إنقاذ نصف مليون من يهود أوروبا لتلتهمهم غرف الغاز السام والمحارق والقبور الجماعية التي لم تشبع، ولم يقتصر عدد القتلى على نصف مليون وإنما تجاوزه إلى عدة ملايين من اليهود الذين قتلتهم الصهيونية من أجل جمع المال الصالح لزعاماتهم غير الإنسانية.
هذا، وإن الأصوات الصهيونية القيادية التي شاركت بسياسة آثمة أدت إلى إبادة ملايين اليهود أكثر تلوناً مما نظن وغالبيتهم أصبحوا رؤساء وزراء لـ«إسرائيل» أمثال: بن غوريون، موشيه شيرتوك (شاريت)، غولدا مائير، ليفي أشكول، إسحاق شامير، رودلف كاستنر.
فإذا كان بن غوريون أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني على استعداد للتضحية بنصف أطفال اليهود من أجل الوطن القومي الصهيوني، فإن إسحق جرونباوم، رئيس لجنة الإنقاذ بالوكالة اليهودية، قد تجاوز الحدود تماماً، ففي حديث له أمام اللجنة التنفيذية الصهيونية، في 18 فبراير 1943م، صرح قائلاً: إنه لو سئل إن كان من الممكن التبرع ببعض أموال النداء اليهودي الموحد لإنقاذ اليهود، فإن إجابته ستكون كلا ثم كلا بشكل قاطع.. يجب أن نقاوم هذا الاتجاه نحو وضع النشاط الصهيوني في المرتبة الثانية.. إن بقرة واحدة في فلسطين أثمن من كل يهود بولندا، وكان وايزمان قد عبر عن نفس الفكرة النفعية عام 1937م حينما قال: إن العجائز سيموتون فهم تراب وسيتحملون مصيرهم. (أحمد المسيري، الصهيونية والنازية، ص149).
وفي هذا السياق، لا يمكن نسيان مذكرات إسحاق شامير، رئيس الوزراء «الإسرائيلي»، الأسبق، حين قــــال مــا يمس ذات الموضوع، ولكن من جانب مغاير.
كانت تلك أيام معسكرات التعذيب الجماعية للنازية للقتل والإذلال والنهب والعزل لليهود تنفيذاً لمبدأ القضاء عليهم نهائياً؛ ولأن بريطانيا رفضت أن تساعد في إنقاذ اليهود المقهورين في أوروبا في تلك الأيام العصيبة، فقد نالوا كراهية الكثيرين وأولهم أنا، وقمت أنا مع معظم أصدقائي بمسيرة، كنا نريد أن نوضح مشاعرنا لبريطانيا والعالم أجمع ولليهود الذين يعتمدون على أننا سوف نأتي بهم إلى فلسطين، إلى أرضهم مهما كلفنا ذلك من تضحيات، أتذكر تلك المسيرة في «تل أبيب» حيث كنا نصلي أثناء سيرنا بأن يتحمل اليهود في أوروبا وطأة العذاب حتى يتغير الوضع وتنزاح الغيمة (مذكرات إسحاق شامير، ص 34-36).
إننا لم نسمع عن نفاق ومكر وازدواجية مارقة أعنف مما كتبه الإرهابي شامير، فبصوته يدين جرائم النازية، وبقلبه يصلي ليهود أوروبا، وبعمله السياسي شارك هو ومعظم قادة «إسرائيل» في مؤامرات أدت بملايين أقاربه إلى الموت الزؤام، ولا يقتصر الأمر على ذلك، وإنما نجد أن مذكراته محـــت كل تعاونه مع النازيين من الوجود وكأنها لم تكن، إنها لم تتعرض لأي لحظة من لحظات تفاوضه شخصيا مع ممثلي النازية ومما هو موثق ومحفوظ في المبنى التذكاري للهولوكوست في القدس ضمن مذكرتين تحملان رقم (8 /34151E)، والجدير بالذكر أن السلطات البريطانية ألقت القبض عليه في يناير 1941م بتهمة التعاون مع النازية والإرهاب (جارودي، ص 78، ود. المسيري الصهيونية والنازية، ص 164).
نعود إلى جارودي الذي يخبرنا على (ص 65) في كتابه «الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية» أن بن غوريون صرح بتاريخ 12/ 7/ 1939م أمام قادة صهاينة بقوله: لو خيرت بين إمكانية إنقاذ كل أطفالنا في ألمانيا بنقلهم إلى لترا، أو إنقاذ نصفهم بنقلهم إلى «إسرائيل»، لاخترت الحل الثاني علينا ألا نأخذ بعين الاعتبار حياة هؤلاء الأطفال، ولكن أيضاً تاريخ الشعب «الإسرائيلي».
ولقد تصرف بن غوريون فعلاً حسب هذا المبدأ وحمل هو ومعه زملاؤه الصهاينة إثم مقتل مئات الألوف من أطفال اليهود، حين قال بن غوريون هذا الرأي لم يكن قد مضى على ليلة الكريستال الدموية الشهيرة في كـــــل مدن ألمانيا إلا أقل من شهر حيث قتل أعداد من اليهود، وأخذ آلاف أسرى، وسرقت ممتلكاتهم التجارية وحطمت دورهم، وكانت أحداث تلك الليلة بمثابة الإشارة قبل الأخيرة التي تثبت أن مصير اليهود تحت الحكم النازي أحلك من الموت.
وفي هذا الظرف، قال بن غوريون: إنه يفضل أخذ نصف أطفال اليهود أحياء ليستقطبهم إلى فلسطين، مضحياً بالنصف الباقي! فأين تعاليم التلمود التي تجعل من إنقاذ حياة اليهودي أمراً مقدساً؟
ومن اللافت للنظر أن بن غوريون أراد بوضوح فاجر إنقاذ الأطفال اليهود ولم يسأل عن النساء ولا عن الشيوخ ولا عن العجزة الذين لا حول لهم ولا قوة ولا مقدرة على درء الأخطار التي كانت تتهددهم، هذه هي إنسانية الصهيونية!
إننا سمعنا وقرأنا الكثير عن «محاكم التفتيش» غير الإنسانية حين كان يمثل الإسبان الصليبيون بالمسلمين وباليهود أشنع تمثيل، ولكننا لم نسمع ولا تلويحاً بأن أتباعاً لدين واحد ممن تسلطوا على مقادير أقاربهم جازفوا عن سابق عمد وإصرار متوقعين دفع ملايين من بني جلدتهم وأقاربهم الملاحقين إلى المحارق النازية من أجل جمع المال الذي سوف يصادرون الجزء الأعظم منه لحسابات من الصعب محاسبتهم عليها، وليس من أجل إنقاذ اليهود. (سامي عصاصة، قراءة في كتاب إسرائيل شاحاك «هل اليهودية التلمودية دين؟»، ص87).
ولنا أمثلة حالياً في التاريخ المعاصر على تعاون بعض الأنظمة العربية مع الصهاينة على حساب الشعب الفلسطيني، منها بيع الجولان من قبل السفاح الباطني حافظ الأسد عام 1967م، ودعم ومساندة بعض الأنظمة العربية لحملات الإبادة والمجازر الصهيونية ضد شعبنا الأعزل في غزة، ولمن أراد المزيد فعليه بكتاب «الحرب» للمحامي الأمريكي بوب وودورد، لكي يطلع على ما خفي!