“باتت عاجزة عن حماية نفسها ناهيك عن حماية المدنين”.. ما بين التنصيص يعتبر القاسم المشترك الأكبر لعدد من الخبراء السياسيين والأمنيين حول قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في إقليم دارفور، وهم يرون أنها أصبحت عبئاً ثقيلاً على البلا
“باتت عاجزة عن حماية نفسها ناهيك عن حماية المدنين”.. ما بين التنصيص يعتبر القاسم المشترك الأكبر لعدد من الخبراء السياسيين والأمنيين حول قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في إقليم دارفور، وهم يرون أنها أصبحت عبئاً ثقيلاً على البلاد والعباد، وعليها أن ترحل وسط استفهاماتهم حول جدوى استمرارها بالطريقة التي انحرفت فيه عن مسارها الصحيح، لكونها أصبحت غير قادرة على تحقيق المهام في حفظ الأمن وحماية المدنيين والتي من أجلها دخلت السودان.
في المقابل، اشتكت قيادات أهلية من منظمات المجتمع المدني وهم مراقبون للأوضاع في دارفور، فقد اشتكوا من ممارسات سالبة لبعض جنود “اليوناميد” مورست على المواطن في الإقليم، وأظهروا خلال حديثهم تململاً من مآلات الأوضاع في أعقاب الانحراف الواضح والصريح لأصحاب القبعات الزرقاء، فهم مصدر قلق عارم ينتاب كل إنسان سوداني غيور على وطنه وعرضه، وقد طالبوها بالرحيل أو التحول إلى إحداث تنمية، فإما أن تختار أحد الخيارين السابقين أو تركهم يتدبرون أمورهم؛ لأن ضررها أكثر من نفعها، حسبما يشيرون، ولكن جاءت تصريحات الرئيس السوداني “عمر البشير” واضحة وصريحة؛ بضرورة أن تحزم القوات الأممية – الأفريقية أمتعتها لمغادرة البلاد من خلال قوله: “بارك الله فيمن زار وخفَّ”.
“اليوناميد”.. الدخول والخروج:
وقبل الدخول في متن أحاديث الخبراء السياسيين والأمنيين، لابد أن نقف قليلاً عند الباب الذي دخلت منه قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي إلى البلاد، مع الأخذ في الاعتبار المقولة الشهيرة للممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في السودان سابقاً، والمطرود من قبل الحكومة “يان برونك”، حينما قال عن القوات: “أين السلام لحفظه”!
في العام 2003م اندلعت الحرب الأهلية في دارفور، وأدت إلى مقتل العشرات من الأرواح، ونزوح العديد منهم؛ مما أدى إلى أن تلتفت الأمم المتحدة لهذا الوضع، وظل مجلس الأمن الدولي يبحث لمدة عامين متتالين لإيجاد حل مستدام، وظلت القضية شغلهم الشاغل منذ ذلك الحين وحتى تاريخه.
إطلاق عمليات حفظ السلام:
في أعقاب مشاورات رفيعة المستوى جرت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، تمكنت دائرة عمليات حفظ السلام بالأمم المتحدة من تكوين بعثة الاتحاد الأفريقي الحالية بالسودان (التي تعرف اختصاراً بـ”أميس”)، وبدأت الإعداد لنشر بعثة غير مسبوقة لعمليات حفظ السلام في دارفور، مختلطة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، وبعد جهود دبلوماسية بذلها الأمين العام، “بان كي مون”، وزعماء دوليون آخرون، وافق السودان على استقبال هذه القوة في يونيو 2007م.
أين السلام؟
من ناحيته، قال المحلل السياسي والخبير في منظمات المجتمع المدني د. حسين كرشوم: إن “اليوناميد” جاءت إلى البلاد بشأن حفظ السلام، لكنها لم تستخدمه، واستطرد قائلاً: لابد من استذكار مقولة “يان برونك” الشهيرة حينما قال عنها: “ما في سلام لكي تحفظه”، ويواصل الحديث ثانية: إن مهام واختصاصات “اليوناميد” أتت بالصورة غير الموفقة، كما إن جميع المديرين الذين تعاقبوا عليها حاولوا أن يحولوا اختصاص “اليوناميد” من حفظ سلام إلى قوات صناعة السلام، بيد أنهم فشلوا في تحقيق ذلك؛ نسبة للتعقيدات المتعلقة بالقوات نفسها، فهي قوات تشكلت ولأول مرة من هجين ضم كلاً من “الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي”، كاشفاً عن أنه جرت أول محاولة لتقييم أداء “اليوناميد” إبان العام 2011م، وقد جاءت نتيجة التقرير أن أشار بوضوح إلى أن “اليوناميد” لم تستطع تنفيذ أهدافها المرجوة، كما أنها تحفظت على عدم نشر هذا التقرير حتى تاريخه.
مهام وتفويض “اليوناميد”:
وبسؤالنا للخبير في منظمات المجتمع المدني، عثمان حسين أبوبكر، عن المهام المحددة لقوات حفظ السلام في دارفور قال: إن تفويضها الممنوح ينحصر في حماية المدنيين، والإسهام في تأمين المساعدات الإنسانية، ومراقبة تنفيذ الاتفاقيات السلمية، والتحقق من ذلك، إلى جانب المساعدة في العملية السياسية الشاملة، وتعزيز وترقية حقوق الإنسان، لافتاً إلى أن التفويض (الولاية) يجدَّد سنوياً، وقد تمّ تجديده حتى 31 أغسطس 2014م بعد تبني مجلس الأمن القرار (2113) في 30 يوليو 2013م.
تكرار الهجمات على “اليوناميد”:
وقريباً بعض الشيء من حديث أولئك الأهالي، فإن المحلل السياسي حسين كرشوم قال: حينما تكررت الهجمات العسكرية على قوات حفظ السلام، وفشلت في حماية مسؤوليها، كان قد أرسل مكتب حفظ السلام في نيويورك بعثة لتقصي الحقائق حول الاعتداءت المتكررة وفشلها في توفير الحماية لمسؤوليها، وأوصت بضرورة إشراك القوات النظامية السودانية في عمليات “اليوناميد”، وهذا الأمر مخالف للوائح الداخلية لـ”اليوناميد” نفسها، تلتها أن تطورت عمليات التحقيقات داخل “اليوناميد” حول فشلها ثانية في حماية قوافل الإغاثة، خاصة في جبل مون ومناطق متفرغة من جنوب دارفور، بالإضافة إلى فشلها في حماية النازحين من الاعتداءت التي وقعت في معسكر “الحصاحيصا” بزالنجي.
معالجة القصور أولاً:
ومثلما قضية رحيل “اليوناميد” حسمتها الحكومة، إلا أن المحلل السياسي والخبير الأمني فضل الله برمة ناصر، يرى أن المسألة في هذا الخصوص متروكة بالطبع لقرارات يصدرها مجلس الأمن لأنه من يقرر ذلك ومعه الاتحاد الأفريقي ثم الحكومة السودانية، وأن عملية مغادرتها البلاد مرهونة أيضاً بتحقيق السلام في الإقليم، وقال باقتضاب شديد: إن كانت “اليوناميد” مقصرة فينبغي عليها أن تعالج ذلك القصور وأن تحمي المواطنين.
عبء ثقيل:
بينما يؤكد البروفيسور حسن الساعوري عما إذا كانت “اليوناميد” قد أصبحت عبئاً ثقيلاً على البلاد والعباد بالإجابة نعم.. إنها أصبحت كذلك، وأضاف أنها في حاجة ماسة لحماية نفسها بدلاً من أن تحمي المواطن حسب تفويضها الممنوح لها، مكتفياً بالقول: إن خروجها من عدمه لن يقدم ولن يؤخر.
ملاحظات لا تخطئها العين:
ويشير حسين كرشوم إلى أنه حينما برزت قضية اتهام في الاغتصاب الجماعي في قرية تابت التي كشفت المستور عن عمق الخلاف داخل “اليوناميد”، وأثيرت قضية الاستقالات المتكررة والمتتابعة لعدد من قياداتها، بجانب بروز قضية الروسي والذي أصرت الإدارة الأمريكية على مغادرته لـ”اليوناميد” وجعلته شماعه علقت عليها كل الإخفاقات السابقة، وقال كرشوم: إن حكومة السودان التمست عبر مندوبها في نيويورك أن يتم تقييم لقوات “اليوناميد” وفقاً للاختصاص الذي بموجبه تمت هذه القوات، وينظر كرشوم إلى أن قيمة هذا التقييم تكمن في أنه يحدد بقاء أو رحيل “اليوناميد”، لكن رئاسة قوات حفظ السلام فشلت في الاستجابة لطلب الحكومة السودانية، ومن منطلق كل هذه الأسباب دفعت الحكومة السودانية لتحرير خطاب طلب لإنهاء بعثة “اليوناميد”، واستطرد كرشوم الحديث أنه وما أثير حول تمنع مغادرة قوات “اليوناميد” بدارفور بحجة أنها جاءت تحت البند “الفصل السابع” ليس له سند في القانون الدولي الذي لا يرغم أي دولة في بقاء قوات أجنبية داخل أرضها، طالما جاءت هذه القوات باتفاقية وبرضاء هذه الدولة المضيفة، ثانياً: إن اتفاقية “السوفا” الموقعة بين قوات “اليوناميد” وحكومة السودان منحت الحكومة السودانية هذا الحق، لاسيما وأن الإستراتيجية الملحقة والتي تسمى إستراتيجية خروج القوات والتي تشير إلى أنه في حالة تحسن الوضع الإنساني والذي بلغ بحسب الأمم المتحدة (أوشا) نسبته 59% بالإضافة إلى توافر حالة الأمن وهي حالة نسبية، وبناء على هذه الحيثيات يمكن أن تغادر “اليوناميد” السودان بالتدريج.