في مواجهة اليأس والقنوط الذي أصاب بعض المخلصين لدين الله والوطن والأمة؛ عقب الحكم ببراءة القتلة والجلادين واللصوص الكبار والكنز الإستراتيجي، لا أجد ما أقول لهم غير قول الله تعالى: (وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ
في مواجهة اليأس والقنوط الذي أصاب بعض المخلصين لدين الله والوطن والأمة؛ عقب الحكم ببراءة القتلة والجلادين واللصوص الكبار والكنز الإستراتيجي، لا أجد ما أقول لهم غير قول الله تعالى: (وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {87}) (يوسف).
جاء هذا النهي الإلهي بعد أن طلب يعقوب عليه السلام من أبنائه أن يستمروا أخذاً بالأسباب في البحث عن أخويهم: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ) (يوسف:87)؛ أي طلب يعقوب من أولاده أن يذهبوا إلى الموضع الذي جاؤوا منه وخلفوا أخويهم به، وقال لهم: التمسوا يوسف وتعرَّفوا من خبره وأخيه بنيامين، ولا تقنطوا من أن يروِّح الله عنا ما نحن فيه من الحزن على يوسف وأخيه بفرَجٍ من عنده، فأراهما، فإنه لا يقنط من فرج الله ورحمته ويقطع رجاءه منه “إلا القوم الكافرون”، الذين يجحدون قُدرته على ما شاءَ تكوينه وتقديره.
وقال بعض العلماء في معنى قوله: (وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ)؛ أي: من فرج الله، يفرِّج عنكم الغمّ الذي أنتم فيه.
أعلم أن المحنة شديدة وقاسية، خرج “شاوشيسكو” من قبره وأخرج لسانه لضحاياه الذين قتلهم، وزغردت زوجته في المستشفى ووزّعت الحلوى، بينما أهل الحق والمقاومة، يعذّبون في السجون، وتغتصب النساء هناك، وتصدر على المئات أحكام الإعدام بالجملة في أقل من ساعة دون إجراءات قانونية، وتسارع قنوات اللصوص الكبار إلى الحفاوة بـ”شاوشيسكو” وجلاديه، وتناديه بلقب “سيادة الرئيس”، ويخرج الأنصار والأحباب من شعب البيادة لإعلان الفرحة والبهجة والسرور، وأنهم انتصروا على الإسلام والمسلمين، وأنهم وضعوا نهاية للإسلام في 30 يونيو، وبعدها بيومين أعلن رسمياً مرشدهم الأعلى “تواضروس” إسقاط غرناطة الجديدة – أي مصر المسلمة – يوم 3 يوليو 2013م بحضور أكبر عمامة، وأطول لحية، ورئيس المجلس الأعلى للقضاء، فضلاً عن كبار الجندرمة وحملة الحراب!
محنة يعقوب النبي، ومحنة السحرة الذين آمنوا برب هارون وموسى بعد أن خالفوا فرعون وهامان وجنودهما والقوم الفاسقين، ومحنة أهل الأخدود، وغيرهم من أهل الإيمان؛ انتهت إلى فرج الله، والنجاة من الغم، وإعلاء كلمة الحق، وإهلاك الظالمين وأعوانهم.
أجد لزاماً أن أسجل هنا كلمة الفتى الشهيد تامر صلاح الذي ارتقى شهيداً في محيط ميدان التحرير يوم براءة “شاوشيسكو” برصاص مليشيات الانقلاب، التي كتبها على صفحته في “فيسبوك” قبل استشهاده:
“أحسن حاجه ممكن تعملها في الدنيا إنك تمشي في طريقك وتركز في اللي بتعمله.. وإنت مش عارف رجلك ممكن توديك لفين ومش بترتب وتفضل تحسبها وتسمع كلام من هنا وهناك, إنت مركز في إنك تسعى وسايب التدبير لربنا”.
وأضاف: “أحلى فرحة ممكن تشوفها في حياتك, لما تشوف نتيجة المجهود اللي إنت عملته ده ويكون ربنا وفقك ووصلت للي كنت بتتمناه وأحياناً أكتر.. يا كريم ارزقنا بفضلك حسن طاعتك ودبر لنا فإنا لا نحسن التدبير”.
كلام بسيط تسطع منه روح الإيمان ويقين الأمل، والأخذ بالأسباب وترك النتائج لمقدّر الأقدار.. لا تيأسوا من روح الله.
لم يتعظ الجلادون من فرعون وهامان وجنودهما، ولكنهم يصرون على الغطرسة والعنجهية والاستمرار في جرائمهم ضد الإسلام والإنسان، ويستمرئون الكذب والبهتان، وتأمل ما يقوله بعضهم عن 25 يناير: “إن الشباب الذين خرجوا في 25 يناير كانت لهم مطالب حقيقية ومشروعة وليس لإسقاط النظام، وإن جماعة الإخوان والعملاء ضللوا تحركات الشباب الثائر وانتزعوها منهم، وإن 25 يناير مؤامرة حيكت لمصر منذ عام 2005م بعد أن طالبت جمعية بروكسل الحكومة المصرية بالاعتراف بجماعة الإخوان وتغيير القوانين حتى تسمح لهم بممارسة العمل السياسي، إلا أن تلك المؤامرة أجهضت والحمد لله بثورة 30 يونيو”!
ويقول جلاد: “إن الشرطة هي المجني عليها وهي بريئة تماماً من تلك الدماء (يقصد دماء الشهداء)، ويجب أن ينشأ لها وسام على تعاملها مع أحداث 25 يناير”! ويزعم الجلاد أن الشرطة لو تعاملت بعنف كانت المظاهرات أجهضت ومات الآلاف، وكأن أكثر من ثمانمائة شهيد في يناير ليسوا بعدد كبير، مما يجعله يطالب بوسام لشرطة القتل والعار!
نقدم للجلاد شهادة شقيقة اللواء البطران (رحمه الله) ضد “مبارك”، و”العادلي” من موقع “اليوم السابع” بتاريخ 17 أكتوبر 2011م:
“.. اللواء البطران في آخر مكالمة هاتفية بينه وبينها صباح يوم السبت 29 يناير، قال لها: إن حبيب العادلى يــــقــــــوم بـــإحــــــراق البـــلـــــــــد وإنــــــه تــــــم فـــتــــــح 18 قـــســــــم شــــــرطــــــة لإخـــــــــراج المســــــاجــــــيــــــن لترويع الآمنين وإثارة الفوضى، وأكـــــــــد لــــــهــــــا أنــــــه ســـيــــــقــــــف أمـــــــــام مخــــــطــــــط فـــتــــــح الســــــجـــــــــون”.
وأشارت شقيقة اللواء البطران إلى أن شقيقها كان يحاول تهدئة المساجين بعد مقتل أحدهم ويدعى “عظمة” أثناء حديثه معهم، وعندما هدد الضابط الذي قام بقتله بمحاكمته عسكرياً، تراجع الضابط وأشار إلى ضابط آخر كان موجوداً أعلى أبراج الحراسة لقتل اللواء البطران..”.
والسؤال الذي لا يجيب عنه أحد في النظام العسكري الدموي الانقلابي: لماذا يتم التعتيم على قضية اللواء الشهيد محمد البطران رئيس مصلحة السجون؟ هل لأنها تكشف للجلادين والشعب المصري والعالم حقيقة أحداث الانفلات الأمني، وفتح السجون بعد “جمعة الغضب”، بمعرفة ضباط الداخلية لإثارة الشغب وخلق حالة من الخوف والفزع، وإجهاض الثورة؟
بعض الجلادين سمّته جريدة “الوفد” الانقلابية في 11/11/2012م “دراكولا أمن الدولة”، وذكرت أن ضحاياه بعدد شعر رأسه، وما يروى عنه من أساطير وحكايات طيلة ثلاثة عقود تكفي لصناعة عشرات الأفلام التي تنتمي لسينما الرعب، وأنه جلب وزمرته الفاسدة أدوات جديدة للتعذيب، وابتكر مع فريق من جهنم الداخلية طرقاً شديدة القسوة والغرابة في نزع المعلومات من الضحايا الذين كان رجاله يجمعونهم من المساجد والبيوت في منتصف الليل.. ومن المفارقات أن “دراكولا” وأتباعه كانوا يمارسون التعذيب الوحشي وهم يستمعون لآيات الذكر الحكيم!
لا تيأسوا،؛ (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ {63}) (الشعراء)، عبر موسى ونجا، وغرق فرعون وقومه، وخرج بدنه ليكون عبرة لمن يعتبر، والحمد لله رب العالمين.