سلطت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية الضوء على معاناة مسلمي الروهينجيا في ميانمار، في تحقيق مطول نادر في الصحافة الغربية، التي تجاهلت مأساة مسلمي الروهينجيا منذ أكثر من عامين.
ووصفت الصحيفة ما يتعرض له مسلمو الروهينجيا في ميانمار بأنه مأساة؛ فهم ما بين قتل واغتصاب وتشريد، حيث يعيش أكثر من مليون مسلم في ولاية راخين على الساحل الغربي للبلاد.
وذكرت أن حكومة ميانمار لا تعتبر جماعة الروهينجيا جماعة عرقية حقيقية من جماعات البلاد، وإنما تصفهم بأنهم مهاجرون بنجال من أيام الحقبة الاستعمارية، في وقت تتزايد مشاعر الكراهية ضد المسلمين على نطاق واسع في البلاد مع إحياء النزعة القومية.
وأضافت: يعيش المسلمون هناك بلا أي حق للمواطنة، ويمنعون من حرية السفر والتعليم، وغيرها من الفوائد الاجتماعية التي يحصل عليها أبناء البلد.
وبحسب جماعات حقوق الإنسان- تقول الصحيفة – فإن جيش ميانمار دخل إلى قرى الروهينجيا وأطلق النار على الناس عشوائياً حتى داخل المنازل، وعمد إلى هدم منازل، واغتصب نساء وفتيات بشكل منهجي، في وقت تنفي فيه حكومة ميانمار مثل هذه التهم.
يعيش الآلاف من مواطني الروهينجيا في مخيمات للاجئين ببنجلاديش، حيث تدعي حكومة ميانمار أن الروهينجيا من أصول بنجالية، في حين قررت الأخيرة إغلاق حدودها بوجه المهاجرين أكثر من مرة.
وأشارت إلى أن القوات الأمنية في ميانمار شنت خلال الأيام الماضية حملة جديدة على قرى الروهينجيا، ومنها قرية بوينت فيو، فما إن دخلت تلك القوات إلى القرية حتى لم يبق أمام سكانها كثير من الخيارات، وسط القمع الوحشي الذي تمارسه قوات الأمن في ميانمار.
وسلطت الصحيفة الأمريكية الضوء على معاناة الروهينجيا، من خلال استشهادها بمعاناة بعض الأشخاص.
وأوضحت أن نور إنكيس (25 عاماً) قررت البقاء في منزلها، ليتم اقتيادها بعد ذلك واغتصابها في مكان مخصص لاغتصاب النساء، ولم تجد رشيدة بيجوم (22 عاماً) سوى إغراق نفسها وأطفالها الثلاثة في الخور القريب من منزلها، تاركة طفلاً رضيعاً في المنزل.
أما قصة صفية الله (20 عاماً)، بحسب الصحيفة، فإنها لا تختلف كثيراً عن غيرها من نساء الروهينجيا، فقد نجحت في التخفي يومين خارج المنزل، لتعود فتجد أن القوات الأمنية قتلت والدها ووالدتها وشقيقها.
ولفتت الصحيفة الانتباه إلى أنه إذا كان لا يمكن التأكد من صدقية مثل هذه القصص من مصادر مستقلة، فإنها لا تختلف بحال من الأحوال عن تقارير المنظمات الحقوقية، التي أكدت تعرض الروهينجيا لمثل هذه الممارسات.
وأصدرت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، في وقت سابق، تقريراً وفقاً لتحليل صور الأقمار الصناعية، أشارت فيه إلى أن الجيش دمر قرابة 1500 منزل في حملته الأخيرة فقط، مؤكدة أن الجيش أطلق النار بشكل عشوائي على المنازل، وعمد إلى اغتصاب الفتيات والنساء بشكل منهجي.
وتضيف الصحيفة: لا يبدو أن الحملة الأمنية التي تنفذها قوات ميانمار ضد مسلمي الروهينجيا سوف تتوقف، فالسلطات تقول: إن حملتها تهدف إلى نزع سلاح الذي بدأ ينتشر بين مسلمي الروهينجيا.
ونقلت عن ماثيو سميث، مدير منظمة حقوقية تعنى بحقوق الإنسان في جنوب شرق آسيا، قوله: إنه لم يحصل أسوأ من هذه المجزرة التي يتعرض لها مسلمو الروهينجيا، مبيناً أن قوات الأمن في ميانمار ستفعل المزيد، وإنها مستمرة في مهاجمة المدنيين.
السلطات الحكومية في ميانمار نفت كل تلك التهم، باستثناء بعض عمليات الضرب التي ظهرت في مقاطع مصورة متداولة.
وتصف جماعات حقوق الإنسان الحملة التي تشنها سلطات ميانمار، بأنها حملة تطهير استهدفت المدنيين، حيث تشير بعض التقديرات إلى أن أكثر من 65 ألف مدني من الروهينجيا فروا إلى بنجلاديش، بحسب المنظمة الدولية للهجرة.
ونفى سكان الروهينجيا ممن فروا إلى بنجلاديش، أن يكونوا قد نظموا أنفسهم في حركة مسلحة، مؤكدين أن كل ما يقال في هذا الجانب غير صحيح، فقوات الأمن في ميانمار يمكن أن تعتقلك إذا وجدت لديك منجلاً وتصفك بالإرهابي، رغم أنك فلاح وتستخدم هذا المنجل في عملك اليومي.
وتقول الصحيفة الأمريكية: إن بعض المسلحين، بحسب تقارير حقوقية، ينتشرون في مناطق خارج القرى، وهي أعمال جاءت كردة فعل على ما تقوم به السلطات هناك، غير أنه حتى هؤلاء المسلحون لا يمتلكون الكثير من السلاح، فضلاً عن أن أعدادهم قليلة، وتسعى حكومة ميانمار إلى تضخيم أعدادهم.
وتواصل “نيويورك تايمز”: قصص مروعة مما يتعرض له مسلمو الروهينجيا على يد قوات الأمن في ميانمار، واحدة منها قصة شفيق (20 عاماً)، حيث يقول: كنت في المنزل مع عائلتي عندما جاءت قوات الأمن، وطرقوا الباب بقوة، وعندما فتحت لهم الباب عمدوا إلى عزل النساء عن الرجال، ثم سحب أحدهم يد أختي، فلم أتمالك نفسي، واندفعت بوجهه بقوة، فما كان منه إلا أن ضربني وركلني فسقطت على الأرض، وأطلق رصاصة على ساقي فبقيت أنزف دون أن يتمكن أحد من تقديم العلاج لي، انسحب الجيش وأخذوا معهم أختي، لم أتمالك نفسي، ولم أعد قادراً على البقاء، فقررت الهرب.