إذا لم تحرك المشاهد المروعة والبشعة للكلاب الضالة وهي تأكل جثث الشهداء في غزة الإخوة العرب والمسلمين، فما الذي سيحركهم إذن؟ إذا لم تكن «إسرائيل» هي المشكلة، فما المشكلة؟! شبعت الكلاب الضالة من جثث الشهداء وتعفنت الجثامين دون أن تحرك ساكناً، فما الذي سيحرك الإخوة؟!
تروي إحدى الأمهات أنها عادت إلى شمال القطاع لتفقد ابنها، وعندما وصلت إلى الحي الذي يسكنون فيه، لم تستطع الوقوف أمام المنظر المروع؛ حيث إن الجثث ملقاة في الشوارع، وتتغذى عليها الغربان وتتناول لحومها مع تحللها، وكان ابنها من بينهم، واستطاعت التعرف عليه فقط من خلال السروال الذي كان يرتديه دائماً وحزامه الجلدي وتقول: إن الجثث كانت تحمل علامات غير عادية وعلامات للعض؛ حيث كانت الغربان تتسلقها نهاراً، وتتجمع عليها الحيوانات البرية ليلاً عندما لا يكون هناك أحد في المنطقة.
إذا لم تحرك هذه المشاهد وهذه القصص المؤلمة ضمير الإنسانية بداخلنا فما الذي سيحركها؟! إذا لم تكن كافية لمعرفة عدونا فما الذي نحتاجه لمعرفة عدونا؟!
إذا لم تحرك تقارير «هيومن رايتس ووتش» ضمير الإنسانية، وأبرزها تقريرها المكون من 179 صفحة والصادر في 19 ديسمبر ويفصل الإبادة الجماعية التي ترتكبها «إسرائيل» في غزة، إذن فما الذي سيحركها؟! إذا لم تحرك تقارير منظمة «العفو الدولية»، ومنها تقريرها الصادر في 5 ديسمبر 2024م المكون من 296 صفحة ويفصل الإبادة الجماعية التي ترتكبها «إسرائيل» في غزة فما الذي سيحركها؟! إذا لم تكن مذكرات الاعتقال بحق رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في غزة، في 21 نوفمبر 2024م، الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية كافية لنعلم مع من مشكلتنا، فماذا نحتاج لمعرفة مع من مشكلتنا؟!
الرسول صلى الله عليه وسلم تمنى أن تأكل الطيور جسد حمزة فتحققت أمنيته في غزة
ربما تحققت أمنية سيد الخلق عليه أفضل الصلاة والسلام في غزة، مشهد الكلاب الضالّة وهي تأكل جثث الشهداء، في تغريدة للشيخ حسن مرعب، على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، توقفت عند ذكره لهذا الحديث الصحيح الجميل الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم عن سيد الشهداء حمزة: «لَولا أن تجدَ صفيَّةُ (أخت حمزة، وعمّة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم) في نفسِها لترَكتُه حتَّى تأكلَه الطيور والسباع (يعني الغربان والكلاب الضالّة) حتَّى يحشرَ يومَ القيامةِ من بطونِها»، لقد تمنى سيد الخلق لأحب الناس إلى قلبه وأحب الأسماء إليه (حمزة) أن تأكله الكلاب الضالة، لقد حبا الله الشهداء في غزة بهذه المكانة التي تمناها سيد الخلق صلى الله عليه وسلم لعمه حمزة.
يقول أحد الأصدقاء :
— الشيخ حسن مرعب (@imammoraib) November 17, 2023
حزنت كثيرا وتألمت جداً عندما علمت أنهم لم يستطيعوا دفن بعض الشهداء في #مستشفى_الشفاء وبعض الأماكن في #غزة التي كان صعب الوصول إليها من شدة القصف ،فدخلت الكلاب الضالّة لتأكل جثث الشهداء .. رحمهم الله ..
ثم تذكرت الحديث الصحيح الذي قال فيه الرسول ﷺ عن سيد…
45 ألف شهيد ومائة ألف مصاب
شن الاحتلال «الإسرائيلي»، في 7 أكتوبر 2023م، حرباً مدمرة على قطاع غزة، ومارس على مدى عام أعمال إبادة، وارتكب آلاف المجازر، وخلف العدوان «الإسرائيلي» أكثر من 45 ألف شهيد؛ منهم نحو 20 ألف طفل، وأكثر من 12 ألف امرأة، فضلاً عن أكثر من 100 ألف مصاب، وأكثر من 10 آلاف مفقود، إذا لم تحرك هذه الدماء البريئة والأرقام والإحصاءات المروعة لأعداد الشهداء الدماء في عروق الإخوة في العرق والدين، إذا لم تحرك الضمير الإنساني، فما الذي سيحركه؟ إذا لم تكن هذه الإحصاءات كافية لمعرفة مع من تكمن مشكلتنا، فماذا نحن بحاجة إليه لنعرف مع من مشكلتنا؟!
ألا يعلم الإخوة أن دم المؤمن أعظم حرمة عند الله من هدم الكعبة؟ فقد جاء في صحيح الألباني حديث لابن عمر قال فيه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة، ويقول: «ما أطيبك، وأطيب ريحك! ما أعظمك، وأعظم حرمتك! والذي نفس محمد بيده، لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك، ماله، ودمه» (أخرجه ابن ماجه).
إذا لم تكن الدماء الذكية التي تسيل في غزة كافية لنعلم من هو عدونا، إذاً ماذا نحتاج لنعلم مَن عدونا؟!
انتهاك «الأقصى»
انتهاكات لا حصر لها دون أي هَبَّة إسلامية، فقد زادت جرأة المتطرفين اليهود على انتهاك المقدسات الإسلامية بعد أن اختبروا مواقف المسلمين المتخاذلة.
منذ يومين، اقتحم وزير الأمن القومي «الإسرائيلي» المتطرف إيتمار بن غفير المسجد الأقصى في أول أيام «عيد الأنوار» اليهودي (الحانوكا)، وقال بن غفير: إنه صعد لمكان «الهيكل» اليهودي، في إشارة للمسجد الأقصى، من أجل «الصلاة لسلامة الجنود وإعادة المختطفين وتحقيق النصر المطلق بالحرب»، دون أي رد فعل إسلامي تجاه هذه الاستفزازات الممنهجة لمشاعر المسلمين حول العالم، التي تعتبر محاولة فاضحة لتغيير الوضع التاريخي والقانوني القائم في المسجد الأقصى.
أمنية الرسول صلى الله عليه وسلم تحققت في غزة لتثلج صدور أمهات الشهداء وذويهم
وفي أغسطس الماضي، اقتحم المتطرفون باحات «الأقصى»، بمناسبة ذكرى «خراب الهيكل»، وتم منع المصلين من الوصول إلى المسجد من جهة أخرى، كما شارك في الاقتحامات 2958 مستوطناً، في حين وصل عددهم في العام الماضي 2140، وكان أيضاً بن غفير، ووزير شؤون النقب والجليل يتسحاق فاسرلاوف من حزب «عظمة يهودية»، وعضو الكنيست عن حزب «الليكود» عميت هاليفي من بين مقتحمي «الأقصى»، لقد زادت جرأتهم بعد أن اختبروا مواقف المسلمين المتخاذلة.
إذا لم يكفنا انتهاك حرمات المسجد الأقصى وتدنيسه على مدار أكثر من مائة عام لنعلم مَن هو عدونا، فما الذي يكفينا لنعلم من هو عدونا؟! إذا لم تكن مشكلتنا مع مدنسي المسجد الأقصى وقتلة الأنبياء وقتلة الإنسانية، إذن فمع من مشكلتنا؟!
مجازر «إسرائيلية» لا حصر لها
إذا لم تكن حرب الإبادة في غزة والمجازر اليومية للأبرياء في غزة والضفة ولبنان وسورية واليمن كافية لمعرفة من هو عدونا، فماذا سيكفينا لنعرف مع من مشكلتنا؟! إذا لم تكن مجزرة صبرا وشاتيلا ما بين 16 و18 سبتمبر 1982م، ومجازر الطنطورة، وقبية، ودير ياسين، ومذبحة مخيم جنين، ومجازر أخرى لا حصر لها في غزة والضفة الغربية والأراضي المحتلة في يافا وعكا وكل المدن المحتلة كافية لمعرفة مع من مشكلتنا، إذاً فما الذي سيكفينا؟!
إذا لم تكن جرائم «إسرائيل» على مدار أكثر من قرن كافية لنعلم من هو عدونا، ومع من مشكلتنا، فما الذي يكفينا لمعرفة مع من مشكلتنا؟!
سيجد الشهداء في غزة من يواري جثثهم، ولكن من سيواري سوءات العرب والمسلمين؟!
«رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ».