رأفت مرة
جريمة قيام مستوطنين صهاينة بإحراق منزل عائلة دوابشة في بلدة دوما قرب مدينة نابلس في الضفة الغربية، فضحت عصابات المستوطنين ومن يقف خلفهم من جهات سياسية وأمنية وحاخامية.
الجريمة هزّت العالم، ودفعت دولاً حليفة للكيان الصهيوني لإدانتها، وأدت إلى مقتل الطفل علي، ووالده سعيد، ولا تزال والدتهم ترقد في المستشفى مصابة بحروق.
المناخ السياسي والإعلامي في العالم كان إلى جانب عائلة دوابشة والفلسطينيين، الجريمة أظهرت الجانب الحقيقي للاحتلال، بشكله الإرهابي البشع.
منذ وقوع تلك الجريمة، قامت سلطات الاحتلال بملاحقة عدد من عصابات وزعماء المستوطنين.. وفي التفاصيل لجأت السلطات “الإسرائيلية” إلى إجراء استثنائي، ووضعت متطرفين يهوديين اثنين قيد الاعتقال الإداري من دون توجيه أي تهمة لستة أشهر قابلة للتجديد؛ ما يرفع عدد المعتقلين إدارياً من اليهود إلى ثلاثة.
وقال ناطق باسم وزارة الدفاع: إنه تم وضع مئير أتينغر وأفيتار سلونيم اللذين اعتقلا في الأيام الأخيرة قيد الاعتقال الإداري لستة أشهر مع إمكان التجديد، وأوضح بيان صادر عن وزير الدفاع الصهيوني موشيه يعالون أنه تم فرض الاعتقال الإداري ضد الناشطين المتطرفين من اليمين في إطار تورطهم في أنشطة منظمة يهودية متطرفة.
ومئير أتينغر هو حفيد الحاخام مئير كاهانا، مؤسس حركة “كاخ” العنصرية المناهضة للعرب والذي اغتيل عام 1990م، وكان مردخاي ماير (18 عاماً) وضع مؤخراً قيد الاعتقال الإداري.
والاعتقال الإداري الذي يتم بدون توجيه اتهام أو صدور حكم بحق المعتقل، بات ممكناً تطبيقه على يهود إذا كانت الأدلة التي تمّ جمعها ضد المشتبه بهم غير كافية لتبرير فتح تحقيق قضائي تقليدي، أو إذا رفض هؤلاء الإجابة عن الأسئلة خلال استجوابهم.
وقالت صحيفة “يديعوت أحرونوت”: إن الحكومة المصغّرة أقرّت توصيات الجهات المهنية لاتخاذ كل الإجراءات اللازمة لمحاسبة المسؤولين عن العملية، بما في ذلك استخدام الاعتقال الإداري بإذن من المستشار القانوني للحكومة، وفي بيان نشرته رئاسة الحكومة جاء أن “الكابينت” يرى في فعلة الإحراق “عملية إرهابية بكل معنى الكلمة”، وبالتوازي وجّه “الكابينت” تعليماته للعمل على عجل على إعداد مشروع قانون مكافحة الإرهاب ينطبق على منفذي الإرهاب اليهودي، كما تقرر تشكيل فريق برئاسة وزير الدفاع بمشاركة وزيري الأمن، والعدل ليقترح على الحكومة وسائل الكفاح.
وفي إطار نقاش أولي عقده المستشار القانوني للحكومة يهودا فينشتاين، ونائبه راز ميزري، مع رئيس المخابرات ومسؤولي الدائرة اليهودية؛ تقرّر أيضاً إنشاء “بنك وسائل” لمكافحة الإرهاب اليهودي لعرضه على “الكابينت” لمنح قوات الأمن الأدوات والتراخيص اللازمة لتواجه الظاهرة بنجاح.
من خلال متابعة الإجراءات الصهيونية بحق العصابات الإجرامية التي اعتدت على الفلسطينيين وقتلت الأطفال، يتضح أنها إجراءات شكلية محدودة، طالت عدداً من المتورطين فقط، تعبّر عن ردود فعل محدودة، هدفها امتصاص النقمة، وتحسين صورة الاحتلال، وإرضاء جهات حقوقية ودولية تسعى لتقديم شكاوى بالمحاسبة، وسحب المبرّر لتشكيل لجان تحقيق رسمية، أو إيجاد مبرّر للاحتلال لرفض التجاوب مع أي لجان تحقيق دولية.
إجراءات الاحتلال بحق عدد من المستوطنين هي حقنة مسكّن، ستنتهي خلال أيام، وستؤدي إلى إدانة البعض والحكم عليهم بأحكام مخففة، وإلى إطلاق سراح الآخرين.
إن العصابات الاستيطانية تتحرك بدعم وغطاء رسمي وسياسي صهيوني، وتسهيلات مالية وأمنية ضخمة، وغطاء ومباركة من كبار الحاخامات والجهات الدينية التوراتية.
وإن أي حملة ضدّ عصابات المستوطنين لن تكون جادة طالما لم تستأصل البنية التنظيمية والمالية والدينية التي يتحرك خلالها هؤلاء، وبالأخص المجال التعليمي والاجتماعي، ومنعهم من امتلاك السلاح، ومن الحصول على دعم مالي حكومي، ومن محاصرة وسائلهم في جمع التبرعات، وجزء منها يأتي من الخارج.
إن ما تقوم به حكومة نتنياهو لن يؤدي إلى وقف اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين، بل تجميد هذه الاعتداءات لفترة زمنية قصيرة.