من محافظة المنيا، وسط مصر، جاءت سيدة محمد تجر جبلاً من الهموم خلفها، متخذة من الرصيف الملاصق لبوابة (2) بـ”مدينة الإنتاج الإعلامي”، غربي القاهرة، مكاناً لها.
من محافظة المنيا، وسط مصر، جاءت سيدة محمد تجر جبلاً من الهموم خلفها، متخذة من الرصيف الملاصق لبوابة (2) بـ”مدينة الإنتاج الإعلامي”، غربي القاهرة، مكاناً لها.
ومدينة الإنتاج الإعلامي هي موقع في “مدينة 6 أكتوبر” بالقاهرة، يشمل عدداً كبيراً من مقرات القنوات الفضائية المصرية والعربية، و”البوابة 2″ في مدينة الإنتاج الإعلامي هي التي يستخدمها الإعلاميون في طريقهم إلى الأستديوهات، والتي تحول الرصيف الملاصق لها بعد تجريم التظاهرات بدون ترخيص، إلى ديوان “مظالم” يعرض من خلاله المصريون شكواهم على الإعلاميين أثناء دخولهم الأستديوهات لبث برامجهم.
ومنذ الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع “حسني مبارك” في العام 2011م، شهدت مصر كثيراً من الوقفات الاحتجاجية أمام المصالح الحكومية والخاصة، فيما عرف باسم “المظاهرات الفئوية”، وقلت هذه المظاهرات بعد إصدار “قانون التظاهر” في نوفمبر عام 2013م.
وينص قانون التظاهر على ضرورة الحصول على ترخيص من وزارة الداخلية قبل التظاهر، ويفرض عقوبات على المخالفين تصل إلى السجن والغرامة، ويتيح للشرطة استخدام القوة لفض التظاهرات المخالفة، فيما يواجه القانون انتقادات واسعة محلية ودولية.
وتقول سيدة، وهي ربة منزل تبلغ من العمر 40 عاماً: “هجرني زوجي منذ عامين، ولا أعلم أين ذهب، وهل هو حي أم ميت، وترك لي ثلاثة من الأبناء، ولم أعد أقوى على رعايتهم وحدي”.
وتابعت، في حديثها لـ”لأناضول”، والدموع تنهمر من عينيها: “جئت على أمل أن أقابل أي مذيع من مذيعي برامج التلفزيون ليعرض مشكلتي، لعل زوجي يعرف معاناتنا عندما تعرض في التلفزيون فيعود، أو أجد من يساعدنا”.
وسبق أن تقدمت سيدة بشكواها قبل أكثر من عام إلى “ديوان المظالم”، الذي أنشأه الرئيس المختطف “محمد مرسي”، لكنها لم تتلقَ رداً على شكواها، فنصحها أحد الجيران بالذهاب إلى مدينة الإنتاج الإعلامي، بحسب قولها.
وأنشئ ديوان المظالم بقرار رئاسي في عهد الرئيس المختطف “محمد مرسي” في يوليو 2012م، وفيما قال معارضو “مرسي”: إنه كان ديكوراً لتجميل وجه النظام، حمَّل مؤيدوه مؤسسات الدولة مسؤولية عدم التجاوب مع الشكاوى لإفشال مشروع الرئيس، المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين.
وبنفس الأمل في عرض المشكلة “تلفزيونياً”، جاء مجموعة من عمال إحدى الشركات الخاصة حاملين لافتات تلخص مشكلتهم مع صاحب العمل.
العمال، الذين خشوا أن يقعوا تحت طائلة قانون التظاهر، إن أقدموا على التظاهر أمام الشركة، رأوا في إرسال ممثلين عنهم إلى مدينة الإنتاج الإعلامي لمحاولة عرض المشكلة تلفزيونياً، فائدة أكبر من مخاطرة ممارسة حق التظاهر في ظل وجود قانون ينظمه.
وقال مصطفى أبو زيد، وهو شاب في أوائل الثلاثينيات من العمر، والذي انعكست هموم الحياة على خصلات من شعره فاكتست باللون الأبيض: “الشركة مثل الكثير من الشركات في الوقت الراهن تواجه أزمة مالية، وصاحب الشركة قام بتخفيض العمالة إلى النصف، وهذا حقه، ولكن حقنا أن نحصل على مستحقاتنا ونحن نترك الشركة، وهذا ما دفع بنا إلى المجيء إلى هنا خوفاً من خطر التظاهر دون تصريح”.
وأضاف في حديثه لـ”الأناضول”: “نريد أن نحصل على حقوقنا، ولا نريد أن نسجن ويضيع أبناؤنا، ولذلك اخترنا التوجه لهذا المكان بدلاً من التظاهر”.
وبحثاً عن حل سريع لمشكلته جاء عبدالمنعم سلامة (موظف حكومي يبلغ من العمر 40 عاماً)، حاملاً ابنته المريضة بمرض نادر إلى نفس المكان.
وقال سلامة الذي كان يلتحف هو وابنته غطاء لحمايتهما من برد الشتاء: “لا أنتقد الخدمات الصحية المقدمة من الحكومة، كان الله في عونهم، ولكن المشكلة أني أبحث عن حل سريع لمشكلتي”.
وأضاف، لـ”الأناضول”، وهو يحاول أن يحبس دمعات انهمرت من عينيه: “الوقت ليس في صالحي، ولذلك أنا أبحث عن قرار سريع يصدر بعلاج ابنتي على نفقة الدولة”.
ما يتمناه سلامة، يتكرر مع عشرات الحالات التي تزور رصيف المظالم يومياً بحثاً عن حل مشاكلهم من بوابة الإعلام.