أقر المجلس الدستوري بموريتانيا رسمياً بتولي القيادي بجماعة الإخوان المسلمين الحسن ولد محمد زعامة مؤسسة المعارضة خلفاً لمرشح الرئاسيات السابق، أحمد ولد داداه الذي قاد المعارضة الموريتانية أكثر من 25 عاماً.
أقر المجلس الدستوري بموريتانيا رسمياً بتولي القيادي بجماعة الإخوان المسلمين الحسن ولد محمد زعامة مؤسسة المعارضة خلفاً لمرشح الرئاسيات السابق، أحمد ولد داداه الذي قاد المعارضة الموريتانية أكثر من 25 عاماً.
الحسن ولد محمد القادم من حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية المعارض (تواصل) بات اليوم أول شخصية إسلامية موريتانية تتربع على عرض المؤسسة الجامعة للطيف السياسي المعارض، والمنصوص عليها دستورياً، في تحول راهن الإسلاميون عليه كثيراً، ودفعوا الكثير من الجهد والمال والوقت لقطفه بعد سنوات من المغالبة مع حكام البلاد المستبدين، وبعض الجنرالات الرافضين لصعود التشكيلة الشبابية المكونة للحزب الإسلامي الوحيد داخل البلاد.
من هو زعيم المعارضة الجديد؟
ولد زعيم المعارضة الدستورية بموريتانيا الحسن ولد محمد بعد استقلال البلاد عن فرنسا 1960م، وهو أحد أبناء مقاطعة “واد الناقة” شرق العاصمة نواكشوط، والتي ظلت أحد معاقل الأحزاب الحاكمة بالبلاد حتى تحريرها على يد حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية المعارض عام 2013م، بعد أن فاز بكافة مقاعدها البرلمانية ومجلسه البلدي في صفعة أربكت حسابات الكثيرين.
درس الحسن ولد محمد القرآن والعلوم الشرعية مبكراً، ثم التحق بالتعليم النظامي ليتخرج منتصف التسعينيات من جامعة الحقوق بنواكشوط.
مارس العمل التجاري داخل البلاد، ونشط مع بعض أترابه ضمن الحركة الإسلامية الموريتانية، وبات اليوم أحد أبرز رموزها في الساحة المحلية.
تعرض الحسن ولد محمد للمضايقة والمطاردة أكثر من مرة، وظهر على لوائح الأجهزة الأمنية في أكثر من موقف عاشته الحركة الإسلامية، لكنه ظل الرجل الغامض بالنسبة للأجهزة الأمنية، والمعروف بمعارضته القوية للسياسات الارتجالية للحكومات الموريتانية المتعاقبة، وكان عام 2003م أبرز محطات الرجل بعد أن اعتقل رفاقه كافة في مواجهة الحركة القوية مع الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع، وظل هو وآخرون خارج الساحة الموريتانية يديرون ملف الأزمة الأخطر في تاريخ الإسلاميين منذ التأسيس.
مع أول تهدئة في العلاقة بعد الانقلاب العسكري عام 2005م، توجه الحسن ولد محمد صوب مشروعه الجديد (تأسيس حزب للإسلاميين)، فكانت أولى المحاولات مع حزب الملتقى الديمقراطي الذي رفضت الحكومة الموريتانية الترخيص له رغم سقوط الرئيس معاوية ولد الطايع، ودخل الإسلاميون في مواجهة سياسية وأمنية مع الرئيس الانتقالي أعل ولد محمد فال.
وبعد شهور من الأخذ والرد، قرر أنصار التيار الإسلامي إنشاء تشكيلة سياسية غير معترف بها أسموها “الإصلاحيون الوسطيون”، وشاركوا في انتخابات المجالس المحلية والتشريعية، فكان نصيبه هو مقارعة السلطة الحاكمة في مقاطعة عرفات أبرز مقاطعات البلاد، وأكثرها كثافة سكانية حالياً.
مرت المواجهة بسلام من الشوط الأول حاسماً المعركة لصالح الإسلاميين الذين كسبوا ساعتها 10 مجالس محلية بينها عرفات، وخمسة نواب في الجمعية الوطنية.
وبعد تحول المشهد السياسي بموريتانيا، وانتخاب سيدي محمد ولد الشيخ عبدالله رئيساً للبلاد عام 2007م، دخل الإسلاميون في مراجعة جديدة أفضت إلى تأسيس حزب سياسي هو “التجمع الوطني للإصلاح والتنمية”، واستمروا في معارضة الحكم رغم مساعي الرئيس الحالي لاحتواء مواقف بعض القوى المناهضة له في الشارع.
عاد الحزب الكرة ثانية ورشح الحسن ولد محمد في دائرة عرفات ذاتها، وقد انتخب بأكثر من 60% من أصوات الناخبين في معركة شهدت أخطر عمليات الضغط والترهيب، وكانت دائرة عرفات أبرز دوائر الحسم فيها، رافعاً الحزب رصيده إلى 20 عمدة، و18 نائباً في الجمعية الوطنية، مع أكثر 455 مستشاراً بلدياً بموريتانيا.
نحو زعامة المعارضة بموريتانيا:
كانت نتائج الحزب – غير المتوقعة من أكثر من طرف – صادمة للقوى السياسية بموريتانيا، فقد بات منصب زعيم المعارضة من نصيب الإسلاميين، باعتباره أكثر الأحزاب المعارضة تمثيلاً في البرلمان كما تقول النصوص القانونية المنظمة للمؤسسة الديمقراطية.
وبعد تردد السلطة أكثر من تسعة أشهر في تغيير الزعيم السابق للمعارضة أحمد ولد داداه، رضخت في النهاية للأمر الواقع، وقررت رسمياً المؤسسة الدستورية (المجلس الدستوري) تسمية الحسن ولد محمد زعيماً للمعارضة بموريتانيا.
لقد جاء القرار بعد اختيار الحزب له بديلاً عن رئيسه محمد جميل ولد منصور الذي تمنعه النصوص من الترشح للمنصب، وهو قرار تلقته الساحة الموريتانية بكثير من الصخب باعتبارها تحولاً تاريخياً في مسار المعارضة الموريتانية، وتحدياً جديداً للإسلاميين الطامحين إلى تعزيز مكانتهم السياسية بموريتانيا.
نحو تفعيل المؤسسة الدستورية:
ورث الإسلاميون بموريتانيا مؤسسة مشلولة واقعياً، لكنهم ورثوا منصباً مهماً من الناحية البروتوكولية، باعتبار رئيسها هو الشخص الثالث في الترتيب الرسمي بموريتانيا، كما أن لديها ميزانية معتبرة يمكن أن تصنع الكثير للقوى السياسية الساعية إلى تأهيل بعض الكوادر ومعارضة النظام من داخل النظام الديمقراطي المكرس للعملية السياسية.
غير أن أمام الرجل تحديات كبيرة أبرزها عدم استساغة القوى المعارضة أو بعضها للتحول الذي فرضته صناديق الاقتراع بموريتانيا، وتحول التيار الإسلامي من تيار مطارد غير معترف به، إلى القوة المعارضة الأبرز في الساحة المحلية، وأحد أكثر القوى الشبابية حيوية وحركية وجذباً للاهتمام الداخلي والخارجي.
ويحاول الزعيم الجديد للمعارضة بموريتانيا احتواء مخاوف خصوم الإسلاميين، وتفعيل المعارضة مع الإبقاء على شعرة معاوية مع السلطة الحاكمة، فكان أول حضور رسمي له في احتفالات العيد الوطني إلى جانب الرئيس وكبار القادة العسكريين والسياسيين الممسكين بزمام الأمور في موريتانيا، كما أنه استقطب للمؤسسة قوى فاعلة أبرزها مرشحا الرئاسة بيجل ولد حميد (الأرقاء السابقون)، وصار إبراهيما (الزوج) وما يزال رئيس الجمعية الوطنية السابق وحليف الإسلاميين أيضاً مسعود ولد بلخير يتمنع من فهم التطور الحاصل في الساحة السياسية، وتغير موازين القوى لصالح الإخوان في النهاية.