كاتب المدونة: د. عصام إدريس (*)
في كتابه «الطفولة السعيدة» للكاتب ستيفن غرازر، يشير الكاتب إلى كون التربية الخالية من الحدود والحزم تحرم الأبناء امتلاك اتجاهات واضحة حول القيود التي ينبغي أن تحد من تصرفاتهم والمسؤوليات التي ينبغي لهم الالتزام بها، فكلما قُدم لهم الدعم بلا حدود، زاد اعتمادهم على والديهم؛ ما قد يؤدي إلى ضعف ثقتهم بأنفسهم؛ وبالتالي ضعف قدراتهم على مواجهة مواقف الحياة المختلفة.
كما تؤكد ماريان رادماكر، في كتابها «تربية الأطفال في العالم الحديث»، أن استقلالية الطفل تُبنى عبر المشاعر المسؤولة بقولها: عندما يشعر الأطفال بأنهم قادرون على اتخاذ القرارات والتعامل مع العواقب، تتطور لديهم ثقة بالنفس تمكنهم من الاستقلالية في المرحلة القادمة من حياتهم، إذا لم نسمح لهم بفرض الحدود على أنفسهم، فقد نجدهم مترددين في المستقبل.
حيث يقوم دور الوالدين في التربية على قيم العطاء والمنع، ليكون نتاجها كيانًا قويًا قادرًا على مجابهة مشقات الحياة، حيثما تم غرسه أثمر، والتربية الصحيحة هي المفتاح لتشكيل أجيال قادرة على تحمل المسؤوليات، وتحقيق التوازن بين التزامات الحياة واستحقاقاتها.
وفي عالمٍ يتقلب بين رياح الانفتاح على مختلف الثقافات وثبات القيم، نُدرك أن تربية الأبناء فنٌّ يتطلب لمساتٍ من الحنان ممزوجة بهيبةً من الحزم، إنهم كالأشجار النضرة، إذا لم نُحسن توجيه جذورها، فقد تنحني أمام عواصف الحياة، كما أن المسؤولية تأخذهم في رحلة من الاكتشاف، إذ تُنير لهم دروب الحياة وتُعَلِّمهم كيف يتحلون بالشجاعة لمواجهة التحديات، فكل خطأ يرتكبونه يُعد درساً يُنحت في عقولهم، حيث يكون دور الآباء إتاحة الفرص لأبنائهم لمواجهة هذه التحديات بدلاً من السعي لحمايتهم منها، وكما هي الأمواج أصلاً في تشكيل صخور الشواطئ، تُشكل التحديات شخصيات الأبناء وتُعدّهم لمواجهة العالم بكل عزم وإرادة.
ما زلت أنظر إلى المربي الذي يدافع باستماتة عن إخفاقات نجله أو يحاول أن يجد لها المبررات كقاتلٍ يقضي على فرص بناء شخص صالح ينفع نفسه وينتفع به سواه، وما زلت أؤمن أن تربية الأبناء على أن العطاء لا يكون إلا عن استحقاق منهم، وأن كل عمل له ثمنه ونتائجه هو أحد أركان بناء شخصيات قوية ومستقرة تربيهم على تحمل مسؤولياتهم، لتجعل منهم أشخاصاً مستقلين قادرين على تحمل مشقات الحياة.
أبناؤنا غراسنا الذي نرتجي أن نلقى حصاده في المستقبل، وهم استثمارنا الأمثل، وبما نهيئهم له يمكن لمجتمعاتنا أن تستقل قطارات التقدم وليكونوا هم بصماتنا التي نتركها حينما نغادر هذا الكون لتثمر خيرًا نرتجيه.
______________________
(*) دكتوراة في الإدارة التربوية.