طالما كان تحرير فلسطين حُلم يراود الكثيرين، يرسمون له في أذهانهم الخطوات والمراحل، يستشفون سردًا من الوقائع والحوادث المتتالية، ويبحثون له في التاريخ عن أشباه ونظائر، فيقيسون حاضر على غائب، وهم بين مخطئ في قياسه ومصيب، ولما انطلق طوفان الأقصى برؤيته الجهادية التحريرية للأمة وجدنا إصرارًا من البعض على سردية حركية مبنية على قراءة تاريخية محددة غير متجردة، وإنما تحكمها أماني ورغبات، إلى غير ذلك مما يكتنفها من إشكالات بنيوية غير واقعية وكذلك شرعية.
تقول السردية: أن القراءة التاريخية تفيد بما لا يدع مجالا للشك أن تحرير بيت المقدس هو ثمرة تحرر دول الطوق وعواصمها الكبرى حوله، وانخراطها جميعًا في مشروع التحرير الكبير لبيت المقدس، وأن ذلك قاعدة مطردة لا تنخرم تاريخيًا! ومما يعضد ذلك في نظرهم أن ضياع بيت المقدس إنما وقع قديمًا وحديثًا للضعف والانقسام بين جناحي مصر والشام. فنقول تفكيكًا لها وتعقيبا عليها:
أولًا: هذه القراءة التاريخية يكتنفها الكثير من التأويل ولىّ أعناق الحوادث، وغض الطرف عن كثير من المؤثرات والتفاصيل لتوافق نتيجة مسبقة الاعتقاد في أذهان أصحابها، فبدراسة تاريخ خلاص بيت المقدس والذي وقع ثلاث مرات نجد التالي:
الأولى: الفتح الأول لبيت المقدس زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يُظهر فساد هذا القياس وبطلان الدعوى من وجوه:
- أن هذه القاعدة “المطردة” كما يدعي أصحابها لم يُراعها الفاتحون زمن الخلافة الراشدة، وهم أعلم بظروف المكان والزمان وأخبر بحال العدو من قارئ لوقائع مجردة، تختلف المرويات فيها كثيرًا في زمن الحادثة الواحدة وترتيبها في السلسلة الزمنية، فضلًا عن تفاصيلها الدقيقة وأسبابها ومآلاتها، إلا إذا كانت هناك نصوص وآثار من وحي تجارب الفاتحين أو المعاصرين لها تؤكد هذه القاعدة وتدعم هذا الرأي، لا استنباطات من بين السطور تخطئ أكثر مما تصيب.
- وجه خليفة رسول الله ﷺ أبا بكر رضي اللَّه عنه ومجلس شوراه – بعد فراغهم من أمر أهل الردة – الجيوش إلى الشام، فعقد ثلاثة ألوية في وقت واحد لثلاثة رجال؛ يزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وعمرو بن العاصي، وأمر عمرو بن العاصي أن يسلك طريق أيلة عامدًا لفلسطين وقيل ولاه إياها، وأمر يزيد أن يسلك طريق تبوك وقيل ولاه دمشق، وكتب إلى شرحبيل أن يسلك أيضًا طريق تبوك وقيل ولاه الأردن[1]. ولم يضع لهم تريبًا زمانيا لفتح بيت المقدس بناءً على فتح ما حوله أولًا، ولم يراجعه في ذلك كبار قادة الإسلام وفاتحيه ودهاته، مما يؤكد أن هذه القاعدة لم تُعرف لديهم بوحي ولا بتجربة ميدانية، مع الإقرار بمنزلة تلك البقعة على سائرها من بقاع الشام.
- تأخر فتح مصر – وهو الجناح الغربي للدولة الرومية – عن فتح بيت المقدس نفسه ثلاث إلى أربع سنوات حسب الروايات إلى زمن خلافة عمر رضي الله عنه، بل كان عمر يُعارض العجلة في فتحها بادئ الأمر، مما يؤكد أنها لم تؤثر في الفتح نفسه ابتداءً ولم تشكل تهديدًا على البقعة في ذلك الوقت، وهذا يسقط أحد الجناحين المزعومين ويُبطل الدعوى.
- تأخر فتح مدن الساحل الشامي عن فتح بيت المقدس إلى حين صارت تنزل بها أمداد جيش الروم من قبل هرقل بعد أن فرّ إلى القسطنطينية بعد سقوط حمص، مما يؤكد أن تحركات الجيوش الإسلامية وليدة التدافع وفق الظروف الميدانية وليست وفق قاعدة مطردة معروفة مسبقًا[2].
- إنما تأخر فتح بيت المقدس عن فتح دمشق وحمص – عاصمة الدولة البيزنطية التي كان يقيم بها هرقل ذلك الوقت – لطبيعة الموقع وظروف التحصين وكثرة الروم وقلة جند المسلمين؛ فإن عمرو بن العاصي لما انطلق صوب فلسطين لم يكن معه سوى سبعة آلاف وخمسمائة جندي، فلما صار إلى أول عمل فلسطين كتب إلى أبي بكر يعلمه كثرة عدد العدو وعدتهم وسعة أرضهم ونجدة مقاتلتهم، فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد وهو بالعراق يأمره بالمسير إلى الشام، فأول وقعة كانت بين المسلمين والروم بقرية من قرى غزة يقال لها داثن زمن أبي بكر، ثم بدأت التحركات العسكرية لجيوش المسلمين من بصرى بقيادة خالد بن الوليد – وأبي عبيدة من بعده – تفرضها مقابلة العدو في مواقع متعددة، وقد اندمجت الجيوش كلها في جيش واحد لملاقاة زحف الروم الهائل مما أخرّ التفرغ لفتح بيت المقدس، فكانت وقائع كبرى متعددة كمرج صفر وفحل واليرموك وأجنادين، والتي هي بين الرملة وبيت جبرين بنواحي فلسطين غربي بيت المقدس ولا تبعد كثيرًا عنه، على اختلاف في ترتيب هذه المعارك زمانيًا، وقد قيل إن أجنادين أول تلك المعارك الكبرى مع الروم، مما يبطل الدعوى بتوجه المسلمين لفتح حواضر أخرى قبل التوجه لتحرير بيت المقدس إن صح ذلك الترتيب[3].
- كان توجه الجيش الإسلامي لفتح دمشق وحمص وما حولهما، فهي الحواضر الحصينة ومعاقل الجيش الرومي التي تنطلق منها قواته وتتحصن بها فلوله، ثم إنهم تراجعوا عنها لما جمع لهم هرقل جموعًا عظيمة واقتتلوا عند اليرموك في الموقعة الشهيرة، فهَزموا جيش الروم وعادوا لها مرة أخرى، وهذه كله تفرضه الوقائع الميدانية كما أشرنا[4].
- قيل إن عمرو بن العاصي كان يفتح حواضر فلسطين تلك المدة؛ غزة ورفح وسبسطية ونابلس ومدينة لد وأرضها ويبنى وعمواس ويبت جبرين ويافا وقيسرية، ثم ضرب الحصار على إيلياء مدينة بيت المقدس، وقَدِم عليه أبو عبيدة بعد أن فتح قنسرين ونواحيها وذلك في سنة ست عشرة وهو محاصر إيلياء، فإذا كان للمسلمين اجتماع في أمر عدوهم سار إليهم عمرو بن العاصي، فشهد رضي الله عنه أجنادين وفحل والمرج ودمشق واليرموك ثم رجع إلى فلسطين، فكانت فتوحات فلسطين موازية زمانيا لفتوحات بصرى ودمشق وحمص[5].
الخلاصة: الواقع الفلسطيني اليوم بدولته الصهيونية المحدودة جغرافيًا المنتشرة عسكريا وسياسيًا لا يُشبه جغرافيًا نموذج فتح بيت المقدس واستخلاصه من دولة الروم المنتشرة جغرافيًا شمالًا وجنوبًا، كما لا يصح القياس العسكري اليوم العابر لحدود الأرض المتصاعد إلى فضاء السماء الواسع على قتال محدود بطبوغرافيا المكان على ظهور الخيل والبغال، فإن ذلك القياس متجاوز لأبسط حدود المنطق كما تتجاوز الصواريخ الفرط صوتية منظومة القبة الحديدية.
ولا يصح شرعًا محاكاة جهاد دفع عيني لتحركات جهاد طلب كفائي لا تشترط له شروطه ولا يتسع له وقته؛ فإن جهاد الدفع من جملة الفوريات التي تفوت مصلحة الأوامر الشرعية بفوات وقتها، ولذا إذا تعارضت قُدّم منها المضيق على الموسع، والفوري على المتراخي، وفرض الأعيان على الكفاية، وما يخشى فواته على ما لا يخشى فواته[6]. فالاستدلال بتأخر فتح بيت المقدس عن فتح دمشق وحمص في النموذج العمري لا تحكمه الدوافع الشرعية لجهاد الدفع.
الثانية: الاسترداد الأول لبيت المقدس زمن صلاح الدين الأيوبي، والذي يفسد هذا القياس ويبطل الدعوى من وجوه:
- أن الدولة النورية – التي ورث جانب منها نور الدين محمود بعد والده عماد الدين زنكي – كانت نموذجًا قائمًا يحمل صاحبها هم التحرير والسعي الحثيث لذلك، وتوجهت جهوده لتسخير مقدرات دولته لخدمة هذا الهدف الكبير، بابتلاع كامل رقعة الشام والجزيرة الممزقة بين سلاطين متقاعسين أو متعاونين مع الصليبيين، وكانت له صولات أثناء ذلك مع الصليبيين الطامعين في التوسع، وانتزع من أيديهم نيفا وخمسين مدينة وحصنا، ثم إنه تطلع لتكوين وحدة مع مصر الفاطمية لتضييق الخناق على الإمارات الصليبية من الشمال والجنوب، وسير الأمير أسد الدين شيركوه إلى مصر ثلاث دفعات حتى ملكها صلاح الدين الأيوبي نيابة له[7].
- سعى قبل ذلك بعض الوزراء في مصر للتنسيق العسكري مع نور الدين محمود في حروب الصليبيين، لكن ذلك لم يكلل بالنجاح، كسعي الملك العادل السني ابن السلار[8]. وسعي الملك الصالح الرافضي طلائع بن رزيك[9]. فكان هدفًا منطقيًا تفرضه مصالح الدولتين سياسيًا وعسكريًا.
- سعي صلاح الدين الأيوبي – بعد النجاح المدعوم عسكريًا وسياسيًا من الشام – في السيطرة على مصر الضعيفة المضطربة جدًا في ذلك الوقت، وعلى إقامة هذه الوحدة المنشودة بين الجبهتين بعد أن أحكم السيطرة عليها بعد وفاة نور الدين محمود وابنه الصالح اسماعيل، وكذلك الجزيرة، ثم كان التحرك لحرب الصليبيين[10].
- نجح صلاح الدين في تحرير بيت المقدس سنة 583ه، لكن لم تنقطع عنه الحملات الصليبية بهذا الفتح، بل جاؤوا محاصرين للقدس بعدها بخمس سنوات، وخالفته حينها بعض أمرائه وكان رأيهم: يأخذون القدس ونحفظ بقية بلاد الإسلام بدون القدس مدة طويلة، فأصبح في موقف عصيب – وقد امتلك أسباب الأرض ظاهرًا – ألجأته لقبول الصلح مع الفرنج، ووقعت الهدنة على وضع الحرب ثلاثين سنة وستة أشهر، وعلى أن يقرهم على ما بأيديهم من البلاد الساحلية، وللمسلمين ما يقابلها من البلاد الجبلية، وما بينهما من المعاملات تقسم على المناصفة، ويهب لهم كنيسة بيت المقدس وهي القمامة، ويمكّن النصارى من زيارتها وحجها، وأطلق لهم بلاد عسقلان بعد تمنع يزرعونها وأن تكون قرى الداروم مناصفة[11].
الخلاصة: واقع الأمة الممزقة جغرافيًا وفكريًا اليوم بين حكومات غارقة في العمالة للكيان المحتل، المحاربة لأبسط صور الجهاد، بل العمل السياسي الرسمي، يقطع بفساد القياس على تجربة سلطانية المنشأ والمنتهى استغرقت ما يزيد على أربعين سنة من الجهد العسكري والسياسي المتواصل لبلوغ التحرير.
وليت شعري كم يستغرق المضي في مسار شعبي لإسقاط دولة قمعية أثبت فشله تاريخيًا، – حتى أصبح من مواطن الاتفاق الشرعي بعد ذلك – وحديثًا في ربيع عربي أفرز أنظمة وأوضاعًا إقليمية أشد قمعًا وأكثر حساسية لأي حراك فكري وسياسي فضلا أن يكون عسكريًا، فإلى متى الإنتظار!
الثالثة: الاسترداد الثاني لبيت المقدس زمن الملك الصالح أيوب، والذي يفسد هذا القياس ويبطل الدعوى من وجوه:
- أن بيت المقدس سُلّم بعد الفتح الصلاحي طواعية للصليبين – سنة 626 ه – وفق صفقة مخذية تضمنت تسليم الملك الكامل القدس إلي إمبراطور الفرنج على شريطة أنه يبقى خرابا ولا يجدد سوره، – وكان الملك المعظم قد هدم أسواره – وأن لا يكون للفرنج شىء من ظاهره ألبتة، بل يكون جميع قراياه مثل الخليل ونابلس والغور وملطية للمسلمين، وأن الحرم الشريف بما حواه من الصخرة المقدسة والمسجد الأقصى يكون بأيدى المسلمين، ولا يدخلها الفرنج إلا للزيارة فقط، واستثنى الفرنج قرايا معدودة هى طريقهم إذا توجهوا من عكا إلى القدس تكون بأيديهم خوفا أن يغتالهم أحد من المسلمين، ورأى الملك الكامل أنه إن شاقق الامبراطور أن يفتح له باب محاربة مع الفرنج ويتسع الخرق ويفوت عليه كل ما خرج بسببه من الاستيلاء على دمشق من ابن أخيه، فرأى أن يرضى الفرنج بمدينة القدس خرابا ويهادنهم مدة، ثم هو قادر على انتزاع ذلك منهم متى شاء، وقد كان فعليًا منزوع التحصين سهل الاسترداد كما سنرى[12].
- سَلّم الملك الكامل بيت المقدس للفرنج كما ذُكِر من أجل تأمين الاستيلاء على دمشق من ابن أخيه الناصر داود بن المعظم، وهو الذي جاءها في العام الذي قبله مُدعيًا أنه إنما جاء لحفظ بيت المقدس وصونه عن الفرنج الذين يريدون أخذه، وركب إليه أخوه الملك الأشرف قادمًا من دمشق وأقاما جميعًا ببيت المقدس ثم تمت الصفقة، وتسلم الملك الأشرف دمشق، فكان الاتصال بين مصر والشام قائمًا والقدس بينهما ضائعة، وهذا يبطل دعوى أن الضياع لافتقار الوحدة بين مصر والشام[13].
- خرجت الفرنج من بيت المقدس سنة 642هـ– بدون قتال – فرارًا من الخوارزمية الذين استدعاهم الملك الصالح نجم الدين أيوب صاحب مصر إلى مصر لنصرته على عمه الصالح إسماعيل صاحب دمشق، فساروا من الشرق في أوائل هذه السنة وقطعوا الفرات، وجمعهم يومئذ يزيد على عشرة آلاف فارس، وقد انضم إليهم جماعة من الأمراء القيمرية وجماعة كثيرة من أصحابهم وأتباعهم، فأجفل الناس بين أيديهم وما مروا بموضع إلا ونهبوه وعاثوا فيه، فهربت الفرنج الذين كانوا بالقدس بعد استيلائهم عليه، وهجمت الخوارزمية القدس وبذلوا السيف فيمن كان فيه من النصارى، ولم يبقوا على أحد منهم، وسبوا ذراريهم ونساءهم، ودخلوا كنيستهم المعروفة بقمامة وهدموا المقبرة، ونبشوا قبور النصارى وقبور ملوك الفرنج التي بالقمامة وأحرقوا عظام الموتى، ثم وصلوا إلى غزه فنزلوا بها، ثم كانت لهم صولة مع الفرنج بين غزة وعسقلان هزمت فيها الفرنج ومن معهم من العرب هزيمة منكرة[14].
الخلاصة: القاعدة المدعاة لا تنطبق على صورة الواقعة بأي وجه، فالتحرير لا يصلح أن يكون تحريرًا، وإنما صفقة سياسية مخزية أبطلها تحرك عفوي من كتائب مرتزقة قادمة من الشرق لم يصدها جيش عربي فضلا عن حامية فرنجية منزوعة السلاح، بل إن خلاص بيت المقدس على يد هذه القوة المحدودة تبطل القاعدة إن صح القياس.
ولسنا – للتأكيد – ضد الاعتبار من التاريخ في التحركات العسكرية والسياسية وغيرها، وإنما الإشكال في جعلها مهيمنة على التصور في التفكير، ومحاولة تطويع الواقع المعاصر بتشابكاته وتعقيده لموافقة تلك الرؤية التاريخية. ولقد رأينا نبي الله موسى يدعو بني إسرائيل لدخول الأرض المقدسة وهم حينها في جهة مصر، ولم يشترط لفتحها اتصالا مع دمشق ولا عواصم دول الطوق، فقال الله تعالى: ﴿ يَٰقَوۡمِ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡأَرۡضَ ٱلۡمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِي كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡ وَلَا تَرۡتَدُّواْ عَلَىٰٓ أَدۡبَارِكُمۡ فَتَنقَلِبُواْ خَٰسِرِينَ ﴾ [المائدة:21]، بل كانت الوصية لهم: ﴿ ٱدۡخُلُواْ عَلَيۡهِمُ ٱلۡبَابَ فَإِذَا دَخَلۡتُمُوهُ فَإِنَّكُمۡ غَٰلِبُونَۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُوٓاْ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ ﴾ [المائدة:23].
ثانيًا: أسباب السقوط والضياع ليست مقصورة على الجانب العسكري والسياسي فحسب، وإنما هي من جملة الأسباب المركبة التي تشكل المشهد الذي يتفاعل معه الأعداء، ويتطلب مدافعته بما يتوفر من جهد عسكري وسياسي واقتصادي وإعلامي وفكري وغير ذلك، ولا يصح عقلًا حصر طريق التحرير في تلافي أسباب السقوط، ففضاء الممكن أوسع من ذلك.
ثالثًا: وهو الأهم، لا يصح تأخير الواجب الشرعي المتعين بالإجماع على الأمة في تحرير الأرض المغتصبة المقدسة لتوجيه مستنبط من أحداث التاريخ، خاصة إذا كان يكذبه واقع الصراع اليوم، فهل المطلوب مزيدًا من الانتظار – وقد أوشك الأقصى الأسير على عامه الثمانين! – حتى تتحرر دول الطوق! وهل المطلوب مزيدًا من الانتظار لمشاريع العدو التي لا تهدأ من الاستيطان وقضم الأراضي والتهجير والأسر والتنكيل وتهويد الأقصى والتطبيع!
وإن صحت الدعوة لتلك الرؤية زمن السلم فإن الإصرار عليها في زمن الحرب وقد استعرت وحمي وطيسها، ودماء المسلمين قد سالت واشتد هدرها، وأنات الثكالى علت وذاع صراخها= له ضَربٌ من التخذيل والتعويق للناس عن النفرة والنصرة، فبئس ذلك الترف الفكري والتنظير الأجوف وجرح المسرى يثعب وحي على الجهاد لا تنقطع! بدلًا من التفكير في آليات لإسناد الطوفان والتحريض على الانخراط فيه.
[1] انظر فتوح البلدان للبلاذري (ص111)، وانظر تاريخ الإسلام للذهبي (2/ 51)
[2] انظر فتوح البلدان للبلاذري (ص119-120) وانظر تاريخ الإسلام للذهبي (2/ 77)
[3] انظر تاريخ الإسلام للذهبي (2/ 51)
[4] انظر فتوح البلدان للبلاذري (ص139)
[5] انظر فتوح البلدان للبلاذري (ص140-142)
[6] انظر الفروق للقرافي (2/ 203)
[7] انظر الكامل لابن الأثير (9/217)، انظر تاريخ الإسلام للذهبي (12/ 428)
[8] انظر اتعاظ الحنفاء للمقريزي (3/202)، وانظر الأعلاق الخطيرة لابن شداد (108)
[9] انظر الروضتين في أخبار الدولتين لابي شامة (1/363)
[10] انظر الروضتين في أخبار الدولتين لأبي شامة (3/79)، وانظر الكامل لابن الأثير (9/462)، وانظر تاريخ الإسلام للذهبي (12/715)، وانظر مفرج الكروب للحموي (2/402)
[11] انظر البداية والنهاية لابن كثير (12/350)
[12] انظر مفرج الكروب في أخبار بني أيوب للحموي (4/ 241)، وانظر الكامل في التاريخ لابن الأثير (10/ 434)
[13] انظر البداية والنهاية لابن كثير (13/ 123)، انظر تاريخ الإسلام للذهبي (13/ 649)
[14] مفرج الكروب في أخبار بني أيوب للحموي (5/ 336)، وانظر البداية والنهاية لابن كثير (13/ 164)، تاريخ الإسلام للذهبي (14/ 347)