لا يُعرف لماذا هذا الصمت العالمي والإسلامي خصوصاً إزاء ما يجري منذ عام 2009م في جمهورية بنجلاديش التي تحكمها امرأة لم يعد همها وشغلها غير مطاردة شخصيات إسلامية ووطنية وعسكرية تقول: أنهم يقفون وراء إبادة عائلتها بالكامل قبل 4 عقود.
لا يُعرف لماذا هذا الصمت العالمي والإسلامي خصوصاً إزاء ما يجري منذ عام 2009م في جمهورية بنجلاديش التي تحكمها امرأة لم يعد همها وشغلها غير مطاردة شخصيات إسلامية ووطنية وعسكرية تقول: أنهم يقفون وراء إبادة عائلتها بالكامل قبل 4 عقود.
ولم تعد زعيمة الحكومة “حسينة واجد” يشغلها من شاغل غير ملاحقتهم ومطاردتهم والبحث عنهم، وأصغرهم سناً يبلغ 70 عاماً، وأكبرهم يناهز حاجز القرن من العمر، وجميع من طاردهم النظام الجديد ويلاحقهم عجزة بلغوا من العمر عتياً، ولم يعد لهم علاقة بشؤون الدولة وإدارتها، وما يجعلهم متهمين في نظر الحكومة الحالية هو أنهم مارسوا دورا بارزاً – في رأيها – في معاقبة الأشخاص الذين رفضوا انفصال بنجلاديش عن باكستان، وكانوا يعملون على إبقائها جزءاً من باكستان، وقادوا حملات مناهضة للانفصاليين سواء بقيادتهم لقوات الأمن أو الجيش أو مليشيات موالية لباكستان، أو حرضوا على استهداف من تسبب في انقسام باكستان بين دولتين، وعددهم يزيد على المئات من الشخصيات من مختلف الأطياف السياسية والفكرية.
ويقول المراقبون: إن الهدف وراء استهداف الإسلاميين من أفراد الجماعة الإسلامية محاولة “علمنة” بنجلاديش وإبعادها عن هويتها الدينية، وإن نوايا حكومة “حسينة واجد” ليست لها حدود، فهي بعد أن تقضي على الجماعة الإسلامية من خلال حظرها والقضاء على قيادتها والزج بأفرادها في المعتقلات؛ الزحف على بقية الجماعات الدينية الأخرى تحت نظرية “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”، كما يقول عدد من علماء الدين والقيادات الإسلامية في بنجلاديش.
بداية المواجهة مع الإسلاميين وغيرهم:
وكانت بداية هذه المأساة وأحكام الإعدام الرسمية ومعاقبة من تولوا مناصب في الدولة في السابق قد شرع فيها بعد وصول “حسينة واجد” إلى الحكم في انتخابات عام 2009م، ولم تشرع فيما شرعت فيه إلا بعد أن تمكنت من السيطرة على الجيش في بنجلاديش وعلى جهاز الاستخبارات العسكرية والمدنية، إذ إنها باتت القائدة الأعلى للقوات المسلحة والمتنفذة في مفاصل الدولة، وعرفت بنجلاديش اضطرابات سياسية في عام 2007م تدخل بموجبها الجيش البنجالي وأعلن عن حكومة انتقالية وحكومة طوارئ وتواطؤ خلالها مع حزب بنجلاديش الوطني بقيادة “حسينة واجد”، وظل شغله الحكومة التي قادها قائد الجيش بنفسه وأطلق عليها حكومة طوارئ أو حكومة انتقالية هو معاقبة الأحزاب الوطنية والإسلامية، وتوجيه تهم الفساد إليهم؛ فجرى معاقبة أسرة “خالدة ضياء”، أبرز خصوم “حسينة واجد” التي تتهم بأن والدها قاد عملية إبادة أسرة “حسينة واجد”، وفي العامين؛ أي بين عام 2007 و2009م، جرى اعتقال الآلاف من السياسيين ورجال الدين والتجار والمثقفين والإعلاميين.
وفي نهاية عام 2008م أعلن عن إجراء انتخابات جديدة في البلاد بعد أن تأكد الجيش و”حسينة واجد” أنها ستكون لصالحهم، ونظمت الانتخابات في بداية عام 2009م وفازت بها “حسينة واجد”، وهزمت فيها “خالدة ضياء” والجماعة الإسلامية، وقادت تحالفاً مكوناً من الأحزاب العلمانية والموالية للغرب، وشكلت “حسينة واجد” حكومة قوية، وسيطرت على قادة الجيش والمخابرات ومؤسسة القضاء، وشرعت بعدها بالانتقام والثأر لوالدها “مجيب الرحمان”، ولوالدتها ولشقيقاتها وأشقائها بعد أن أبيدت أسرتها برمتها، ولم تنجُ منها سوى “حسينة واجد” وشقيقة لها كانتا تدرسان في الغرب حينها، وكانت عمليات الانتقام بين عام 2009 و2013م بطيئة وحذرة وأكثر احتياطاً، حيث استمرت في تصعيد ملاحقة خصومها والأحزاب التي لم تؤيد الانفصال، وفي مطلع عام 2014م جرت انتخابات جديدة بعد أن حكمت “حسينة واجد” 5 سنوات كاملة بنجلاديش بالحديد والنار وتكميم الأفواه وخنق الحريات وتضييق حرية الرأي، وأعلنت الأحزاب الرئيسة في بنجلاديش مقاطعتها الانتخابات وعدم مشاركتها فيها إلا بعد أن تشكل حكومة انتقالية محايدة تشرف على الانتخابات، وكانت “حسينة واجد” قد أصرت على أن تبقى تسير زمام الأمر والإشراف على الانتخابات العامة؛ الأمر الذي رآه السياسيون المعارضون لها محاولة سافرة للتزوير وللتأثير على سيرها؛ وهو ما حصل، حيث أعلنت “حسينة واجد” عن فوزها وفوز حزبها بالانتخابات العامة وبقائها في الحكم لخمس سنوات أخرى.
وكان المجتمع الدولي قد ندد بهذه الانتخابات، وأعلنت الأمم المتحدة والبرلمان الأوروبي وأمريكا عن عدم ارتياحهم لهذه النتائج، وعدم رضاهم بالعملية السياسية، وعدم تحمسهم للتعاون مع حكومة “حسينة واجد”، لكنهم عملياً لم يفعلوا شيئاً ضد “حسينة واجد” وحكومتها؛ بسبب أنها حكومة علمانية ترفض الإسلاميين وترتبط بعلاقات متوترة مع إسلام آباد وتتعاون مع منظمات غربية ومؤسسات كنسية غربية وتمنحها كامل الحرية في الحركة في بنجلاديش، حتى باتت تمتلك نصف ثروات بنجلاديش، وتسير على ريعها الاقتصادي، وتمتلك ميزانية تفوق ميزانية بنجلاديش السنوية نفسها.
استبداد بعد التزوير
وبعد شعور الحكومة التي وصلت إلى الحكم في بداية عام 2014م بالتزوير والتلاعب بأصوات الناخبين أن الغرب يقف معها ويتضامن معها ولن يسقطها أو يعرض حكومتها للخطر، وإلى جانب سيطرتها على الجيش والمخابرات جميعها، هذه العناصر شجعتها على مواصلة سياسة الانتقام السياسي وسياسة إعدام خصومها، ومنذ عام 2009 وإلى عام 2014م جرى إعدام 100 شخص بين قيادات عليا ونشطاء ذنبهم الوحيد أنهم تواجدوا في حكومة أيدت البقاء مع باكستان ورفضوا الانفصال العرقي.
وكان أبرز هؤلاء أمراء للجماعة الإسلامية وقادة بارزين في الجماعة الإسلامية وقيادات عسكرية وسياسية تنتمي إلى حزب “عوامي” بقيادة “خالدة ضياء” وأحزاب وطنية صغيرة، كما جرى الزج بقيادات سابقة في جهاز الأمن اتهمت بالتورط في قتل عائلة “حسينة واجد”، ويتواجد منذ سنوات أكثر من 15 ألف معتقل سياسي معظمهم ينتمون إلى حزب “خالدة ضياء” والجماعة الإسلامية وقيادات سابقة في الجيش أغلبهم بلغوا من العمر عتياً ولا يقدرون على العيش داخل السجون؛ فتوفى عدد كبير منهم بسب الأمراض وتقدمهم في العمر وعادوا من السجون على توابيت ليتم دفنهم دون السماح لغير أسرهم بدفنهم، وكان آخرهم أمير سابق للجماعة الإسلامية الذي توفي داخل زنزانته في شهر أكتوبر 2014م بعد أن كان محكوماً عليه بالسجن المؤبد، وكان آخر من جرى الحكم عليه بالإعدام هو وزير سابق في الحكومة وقيادي بارز في الجماعة الإسلامية وهو “مبارك حسين”، والجميع يجري محاكمتهم تحت محكمة خاصة بجرائم الحرب شكلتها “حسينة واجد” بالتنسيق مع قادة الجيش والاستخبارات والقضاء، وجميع هذه المؤسسات باتت تابعة لسياسة حزب سياسي بعينه تنفذ ما يطلب منها؛ وهو الأمر الذي ينذر بنشوب انفجار غير مسبوق في بنجلاديش في حالة استمر القمع والظلم، وكانت “حسينة واجد” قد واجهت في سنوات حكمها الأولى في عام 2010م تمرداً عسكرياً جرى إخماده وإفشاله وألقي القبض على العشرات من الضباط وجرى إعدام بعضهم وسجن بعضهم الآخر.
إجراءات الحكومة ضد الإسلاميين وغيرهم:
وتتحدث تقارير المنظمات الإسلامية وعلى رأسها منظمة “خدام القرآن” التي يترأسها مولانا “ساجد محمود”، والذي جرى طرده من بنجلاديش قبل عامين بعد أن لاحق المنظمات النصرانية في ربوع بنجلاديش وفتح فيها مئات المساجد والمدارس القرآنية ودور العبادة، أن السلطات لجأت إلى إجراءات في السنوات الماضية لمحاربة الإسلام تحت قناع محاربة التطرف وغيره، وأهمها:
– منع بناء مزيد من المساجد والتشدد في منح رخص بنائها ومنع بناء المساجد في المناطق النائية والقروية مع السماح ببناء كنائس ومقرات للمنظمات النصرانية النشطة في بنجلاديش، إذ إنه بات يلاحظ أن أغلب القرى والمناطق النائية خاصة في ضواحي العاصمة داكا وإقليم تشيتاجانج والمناطق الساحلية والمناطق المحاذية للحدود مع الهند تحوي على كنائس، رغم أن غالبية سكانها من المسلمين، ولا يوجد فيها رجل نصراني واحد، لكنها لا تملك مساجد يصلي فيها السكان خاصة في صلاة الجمعة؛ الأمر الذي يضطرهم إلى السفر عشرات الكيلومترات لحضور صلاة الجمعة والأعياد، ويقول مولانا “ساجد”: إنه لم يعد ميسراً الحصول على إذن ببناء المساجد في المناطق الريفية والقروية بسبب دور المنظمات النصرانية في بنجلاديش التي وصل عددها ألفي منظمة من مجموع 30 ألف منظمة أجنبية تنشط في بنجلاديش منذ سنوات طوال.
– منع تأسيس الجمعيات الإسلامية والتشدد في منح الرخص لها والسماح للمنظمات المدعومة من الغرب والتي ترتبط بالمنظمات النصرانية بالعمل في المدن والقرى، وهي طريقة لنشر الأفكار الضارة والمعتقدات المهددة للدين الإسلامي، ويقول مولانا “ساجد”، رئيس منظمة “خدام القرآن”، والذي قاد أحد أكبر المنظمات الدينية لمواجهة المد النصراني: لجوء الحكومة العلمانية في منع تأسيس المزيد من الجمعيات الإسلامية والتشدد في منح الرخص لها والسماح للمنظمات المدعمة من الغرب والتي ترتبط بالمنظمات النصرانية بالعمل في المدن والقرى حيث جرى تنصير حوالي 3 ملايين بنجالي بين عام 2004 وعام 2013م، ولدى المنظمات الكبيرة التي تنشط في مجال تنصير للبنجال المسلمين وأشهرها “جمعية الشبان المسيحية”، و”البعثة اللوثرية” التنصيرية، ومنظمة “كاريتاس”، ومنظمة “الرؤية العالمية” خطة لتنصير 20 مليون بنجالي قبل حلول عام 2020م.
– منع المحجبات من العمل في مؤسسات الدولة والمؤسسات الحكومية المختلفة، واشتراط التبرج للموافقة؛ وهو ما زاد في ظاهرة العزوف عن الحجاب الإسلامي وزاد في مظاهر التبرج في مناحي الحياة والمجتمع.
– منع المنظمات ذات الطابع الإسلامي من النشاط في مناطق نائية ومناطق الفقراء، والسماح في مقابل ذلك للمنظمات غير المسلمة بالتواجد فيها وفتح مراكزها وتقديم خدماتها المتضمنة للكتب المروجة للنصرانية دون أن يحاسبها أحد.
– تشجيع المنظمات المنحرفة مثل القاديانيين وغيرهم وعدم التشدد معهم مقابل عدم السماح لأفراد الجماعة الإسلامية من تنظيم اجتماعاتهم ومؤتمراهم ونشاطاتهم تحت دعوة محاربة الإرهاب والتطرف وغيره.
– عدم تجديد الرخص للمنظمات الإسلامية القادمة من البلاد العربية لمواصلة نشاطها الخيري والإنساني على الأراضي البنجالية، وجرى إقفال عدد منها ومنعهم من مواصلة أنشطتهم وجرى اعتقال موظفيهم محليين تحت دعوى التعامل مع الخارج ونشر أفكار التطرف والتشدد وأغلبهم جمعيات دينية سعودية وكويتية ومصرية وباكستانية، بل وصلت الحال بترويج اتهامات غير أخلاقية لبعض المنظمات العربية والباكستانية التي فتحت دوراً للأيتام وكتاتيب لتحفيظ القرآن، ونفرت السكان منهم، ورغم أنه جرى تبرئتها من قبل القضاء المحلي نفسه وظهر فيما بعد أنها كانت مجرد تلفيقات، ضدهم لكن الحكومة أصرت على معاقبتهم وغلق مقراتهم، وفي مقابل ذلك فإن الأغرب هو سماحها لفتح ليس المئات بل الآلاف من المنظمات الغربية والأجنبية غير الإسلامية، والكثير منها منظمات تبشيرية مع الأسف، وسمحت لها بالعمل في مجال فتح دور الأيتام ومراكز للفقراء ومدارس تعليمية وفق مناهجها الغربية، ولم يجرِ التشدد معها ولا حظرها.