فاجأ الشعب الفلسطيني العالم بالعودة للإمساك بزمام المبادرة، وإطلاق انتفاضة شعبية في القدس المحتلة والضفة الغربية والمناطق المحتلة عام 1948م، وأعاد الفلسطينيون خلط الأوراق ووجّهوا رسائل سياسية متعددة.
فبعد تنفيذ عملية “إيتمار” يوم الخمس 1 أكتوبر، أطلق مقاومون النار على سيارة صهيونية؛ ما أدى إلى مقتل ضابط مخابرات صهيوني وزوجته، وبعد ذلك انطلقت أعمال الطعن والدهس مباشرة، حيث نفّذ شبان فلسطينيون وفتيات فلسطينيات عمليات طعن، بلغت أوجها يوم الخمس 8 أكتوبر؛ حيث نُفّذت 9 عمليات طعن في يوم واحد.
وجاءت “انتفاضة القدس” هذه بعد اتساع دائرة العنف الصهيوني وعمليات الاعتداء على المسجد الأقصى وتهويد القدس، وإصرار الاحتلال على التقسيم الزمني والمكاني، واتساع الاستيطان وازدياد الحصار على غزة.
وجاء ذلك أيضاً بعد إصرار سلطة عباس على الاستمرار في التنسيق الأمني وملاحقة المقاومين، وإلقاء خطاب في الأمم المتحدة نعى فيه عملية التسوية وأثبت سوء خياراته، وطلب الحماية الدولية، وأعلن عدم التزامه باتفاقيات التسوية، ولم يؤدّ ذلك إلى أي ردّ فعل دولي أو أي انزعاج “إسرائيلي”.
وكان من الواضح أن الاحتلال الصهيوني يتصرف بارتياح سياسي وأمني بسبب الأزمات التي تنتشر في العالم العربي، وغياب أي ضغط خارجي، وضعف سلطة محمود عباس واهتزاز شعبيته.
انتفاضة القدس أطلقت أملاً فلسطينياً جديداً، حيث انتشرت المواجهات على 70 نقطة، واستمرت طوال ساعات النهار، وامتدت إلى أراضي 48 وخاصة مدن يافا والناصرة وأم الفحم.
وشاركت فئات واسعة من الشباب وشرائح المجتمع في المواجهة، وظهرت هناك وحدة ميدانية شعبية وسياسية قوية، واتضح أن هناك تأييداً فصائلياً وشعبياً واسعاً لعمليات الطعن والدهس وإطلاق انتفاضة.
وهذا أعطى زخماً كبيراً لفعاليات المواجهة مع الاحتلال، حيث ردّت سلطات الاحتلال بعنف شديد، وخلال أيام قليلة استشهد 22 فلسطينياً وجرح أكثر من ألف.
انتفاضة القدس أدت إلى أزمة داخل الكيان الصهيوني، فاضطر نتنياهو إلى تأجيل رحلته لألمانيا، وجمّد الاستيطان، وأمر مسؤولين صهاينة بعدم زيارة المسجد الأقصى، وصدرت ردود فعل صهيونية واسعة على عمليات الذبح والطعن.
انتفاضة القدس أحدثت تطوراً سياسياً فلسطينياً، وعزّزت مشروع المقاومة، وأضعفت صورة الاحتلال دولياً، ودفعت الاحتلال لإعادة قراءة إجراءاته.
لكن يبقى هناك مخاوف جدية على الانتفاضة، مثل التفاف السلطة عليها سياسياً، أو عمليات أمنية من طرف أجهزة السلطة، أو تدخّل دولي لاتخاذ إجراء سياسي يجهض الانتفاضة.
إلا أن هناك نوعية شعبية وشبابية جديدة تصرّ على مواجهة الاحتلال، وخاصة في مدن الخليل ونابلس وجنين.. لذلك من المتوقع استخدام عنف صهيوني كبير ضدّ الفلسطينيين من أجل إجهاض انتفاضة القدس وإبطال أهدافها.