جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله عز وجل يُدْخِل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة: صانعه يحتسب في صنعته الخير، والرامي به، ومُنْبِلَه» (رواه الترمذي، وابن ماجه).
إنه توجيه عظيم من رسولنا الكريم في مشاركة الإنسان بالأجر كلٌ حسب استطاعته، ألم تسمعوا قول الله عز وجل: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) (فاطر: 32)؟!
نعم كلٌ يعمل لما يُسِّر له، فقط اجعل نيتك هي كسب الأجر في دنياك صَغُرَ العمل أو كَبر، فقد قال صلى الله عليه وسلم؛ «لا تَحْقِرَنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طليقٍ» (رواه مسلم).
فمن ليس لديه فضل مال يسعه أن يتصدق بأخلاقه، فصحابة رسولنا الكريم سألوه صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، أي الإسلام أفضل؟ قال: «أن تقرأ السلام، وتُطعم الطعامَ، على مَن عرفتَ ومَن لم تعرف» (أخرجه البخاري، ومسلم).
وما أجمل ما سمعته من أحدهم عندما يسمع بمشروع خيري كبير، فيأبى إلا أن يكون له نصيب فيه فيساهم بدينار واحد رغبة منه بالمشاركة بالأجر فـ«رُبَ درهم سبق ألف درهم»! وهذا مشهد آخر رأيته في كوسوفا عندما كنّا نبني مسجداً كان أهل القرية برغم قلة حيلتهم وحاجتهم يتقاسمون بناء منارة المسجد ليكون لكل عائلة نصيب في الأجر، فقد فقهوا معنى قول رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم: «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ، أوْ أَصْغَرَ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» (صححه الألباني).
فدَلَّ الحديثُ على سَعَةِ فَضْلِ اللهِ وأنَّه يَأجُرُهم على فِعلٍ صَغيرٍ جَزاءً عظيمًا، فلا يَدّخر الإنسان الوُسْعَ في فِعلِ الخَيرِ، ولو كان قليلًا، فهو عِندَ اللهِ عَظيمٌ
فلنَسْعَ لرضوان الله بقليل أو كثير فما تدري بأي عمل يدخلك الله الجنة، فها هم أهل الأعراف يخبر عنهم حذيفة، وعبدالله بن عباس رضي الله عنهما: «هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة، وتجاوزت بهم حسناتهم عن النار، فوقفوا هناك حتى يقضي الله فيهم ما يشاء ثم يدخلهم الجنة بفضل رحمته»، نعم فاليوم عمل بلا حساب وغداً حساب بلا عمل.
واعلم يا بني آدم: «ليس يَتَحَسَّرُ أهلُ الجنَّةِ على شيءٍ إلَّا على ساعةٍ مرَّتْ بهم لم يذكروا اللهَ عزَّ وجلَّ فيها»، فبادر قبل أن تغادر ولو بالقليل من العمل الصالح والذكر والعبادة لعله يكون لك ذخراً ويكون العاصم من القواصم.
وكما قال الشاعر:
على الدَوْامِ لا تَغْفَلْ فَإِنَّكَ رَاحِل إِلى القَبْرِ مَرْهُون بِمَا كُنْت تَفْعَل
فَإِمَّا نَعِيم فِي الجِنَانِ وَجَنَّة وَإِمَّا عَذَاب سَرْمَدِيٌ مُزَلَزِل
وَلا تَنْس يَومَ الْحَشْرِ إِذْ أَنْتَ وَاقِف وَحِيد أَمَامَ الله إِيَّاكَ تَجْهَلُ
وختاماً، نقول ما قاله ابن قدامة عندما سُئل: من هو السعيد؟ فقال: السعيد هو من إذا توقفت أنفاسه لم تتوقف حسناته.
فاللهم اكتب لنا الخير وسبله، ويسِّر لنا من الأعمال الصالحة ما يكون لنا شفيعاً يوم القيامة، واجعل أحسنه في خواتيمنا يا الله.