تسمية المدارس بأسماء الشخصيات التربوية ليست مجرد قرار إداري يُتخذ داخل أروقة وزارة التربية، بل انعكاس لروح الوفاء والاعتراف بالجميل لأولئك الذين أفنوا أعمارهم في خدمة المجتمع عبر بناء العقول والقلوب، إنها قصة تُحكى عبر الأجيال، تُذكّرنا بأن التعليم لم يكن يومًا مجرد مهنة، بل رسالة عميقة المعاني تُشكل هوية الوطن وتُرسخ قيمه في نفوس أبنائه.
تخيل طفلًا صغيرًا يدخل مدرسته لأول مرة، ويسأل والديه: من هي نورية الصبيح؟ ولماذا سُمّيت المدرسة باسمها؟ عندها تبدأ الحكاية، قصة امرأة قادت التعليم في الكويت ووضعت بصمتها في تطوير النظام التعليمي بأكمله، أو شاب يقرأ على لافتة مدرسته «أحمد شهاب الدين الثانوية»، فيسأل نفسه من يكون هذا الرجل، ليكتشف أنه رمز من رموز التفاني في التعليم، رجل لم يكتفِ بتقديم المعرفة، بل صنع جيلاً واعيًا قادرًا على مواجهة تحديات المستقبل.
الأسماء التي تُزين واجهات المدارس ليست مجرد كلمات جامدة، بل حياة نابضة بالمعاني والقيم، إنها تذكير دائم للطلاب بأنهم يخطون خطواتهم داخل مؤسسات تحمل إرثًا عظيمًا، إرث أشخاص آمنوا بالتعليم كوسيلة لتغيير المجتمع، وتركوا وراءهم إرثًا لا يمحوه الزمن، إنها تُعلّمهم أن النجاح ليس فقط في الوصول إلى القمة، بل في ترك أثرٍ خالد يجعلهم جزءًا من ذاكرة الوطن.
لكن لماذا نتوقف هنا؟ الكويت زاخرة بالشخصيات التي تستحق أن تُخلّد، خذوا على سبيل المثال الشيخ عبدالعزيز الهدة، ذلك الرجل الذي كان منارةً في نشر القيم الإسلامية والتربوية، الذي ترك أثرًا عميقًا لا يُمحى في كل من تعامل معه، لقد كنت شاهدًا على تأثيره الكبير، فمن خلال حضوري بعض دروسه وخطبه، أدركت معنى الالتزام بالقيم والإخلاص في العمل.
أما أ. سعود فرهود العتيبي، فهو قصة أخرى من قصص التفاني والعطاء التي لا تُنسى، كنت واحدًا من طلابه، وقد رأيت بنفسي كيف كان يُعامل كل طالب وكأنه ابنه، يغرس فينا الثقة والطموح، ويدفعنا لتجاوز حدود إمكاناتنا، لم يكن مجرد معلّم، بل كان قائدًا حقيقيًا ألهمنا لنصبح نسخًا أفضل من أنفسنا، رؤية كهذه تتجاوز التدريس التقليدي، لتتحول إلى بناء الإنسان على أسس من العلم والقيم.
إن تسمية المدارس ليست مجرد لفتة رمزية أو إجراء شكلي يمر مرور الكرام، بل فعل يحمل معاني عميقة تعبر عن تقدير الأمة لمن حملوا على عاتقهم مسؤولية بناء الإنسان، إنها بمثابة رسالة مستمرة تُرسل عبر الأجيال، تؤكد أن الوطن لا ينسى من أسهموا في تشكيل هويته وإثراء مسيرته التعليمية، هذه التسميات تحمل في طياتها تكريمًا لمن تركوا أثرًا خالدًا في قلوب من عرفوهم وعقول من تعلموا على أيديهم.
حين تُطلق أسماء المدارس على شخصيات تربوية، فإن هذا يعكس احترامًا عميقًا للقيم التي تمثلها تلك الشخصيات، مثل الإخلاص في العمل، والتفاني في التربية، والإيمان بدور التعليم في تغيير المستقبل، المدرسة التي تحمل اسم شخصية تربوية تتحول إلى أكثر من مجرد مؤسسة تعليمية؛ تصبح رمزًا للجهود التي بذلت وللمسيرة التي استمرت رغم كل التحديات، إنها مساحة تحمل في كل زاوية منها ذكرى وإرثًا ينقل القيم من جيل إلى آخر.
هذا النهج يحمل رسالة تربوية ذات مغزى عميق للطلاب، عندما يخطو الطالب داخل مدرسته، وهو يدرك أن اسمها مرتبط بشخصية تركت أثرًا في التعليم أو الثقافة، فإنه يتعلم درسًا ضمنيًا في أهمية العمل الجاد والإسهام في المجتمع، هذه التسميات ليست فقط لتزيين المدارس، بل أداة لتعزيز الانتماء الوطني وربط الطلاب بتاريخهم المجيد.
من الضروري أن تستمر هذه السياسة، ولكن ينبغي أيضًا أن تتوسع، يجب أن تكون هناك لجان متخصصة تبحث في السجلات التربوية والاجتماعية، لتختار الأسماء بناءً على أثرها وقيمتها، كما يجب أن تترافق هذه الأسماء مع برامج تعريفية داخل المدارس، حيث يتم تقديم نبذة عن الشخصيات المكرّمة، لتعريف الطلاب بمعاني هذه التسميات وأهميتها.
إن تخليد الأسماء ليس مجرد استذكار للماضي، بل استثمار في بناء المستقبل، إنه دعوة مفتوحة للجميع، سواء كانوا معلمين أو طلابًا أو قياديين، ليتركوا بصماتهم على هذا الوطن، لأن التعليم ليس مجرد وسيلة للمعرفة، بل وسيلة لخلق إرث يبقى وينمو مع الزمن.