أسقطت الأسبوع الماضي محكمة مصرية التهم الموجهة للرئيس السابق “حسني مبارك”، الذي كان قد اتهم بسرقة خزينة الدولة وأمر القوات بإطلاق النار على المتظاهرين خلال الثورة الجماهيرية في عام 2011م
أسقطت الأسبوع الماضي محكمة مصرية التهم الموجهة للرئيس السابق “حسني مبارك”، الذي كان قد اتهم بسرقة خزينة الدولة وأمر القوات بإطلاق النار على المتظاهرين خلال الثورة الجماهيرية في عام 2011م.
وأحدث انهيار هذه التجربة حالة إحباط للجهود العالمية الرامية إلى وضع حد لظاهرة إفلات رؤساء الحكومات من العقاب بعد إصدارهم لأوامر بارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان، والواقع، أن هذه الجهود غير مجدية بالمرة، فقد حان الوقت ليدرك المعلقون أن “مبدأ أنه لا يوجد شخص فوق القانون، وخاصة أولئك الذين يعتلون هرم السلطة”، هو شعار وليس مبدأ، ومن يرتقون لمستوى فهمه قليلون نظراً لسوء تشخيصهم لسياسات الثورة.
وكان “مبارك” رئيس مصر المستبد طيلة 30 عاماً زور خلالها الانتخابات وسجن المعارضون السياسيون، وترأس خلالها الجهاز الأمني الوحشي المعروف، كما فرض الرقابة على الصحافة والتجمعات السياسية وحظرها، وكان فاسداً جداً، مما أدى إلى استحواذه هو وعائلته على ما بين مليار و5 مليارات دولار خلال فترة حكمه.
تاريخياً، من الصعب إيجاد أي رئيس مخلوع قد خضع للمحاكمة:
وقد قالت “الإيكونوميست” فيما يتعلق بمحاكمة “مبارك” المنتظرة بفارغ الصبر: إن “الاستعجال بالحاجة للفتح والإسراع، يؤدي للاستغناء عن البت العادل في جميع الجرائم الخطيرة، ومحاكمة مبارك في المقدمة”، هذا ما أدلى به العديد من المعلقين، كذلك الحال مع الثوريين أنفسهم، لا أحد يستوعب مدى الغرابة والندرة التي ستكون عليها هذه المحاكمة.
وعلى مر الزمان، من الصعب إيجاد أي رئيس مخلوع خضع للمحاكمة، إذا استثنينا المحاكمات التي صارت من قبل القوى الأجنبية (قادة النازية في نورمبرج، والزعماء اليابانيون في طوكيو، والرئيس الصربي السابق “سلوبودان ميلوسيفيتش”، والرئيس العراقي “صدام حسين”)، في الواقع إنها قائمة جد قصيرة.
“تشارلز الأول” (1649م)، “لويس السادس عشر” (1792م)، وقلة قليلة من الآخرين في العقود الأخيرة الماضية، التي كانت محاكمتهم مهازل بكل معنى الكلمة، شأنها شأن محاكمة الدكتاتور الروماني “نيكولاي تشاوشيسكو”، فلا يتيح معظم الثوريين الخيار فهم إما يذبحون أعدائهم المخلوعين أو يطاردونهم في منفاهم، وعندما يقوم نظام استبدادي بانتقال سلمي نحو الديمقراطية (كما هي الحال عادة)، يكون تحصين الزعماء الاستبداديين السابقين من المحاكمة جزءاً من الصفقة.
وهناك سبب لذلك.. فكل الطغاة يحافظون على سلطتهم من خلال الاعتماد على دعم أعداد كبيرة من الناس، بما في ذلك النخب، وكل هؤلاء الناس يعتبرون متواطئين في الدكتاتورية، وإذا آل مصير الدكتاتور للمحاكمة، فإنهم كذلك يستوجبون نفس المصير، حتى لو لم توجه إليهم التهم على الفور، فإن محاكمة الدكتاتور في حد ذاتها توريط لهم وتشكيك في أمنهم من مزيد الملاحقات القضائية، ولا يمكن لأي بلد كان أن يعمل إلا إذا تعـــاضد الجزء الأكبر من السكان، بما في ذلك معظم أنصار الدكتاتور السابق والنخب الذين يشغلون مراكز بالجيش والبيروقراطية، والروافد العليا للاقتصاد، مع النظام الجديد، فإذا لم يقدر النظام الجديد على تحقيق السلام معهم، وتحصينهم من الملاحقة القضائية، فإن البديل الوحيد قد يكون إما الحرب الأهلية أو التفكك الاجتماعي.
كذلك هي الحال مع الولايات المتحدة، التي وجدت نفسها غير قادرة على محاكمة جميع النازيين فآلت في نهاية المطاف إلى اعتماد شتى الطرق لإعادة إدماج كل الفئات في المجتمع ما عدا العناصر الأكثر سوءاً.
وفي اليابان، تغاضت الولايات المتحدة عن الإمبراطور والعديد من مجرمي الحرب بمختلف درجاتهم، ففي معظم الانتقالات السلمية (إسبانيا واليونان والبرتغال في السبعينيات، وأوروبا الشرقية في التسعينيات، وجنوب أفريقيا)، إما يُتـرك أعضاء النظام القديم وشأنهم أو يخضعون لقيود طفيفة.
أما العراق، فيقبع حالياً وسط دمار وأنقاض وطن، ما يرجع ولو جزئياً لمحاولة الولايات المتحدة تدمير منظومة “البعث” كلياً.
وفي مصر، تعتبر المعارضة الحقيقية الوحيدة لنظام “مبارك”، هي جماعة الإخوان المسلمين، الذين وصلوا للحكم في عام 2012م والذين أطيح بهم من الحكم بعد سنة إثر مظاهرة نادت بسقوط الرئيس “محمد مرسي”، وهو ما سهل الطريق للجيش نحو إتمام انقلابه العسكــري.
ورغم حرص “مرسي” على محاكمة “مبارك”، إلا أن “مرسي” وهو الفائز بالانتخابات هو الذي يقبع خلف القضبان في قفص الاتهام.
=============================
- إريك بوسنر: أستاذ في كلية الحقوق بجامعة شيكاغو
- www.slate.com