تعد قضايا ذوي الاحتياجات الخاصة من التحديات الجسيمة التي تواجه الأسرة، إذا كانت تعاني من هذا الأمر؛ ما يفرض عليها مواكبة هذا التحدي، والعمل على إدماج ذوي الاحتياجات، والتخفيف من آلامهم، بل واكتشاف مواهبهم وإبراز نجاحاتهم.
«المجتمع» التقت د. إيهاب الببلاوي، العميد السابق لكلية علوم ذوي الإعاقة والتأهيل بجامعة الزقازيق، نائب رئيس الجامعة حالياً، أحد الخبراء العرب في التعامل مع ذوي الاحتياجات وتأهليهم.
من هم ذوو الاحتياجات الخاصة وفقاً للنصوص الدولية التي يجب أن تلتزم بها الدول؟
– وفق ميثاق الأمم المتحدة، فإن الأشخاص ذوي الاحتياجات هم: كل من يعانون من عاهات طويلة الأجل بدنية أو عقلية أو ذهنية أو حسّيّة، قد تمنعهم لدى التعامل مع مختلف الحواجز من المشاركة بصورة كاملة وفعالة في المجتمع على قدم المساواة مع الآخرين، ومع هذا، فإن لجميع أفراد الأسرة الإنسانية كرامة وقيماً متأصلة وحقوقاً متساوية غير قابلة للتصرف كأساس للحرية والعدالة والسلام في العالم، وهذا تضمنه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفي العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان، أن للجميع دون تمييز حق التمتع بجميع الحقوق والحريات الأساسية وعدم القابلة للتجزئة.
أكثر من 15% من سكان العالم يعانون من الإعاقة بينهم مائة مليون طفل
ما نسبة ذوي الاحتياجات الخاصة بين سكان العالم؟
– تؤكد الإحصاءات الدولية أن ذوي الاحتياجات الخاصة أكثر من مليار شخص، يمثلون 15% من البشر؛ 80% بالبلدان النامية؛ أيْ شخص من كل سبعة، ويصل عدد الأطفال المعاقين أكثر من مائة مليون، وللأسف فإن ما يتعرض له الأطفال المعاقون من العنف أربعة أضعاف نظرائهم غير المعاقين، وأن أكثر من 50% من ذوي الاحتياجات يعانون من نقص الرعاية الصحية والاجتماعية والنفسية والتربوية.
يمثل وجود طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة في الأسرة أزمة، فكيف يمكن التعامل معها؟
– لا شك أن التسلح بالرضا والقضاء والقدر أهم سلاح يمكن للأسرة التسلح به في التعامل مع وجود طفل من ذوي الاحتياجات؛ ما يحوّل المحنة إلى منحة حتى يشعر الأب والأم بالرضا والصبر، وخاصة أنه يحتاج إلى معاملة نفسية واجتماعية خاصة من الوالدين والأخوة والأخوات، وخاصة إذا كانت الإعاقة طارئة وليست منذ ولادته؛ لأنه هنا يكون أكثر حساسية.
يجب التوعية بحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة وفقاً لتعاليم الأديان والمواثيق الدولية
ويختلف تأقلم الطفل مع الإعاقة حسب البيئة المحيطة ومدى تقبلهم لها، فمثلا إذا واجهت الأسرة الإصابة بحالة من التذمر ونبذ المعاق، فهذا يصيبه بأمراض نفسية وسلوكية قد تدفعه إلى الانتحار أو العدوانية أو العناد، لهذا يجب على الوالدين وبقية أفراد الأسرة أن يتسلحوا بالوعي في التعامل مع الحالة الطارئة من الاستفادة من نصائح الطبيب النفسي أو الاختصاصي الاجتماعي.
أما الطفل الذي يكون مولوداً معاقاً فهو أقل تأثراً نفسياً؛ لأن من الصعب جداً السلب بعد العطاء، ولهذا استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من السلب بعد العطاء فقال: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ جَهْدِ البَلاَءِ، وَدَرْكِ الشَقَاءِ، وَسُوءِ القَضَاءِ، وَشَمَاتَةَ الأَعْدَاءِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيِعِ سَخَطِك».
ولهذا ننصح الوالدين والمحيطين بالمعاق بالرفق به مع عدم الشفقة القاتلة، بل الشفقة بوعي، وخاصة أن المعاق غالباً ما تكون حساسيته شديدة، ويفسر بعض المواقف بشكل خاطئ أو مبالغ فيه، ويفسرها على أنها نوع من السخرية أو الاحتقار أو الملل مما يخلق له مشكلات مع المحيطين به إذا لم يتوفر لديهم الوعي بكيفية التعامل النفسي وعدم العنف معه تطبيقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما كان الرِّفْقُ في شيءٍ إلَّا زانَه، ولا نُزِعَ من شيءٍ إلَّا شانَه».
ما أهم التوجيهات والنصائح اللازمة عند التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة؟
– يجب تعليم ذوي الاحتياجات الأخلاق والآداب الدينية والاجتماعية بأسلوب حنون بعيداً عن الضغط والترهيب الجسدي أو المعنوي، سواء من خلال الأسرة أو المؤسسات التربوية والتعليمية؛ حتى لا يعيش في حالة من الخوف الدائم من المشاركة الاجتماعية والاندماج في المجتمع.
ننصح الوالدين والمحيطين بذوي الاحتياجات الخاصة بالرفق به مع عدم الشفقة القاتلة
ولهذا لا بد من تأهيله نفسياً واكتشاف قدراته ومواهبه وتعظيم الاهتمام بها، وعرض نماذج لمن قهروا الإعاقة وحققوا بطولات عالمية في مختلف مجالات الحياة الرياضية والعلمية، وكذلك تقديم نماذج ممن قهروا الإعاقة عبر تاريخ البشرية بمن فيها كبار العلماء والعباقرة العرب والمسلمين؛ وذلك لكسر حالة العزلة التي يمكن أن يتعرض لها المعاق في أي مرحلة من مراحل حياته؛ ما يسهم في تقوية ثقته بنفسه والإحساس بأنه إنسان له قيمة في الحياة، ولا يقل عن غيره من الأصحاء، بل إن لديه مواهب ومواطن للتفوق وإثبات الذات.
إذا أخطأ ذوو الاحتياجات الخاصة، فيكف يمكن تقويم سلوكهم؟
– لا شك أن الأساليب العقابية مع ذوي الاحتياجات تختلف عن الطفل السليم، مع التأكيد أن العقاب في الحالتين له وظيفة تربوية تؤدي لنتائج إيجابية، أما العقاب الانتقامي أو تفريغ الغضب بقسوة، فهذا أسلوب مرفوض ومدمر لنفسية الطفل السليم، فما بالنا بالمعاق الذي يجب أن يكون العقاب المعنوي برفق حسب معرفة الأسرة بنفسيته والسمات لشخصية لطفلها؟!
فليس كل العقاب المعنوي يأتي بنفس النتائج مع الجميع لاختلاف السمات الشخصية، وبوجه عام يجب أن يكون الترغيب قبل الترهيب، وكذلك التقويم بالحسنى، قبل اللجوء إلى العقاب البدني، وأن يكون ذلك في نطاق ضيق حتى يؤتي نتائجه الإيجابية.
ما دور أجهزة الإعلام في تهيئة المناخ المناسب لتقبل ذوي الاحتياجات الخاصة والتعامل الإيجابي معهم؟
– لا شك أن العالم أصبح قرية كونية صغيرة، ولهذا يجب على وسائل الإعلام المرئية أو المسموعة أو المقروءة، ومواقع التواصل الاجتماعي، أن تؤدي دوراً توعوياً للأسر والمجتمعات في كيفية التعامل بإيجابية مع المعاق ودمجه في المجتمع؛ من خلال استضافة المتخصصين من الأطباء والاختصاصيين النفسيين والاجتماعيين والتربويين والقائمين على مؤسسات رعاية المعاقين، ونشر أحدث الدراسات والأبحاث العالمية في شفاء المعاقين أو التقليل من آثار إعاقتهم وكيفية اكتشاف مواهبهم وتنميتها، وإنتاج مواد درامية وكرتونية لتعليم الأطفال الأصحاء كيفية المساعدة بحب ووعي لأصدقائهم ذوي الاحتياجات الخاصة سواء في المدرسة أو الشارع أو أي مكان.
من المهم إنتاج مواد درامية لتعليم الأصحاء كيفية مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة
تمثل عملية تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة مشكلة لهم ولأسرهم، فكيف يمكن التعامل مع ذلك؟
– لا شك أن اختيار التعليم المناسب لأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة من أصعب القرارات التي تواجه أسرهم، نظراً لما يترتب عليه من آثار إيجابية إذا أحسنوا اختيار المنظومة التعليمية وتأقلم معها واستفاد منها، والعكس صحيح؛ إذا لم توفّق الأسرة في الاختيار، وفشل في التأقلم معها.
ولهذا، لا بد من استعانة الأسرة بآراء ذوي الخبرة ممن تعاملوا معهم من الأطباء والاختصاصيين النفسيين والاجتماعيين والتربويين، باعتبارهم شركاء المسيرة من بدايتها، وعلى أساس ذلك تتخذ الأسرة قرار الالتحاق بمدرسة عامة أو خاصة ذات مواصفات معينة تتناسب مع نوع الإعاقة والقدرات العقلية والجسدية للطفل، مع إمداد المدرسة بنسخة من الملف الطبي للحالة، وكيفية التعامل معه إذا صدرت منه سلوكيات معينة، ولا بد أن تتحلى الأسرة بالوعي والمتابعة المستمرة مع المدرسة لحل أية مشكلة في بدايتها حتى لا تتفاقم.
ما الحل إذا لم يتم قبوله في المدرسة؛ لتفاقم الإعاقة؟
– إذا لم تجد الأسرة مدرسة مناسبة فيمكنها إلحاقه بمؤسسات التأهيل الفكري والمهني حتى يتم دمجه في المجتمع، وجعله قادراً على العطاء قدر استطاعته، ويجب على الدول بالتعاون مع أهل الخير والفضل الاهتمام بالجهات المسؤولة عن رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة بمختلف أشكالها ودرجاتها لتحقيق الدمج الاجتماعي والنفسي، والاستفادة من التكامل بين الحواس والأعضاء لدى المعاق لزيادة قدرته على الاستيعاب والتعلم.
اختيار التعليم المناسب يكشف مواهب ذوي الاحتياجات الخاصة.. وزواجهم يحدده الأطباء
اختلفت الآراء حول قضية زواج ذوي الاحتياجات الخاصة، فما رأيكم في تلك القضية الإنسانية؟
– من الخطأ التعميم برأي واحد في تلك القضية الحساسة، ويكون الرأي الأهم للأطباء بعد إجراء التحاليل الجينية والوراثية، وكذلك آراء خبراء النفس والاجتماع الذين تابعوا مسيرة المعاق، وهل يصلح للقيام بالواجبات الزواجية الأساسية والإنجاب، وبالتالي فإنه يجب الحكم على كل حالة بمفردها بدون مجاملة أو تحيّز؛ لأن نتائج افتقاد الموضوعية تكون كارثية على ذوي الاحتياجات الخاصة وأسرهم ومجتمعاتهم، ولا شك أن ذوي الاحتياجات في مختلف القوانين الدولية والدساتير لهم كل الحقوق في الرعاية الصحية والتعليمية والتأهيلية حسب مراحل النمو، كما أن لهم حقوق العمل، والزواج وتكوين أسرة مستقرة إذا لم تكن هناك موانع طبية ونفسية واجتماعية.