مع إطلالة شهر يونيو القادم يكون قد مضى خمسون عاماً على احتلال المسجد الأقصى المبارك، خمسون عاماً مضت على غفلة أمتنا الإسلامية عن قبلتنا الأولى ومسرى نبينا صلى الله عليه وسلم، خمسون عاماً اجتهد فيها الاحتلال الصهيوني لتغيير ملامح المدينة العربية الإسلامية لتكتسي ثوباً آخر مليئاً بالتزوير والخداع.
كنس عديدة أنشئت في البلدة القديمة وأخرى تحت الإنشاء، حفريات خطيرة تحت المسجد الأقصى وحوله، وضع لحجر الأساس لما يسمى الهيكل، تهويد لأسماء wالشوارع والحارات والأزقة، تغيير للعمارة الإسلامية في البلدة القديمة وما حولها بحجة أعمال الصيانة، تأسيس بؤر استيطانية جديدة ووحدات سكنية بالآلاف في القدس المحتلة، مئات الاقتحامات الشهرية للمسجد الأقصى، العمل على تقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً، تبني سياسة «التطفيش» عبر التضييق على المقدسيين في أسباب حياتهم في النواحي الصحية والتعليمية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، مصادرة لمزيد من ممتلكات المقدسيين وممتلكات الأوقاف كالمقابر وغيرها، تجريم مصاطب العلم والمعتكفين داخل المسجد الأقصى المبارك، مصادرة لبطاقات هوية كثير من المقدسيين (مصادرة 6381 بطاقة هوية خلال 33 عاماً منذ احتلال شرقي القدس حتى عام 2000م).
كل هذا وغيره كثير يحصل بشكل منهجي مبرمج وصولاً لتهويد كامل للقدس الشريف، وما زالت ردود الأفعال العربية والإسلامية والدولية دون المطلوب بكثير، بل إنها – بصمتها أحياناً وتخاذلها وتواطؤها أحياناً أخرى – تخدم بشكل مباشر سياسة الاحتلال تجاه المدينة المقدسة، وتشجعه على تبني مزيد من إجراءات التهويد التي لم تتوقف يوماً.
وعلى الرغم من كل هذا الإجرام الصهيوني، والتخاذل العربي والإسلامي، والتواطؤ الغربي، يبقى الأمل قائماً متجدداً متنامياً بعزيمة المقاومين الأحرار في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، وبدعم ونصرة الشعوب الإسلامية والإنسانية المحبة للعدالة والحرية، معلنة أن المسجد الأقصى هو القلب النابض للأمة يمد شريان الحياة فيها بالعزة والكرامة والتوق إلى الحرية، وكلما حاول المحتل الضغط عليه تفجر في وجوههم انتفاضة عارمة كما حدث إثر حريق الأقصى عام 1969م، وعند افتتاح النفق تحته عام 1996م، وإثر اقتحام «شارون» للأقصى عام 2000م، وإثر محاولة التقسيم الزماني والمكاني للأقصى العام الماضي ففجر انتفاضة القدس التي ما زالت أحداثها تتفاعل.
ولا بد من الإشارة هنا إلى تنامي الوعي الشعبي الإسلامي والعالمي في عدالة قضيتنا، وفي ضرورة نصرة الشعب الفلسطيني في مطالبه العادلة، فقد انتشرت دورات المعارف المقدسية على امتداد العالم الإسلامي وتأسست المعاهد والمراكز المختصة في هذا الغرض، ليصبح في كل مدينة مختصون في هذا المجال، وكثرت الملتقيات الهادفة لنصرة القدس لعل آخرها كان في نوفمبر الماضي في العاصمة الموريتانية نواكشوط الذي عقد تحت شعار «أفريقيا تجدد العهد لبيت المقدس»، والمؤسسات الشعبية والبرلمانية المناهضة للتطبيع مع العدو الصهيوني، ومنها «سودانيون ضد التطبيع»، وتشكلت العديد من التجمعات المناصرة للقدس كان على رأسها «برلمانيون من أجل القدس»، و«نقابيون من أجل القدس»، و«شباب من أجل القدس».
وللإجابة عن سؤال: إلى متى؟
أعتقد أن الجواب: إلى أن يتطور هذا الحراك الشعبي ليثمر ضغطاً حقيقياً على صناع القرار في العالم الإسلامي لتعديل المسار وضبط البوصلة نحو تحرير مقدساتنا وأرضنا السليبة.. فهل نحن فاعلون؟