“الفيس بوك” منصّةٌ مفتوحةٌ للجميع ونافذةٌ يطلُّ منها كلّ راغب وصفحةٌ يكتب عليها من يشاء.
وإذا أمعنّا النظرَ في حال “الفيس بوك” وجدنا أنه عين ٌ كاشفةٌ لأنواع البشر دون تكلّفٍ أو عناء، فمِنْ غرفتك الصغيرةِ تستطيع أن تلتقي بمن هبّ ودب وتتعرف على عقول الناس وعلى مختلف مستويات البشر الفكريّة والاجتماعيّةِ والنفسيّة، ومن خلال هذا المستطيل الصغير ترى من الناس مالم تكن لتراه لو أمضيتَ عمرك باحثاً عنهم أو راغباً بمعرفةِ ما يخفون وما يعلنون.
ومن خلال هذا الفضاء الأزرق تستطيع أن تحصل على معرفةٍ وعلمٍ وحقائقٍ لم تكن لِتَعرفها إلاّ ببذل الغالي والثمين، وعلى الجانب الأخر أنت على هذا الفيس طرفٌ هامٌّ في هذه المعادله وعليك أن تُميّز الغثَّ من السمين.
وهذا أمرٌ يحكمه علمُكَ ونباهتُكَ وعقلك الرشيد، فما كل ما يقالُ حق وما كلّ من يكتب على الفيس بوك دوافعُهُ سليمه، فالذين يكتبون على الفيس هم إما عالمُ مُخلصٌ رشيد (يُخطئ ويصيب) أو ناقلٌ نقلَ عن أهل الثقه أو مطّلِعٌ اطلاعاً غير مدعوم بمؤهّل التمييز الصحيح أو جاهلٌ لا يعلم بجهله ولكنه من أهل الخير أو جاهلٌ يعلم أنه جاهل ولكنّه لا يعلم أضرار جهله أو جاهلٌ من أهل الشر مغرور أو عالمٌ مكّار غيرُ أمين ٍ على علمه أو جاهلٌ حاقد أو مأجورٌ موهوبٌ بحُسْن البيان وحُسن العرض أو عابثٌ وجد له منصّةً يعبثُ من خلالها.
كُن حذراً من “الفيس بوك” كحذرك من النار خُذ منه ما تنيرُ به دربك وما تزدادُ به علماً وما تُنضِجُ به زادك الفكريَّ والروحيَّ والنفسي.
كُن قارئاً واعياً ومتابعاً نبيهاً وناقداً حكيماً واحذرْ من أن تكون هدفاً لمن يبحث عنك ليصطادك.
لا تكنْ قراءتك تصفُّحاً فليس المهم كم من المقالات قرأت ولكن المهم كم سطراً حفظت (بعد التأكد من صِحّةِ ما قرأت).
من عاشَ مُتصفّحاً ماتَ جاهلاً يدعي المعرفة والله الذي لا إله إلاّ هو إنّ جملةً مفيدة تحفظها وتُجهد نفسك في حفظها خيرٌ لك من عشرات الصفحاتِ تقرأها وتستمتع بها بعد أن تمرّ عليها مرورَ اللاهي.
لقد سخّر الله لنا هذه الوسيلة التي تحملُ إلينا العلم دون جهد منّا فلْنبذل قليلاً من الجهد لنصبح علماء.
كان الشيخ حسن حبنّكه رحمه الله يذهب من منطقةِ الميدان في دمشق إلى قريةِ الكسوه (تبعد عن دمشق عشرين كيلومتر) يذهب قبل الفجر سيراً على الأقدام ليأخذ العلم الذي يأتيك الآن إلى غرفتك. كان يذهب ماشياً ويعود ماشياً تحت البرد والصقيع فلا تزهد بما سخّره الله لك.
تأكد مما تقرأه وافهمه واحفظه وحاسبني إن لم تجد نفسك بعد سنةٍ واحدةٍ من أهل العلم (بقدر ما حفظت ووعيت) وحاسبني إن لم تجد نفسك أنك أصبحت إنساناً أفضل من الإنسان المُتصفّح.
المصدر: رابطة العلماء السوريين