مع بداية عام 2025م، يلوح في الأفق أمل جديد وفرصة عظيمة لكل أسرة لتعيد ترتيب أولوياتها، وتصقل قيمها، وتنطلق في رحلة جديدة نحو تحقيق أهدافها، فالأسرة هي الأساس الذي يُبنى عليه المجتمع، وهي المحرك الذي يقود الأمة نحو النهضة، عندما تبدأ كل أسرة بالتخطيط الواعي والمتكامل، فإنها بذلك تغرس بذور التغيير التي تحتاجها الأمة لتنهض من جديد، وتعيد أمجادها.
حين يجتمع أفراد الأسرة على مائدة الحوار، تتلاقى أحلامهم وتتلاقح أفكارهم، فيبدؤون برسم خارطة طريق تجعل من العام الجديد محطة للتحول، والأساس الأول لهذا التخطيط يجب أن يكون بناء سلوكيات ترتكز على الأخلاق والقيم الراسخة، لنجعل مائدة الطعام مساحة للتواصل الصادق، حيث تُسرد القصص الملهمة، ويُناقش المستقبل بحب وتفهم، هذه الأحاديث تزرع في النفوس أواصر التراحم وتعزز من روابط العائلة، ولتكن الأسرة قدوة عملية في الالتزام بالقيم الإسلامية؛ فالأب والأم هما «النموذج الأول» الذي يتعلم منه الأبناء الصدق، والإيثار، وحسن المعاملة.
في الجانب الاقتصادي، يبرز دور الأسرة في تعزيز الوعي المالي وضبط نظام الاستهلاك، ويمكن البدء بتحدٍّ عملي بسيط مثل إعداد ميزانية شهرية شفافة تُشرك جميع أفراد الأسرة في تصميمها وتنفيذها، لتكن هناك أهداف اقتصادية محددة مثل تخصيص جزء من الدخل لدعم المحتاجين أو تمويل مشاريع الاستدامة، هذا النهج لا يُنمّي فقط مهارات إدارة الموارد، بل يُربي الأبناء على قيم المسؤولية والعطاء، كذلك، يمكن للأسرة الالتزام بعادة جديدة مثل تقليل الهدر الغذائي أو ترشيد استهلاك الطاقة؛ ما يسهم في تعزيز الحس البيئي والاجتماعي.
المعرفة هي جسر التغيير ومفتاح النجاح، الأسرة التي تجعل من 2025م عامًا للتعلم المستمر ستكون قد وضعت أسسًا راسخة لأفرادها، فيمكن تخصيص أوقات أسبوعية للأنشطة التعليمية المشتركة، مثل قراءة كتاب، أو متابعة دورة تعليمية عبر الإنترنت، أو الانخراط في مشروع علمي أو فني، كما يمكن أن تتبنى الأسرة مشاريع إبداعية جماعية، مثل زراعة حديقة منزلية، أو إنشاء مدونة عائلية تُشارك فيها الأفكار والإنجازات، هذه الأنشطة تعزز من روح الفريق وتنمي شعور الإنجاز المشترك.
أما على المستوى الثقافي والحضاري، فإن تعزيز الروابط مع المحيطين المحلي والدولي يساهم في توسيع آفاق الأسرة، ويمكن للعائلة المشاركة في الفعاليات الثقافية المحلية التي تُعزز الهوية الوطنية، أو التواصل مع أسر مسلمة من بلدان أخرى عبر الإنترنت لتبادل الثقافات والخبرات، وتعلم لغات جديدة يمثل خطوة عملية نحو تحقيق هذا الهدف، حيث يفتح للأبناء أبوابًا جديدة لفهم تنوع الأمة الإسلامية والتفاعل مع شعوبها.
من الجوانب المهمة التي يمكن إضافتها للتخطيط الأسري تعزيز الروح الإيمانية، حيث تكن هناك أهداف واضحة لتعميق الإيمان؛ مثل حفظ جزء معين من القرآن الكريم، أو المواظبة على صلاة الجماعة، أو قراءة كتاب إسلامي يعزز الفهم الروحي، كذلك، يمكن تخصيص أوقات للتأمل والتفكر في نعم الله؛ ما يغرس في النفوس قيم الشكر والرضا.
التخطيط لا يقتصر فقط على تنظيم الأمور اليومية، بل يشمل بناء مهارات حل المشكلات وإدارة الأزمات، ويمكن مناقشة سيناريوهات حياتية مع الأبناء لتدريبهم على اتخاذ القرارات الصائبة، وتعليمهم كيفية التصرف في حالات الطوارئ، سواء كانت صحية أو منزلية، ويعزز من قدرتهم على مواجهة التحديات بثقة.
إن هذا التخطيط لا يقتصر أثره على الأسرة نفسها، بل يمتد ليشكل لبنة في بناء الأمة، عندما تزرع كل أسرة قيم المسؤولية والتعلم والتواصل، فإنها تساهم في بناء مجتمع متماسك يزدهر بالإبداع والعمل الجاد، الأمة ليست سوى انعكاس لأسرها، والأسرة الواعية هي الركيزة الأساسية لبناء حضارات عظيمة.
دعونا نجعل من 2025م عامًا للتغيير الحقيقي، ابدؤوا بتخصيص وقت لاجتماع عائلي تُناقش فيه الأهداف المشتركة، ضعوا لوحًا في المنزل يكتب عليه الجميع أهدافه وخطته للعام، وارصدوا الإنجازات بشكل دوري، احتفلوا بكل نجاح مهما كان بسيطًا، فالتغيير يبدأ بخطوات صغيرة لكنه يترك أثرًا عظيمًا، وليكن شعار هذا العام مستوحى من قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد: 11)، حينها، سيصبح 2025م عامًا تشرق فيه الأسرة، وتنهض فيه الأمة، ويتحقق فيه الحلم المشترك بمستقبل أفضل.