يشترك المسكين والفقير في الضعف والذل وعدم وفاء كسبهما بالاحتياجات اللازمة لهما، فإذا أطلق الفقير أو المسكين في جملة منفرداً، ولم يذكر الآخر؛ فالمذكور يعنيهما معاً، وإذا ذكرا متجاورين؛ فلكل منهما معنى يختلف عن الآخر، وإن كانا يشتركان في الضعف والحاجة، ومن مظاهر هذا الاختلاف في المعنى أن الفقير ضعيف ذليل في الماديات، والمسكين ضعيف ذليل في الخوف القلبي، كما قد يكون المسكين محتاجاً إلى المال، إذ إن ماله لا يكفي حاجته، بينما الفقير لا مال له أصلاً.
وعلى كل حال، فإن الإسلام دعانا إلى حب المساكين، سواء كان معنى المسكنة هو مسكنة المال أم القلب، وهو الراجح، إذ النبي صلى الله عليه وسلم دعا ربه أن يحييه مسكيناً مع أنه استعاذ بالله من الفقر، وهو ما يدعم فكرة كون المسكنة مرتكزة على القلب لا على المادة وإن كانت لا تنفيها.
من مظاهر حب المساكين
1- الاحترام والتقدير: من خلال إظهار معاني الأخوة الحقيقية في التعامل، وعدم التطاول أو الاحتقار لهم.
2- المساعدة والمعاونة: من خلال توفير الاحتياجات اللازمة لهم، من غير مَنٍّ ولا أذى.
3- المجالسة والمشاركة: من خلال التزاور والتواصل والاستعانة بهم في الأعمال التي تتحمل ذلك.
دوافع حب المساكين والإحسان إليهم
1- التعبد لله تعالى:
لقد أمر الله تعالى بالإحسان إلى المساكين، فقال: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ) (النساء: 36)، وقال عز وجل: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ) (الإسراء: 26)، كما أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالإحسان إلى المساكين وبذل المحبة لهم، ففي مسند أحمد عَنْ أَبِي ذَرٍّ الغفاري، قَالَ: «أَمَرَنِي خَلِيلِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ، وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ»؛ أي: أمرني أن أضع المساكين في حسباني، وأن أحبهم، وأدنو منهم، فأتفقدَ أحوالهم، وأسعى في قضاء حاجاتهم، ومراعاة مصالحهم، تخفيفاً عليهم من وطأة الفقر، ومشاركة لهم في هموم الحياة.
2- الاقتداء بالنبي في حب المساكين:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب المساكين، ويعلن ذلك في الناس، بل إن الله تعالى أمره أن يدعو في صلاته أن يرزقه الله حب المساكين، ففي سنن الترمذي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَانِي اللَّيْلَةَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ.. قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِذَا صَلَّيْتَ فَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ المُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ المَسَاكِينِ»؛ ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يدعو ربه عز وجل أن يحييه مسكيناً ويميته مسكيناً ويبعثه يوم القيامة مسكيناً.
3- يجسد القيم الأخلاقية النبيلة:
يسهم حب المساكين في غرس العديد من القيم الأخلاقية التي ينادي بها الإسلام، حيث يستلزم هذا الحب أن يتعاطف المسلم مع المسكين، وأن يرحمه ويقف بجانبه، ويؤثره بالخير، فهو ليس مجرد شعور عابر، بل هو عمل نبيل يجسد القيم الإنسانية الحقيقية في أسمى صورها.
4- يدعم التماسك المجتمعي:
المساكين جزء من المجتمع، وهم أناس مثلنا، يحتاجون إلى الدعم والاحتواء، وإلا تحولوا إلى مصدر للشر والحقد، فإذا سادت المحبة انتفى هذا الشر وانقطع، وهذا يدعم التماسك المجتمعي ويسهم في بناء العلاقات القوية القائمة على الاحترام والتقدير.
5- يدعونا إلى شكر النعم:
روى ابن ماجه في سننه وصححه الألباني عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ»؛ فالناظر إلى المسكين وما فقده من النعم التي نتنعم بها يندفع إلى تذكر هذه النعم وشكر الله تعالى عليها، حتى يزيدنا الله منها، حيث قال عز وجل: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) (إبراهيم: 7).
6- النجاة من العذاب:
توعد الله تعالى من يبخل على المساكين بالعذاب الأليم، فقد وصف سبب دخول أهل النار فيها بقوله: (وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) (الحاقة: 34)، وقال على لسان أهل النار: (وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) (المدثر: 44).
7- الحرص على القرب من الله يوم القيامة:
روى الترمذي في سننه وصححه الألباني عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا عَائِشَةُ، أَحِبِّي المَسَاكِينَ وَقَرِّبِيهِمْ، فَإِنَّ اللَّهَ يُقَرِّبُكِ يَوْمَ القِيَامَةِ».
8- الدخول في وصف الأبرار:
إن الله تعالى وصف أهل الجنة الأبرار، بعدد من الصفات والأعمال التي يقومون بها فيجزيهم الله عليها الجنة، وجعل من هذه الصفات: إطعام المساكين وذوي الحاجة، حيث قال تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً {8} إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً {9} إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً {10} فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً {11} وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً) (الإنسان).
ولهذا، روى البخاري عَنْ نَافِعٍ قَالَ: «كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَأْكُلُ حَتَّى يُؤْتَى بِمِسْكِينٍ يَأْكُلُ مَعَهُ»، وكان صلى الله عليه وسلم ينهى عن إطعامهم من الطعام الذي لا يرغبه الناس، ففي مسند أحمد عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: “أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضَبٍّ، فَلَمْ يَأْكُلْهُ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلَا نُطْعِمُهُ الْمَسَاكِينَ؟ قَالَ: «لَا تُطْعِمُوهُمْ مِمَّا لَا تَأْكُلُونَ».