– انطلاق الشباب نحو مسايرة واقعهم السطحي أدى إلى تهميش دورهم
– عدم وجود أب يجعل شخصية الابن قوية لكنه يعاني من حرمان داخلي
– الفجوة الدينية بين الفهم والتطبيق تعد أحد أهم مؤثرات المراهقة
– البيئة الخارجية تمثل خطراً في ظل إضعاف دور المدرسة ومناهجها وتفريغ مضمونها
إن كلمة «مراهقة» صارت شبحاً يهدد الآباء منذ فترة طويلة، رغم التقدم الذي وصلنا إليه في التعليم عن ذي قبل، والتكنولوجيا واستحداث وسائل تربوية وأساليب جديدة؛ فإن هذا الشبح يطاردهم في منامهم ويقظتهم خوفاً على أبنائهم أن يشردوا خارج سرب الأسرة والمجتمع بعاداته وتقاليده وقيمه، بل خارج عقائدهم أيضاً، وهذا أكبر خطر يفزعهم، حتى بات الشابان المقبلان على الزواج يحملان همّ هذه المرحلة لأولادهما المستقبلين وهما لم يتزوجا بعد، رغم أن تلك المرحلة في السابق لم تكن هكذا.
فلماذا المراهقة؟ ألم يكن هناك شباب في الماضي يقودون الغزوات؟ ألم يكن هناك مراهقون في ذلك الزمان؟ لماذا ظهرت هذه المصطلحات وهذه المشكلات بهذا الحجم المخيف؟
إن انطلاقة الشباب نحو مسايرة واقعهم المرفّه السطحي الذي خلفته لهم الظروف أدى إلى تهميش وتسطيح دورهم حتى يصطدم بعد ذلك بواقع الحياة المليء بالأزمات الاقتصادية والفكرية والتعليمية وغيرها.
ولكن انطلاقات الشباب هذه – التي صنعتها معطيات المجتمع – مقابل عدم مسايرة الواقع لبعض الآباء، وعدم تفهمهم لفارق سرعة التقدم التكنولوجي بين الأجيال؛ أوجدت فجوة فكرية وسلوكية بين الآباء والأبناء، مع ضعف استيعاب الخصائص النفسية التي يمر بها الشاب في هذا العمر من قناعات ومدخلات حديثة جعلته يمر في ممر خانق اسمه العادات والقيم، وقناة كبيرة اسمها العالم الآخر تجذبه إليها جذباً.
إن المراهقة في العهود السابقة لم تكن بذلك الشكل لضيق الممرات، وقد أصبحت القنوات أكبر، واختلفت أيديولوجية المراهقة وديمجرافيتها، بالإضافة إلى أن المكونات أو المؤثرات الأساسية في المراهقة ضعُف تكوينها من جهة، واختلف تأثيرها من جهة أخرى، وهذه المؤثرات هي: البيئة الداخلية، الإعلام، البيئة الخارجية.
البيئة الداخلية:
البيئة الداخلية ونواتها المركزية هي البيت الذي ينشأ فيه الشاب، وهل أركان هذا البيت كاملة من أب وأم وأخوات، أو غير مكتمل، وأحدهما مفتقد بدنياً أو معنوياً؟
لأن عدم وجود أب في بعض الحالات يساعد في تغيير شخصية الابن، أو الابنة إن كانت الأم غير موجودة؛ بحيث يكون شخصية قوية مسؤولة يُعتمد عليها، لكنه حتماً داخلياً أو نفسياً سيشعر بحرمان من أحد أركان الأسرة المهمة، ويظهر ذلك جلياً عند اختيار الشاب والفتاة لشريك الحياة.
كذلك قواعد البيت والأجواء التي يعيش فيها الشاب طفولته تؤثر وتؤدي دوراً قوياً جداً، فمثلاً: هل توجد خلافات وعدم استقرار داخل الأسرة؟ هل هناك تسيّب وإهمال، أم شدة وسلطوية منفّرة؟ كل تلك من أهم الأسباب التي يلجأ فيها الشاب أو الفتاة إلى الهروب إلى عالم خاص به قد يجلب له لحظات سعادة مصطنعة تعويضية لكنها مدمرة لكيان الأسرة والمجتمع.
وكذلك الفراغ الفكري وإهمال البيت لغرس قيم مرجعية يرجع إليها كلما ساورته نفسه للانحراف، هذا المؤثر الفكري المتمثل في تفكيره واهتماماته وميوله ومهاراته لا بد أن يكون متصلاً بعقيدته ودينه.
أضف إلى ذلك كأحد مؤثرات المراهقة أيضاً؛ الفجوة الدينية بين الفهم والتطبيق، فقد يكون الأب لديه الكثير من القواعد الإيمانية، لكن إسقاطها على واقعه بكل مستجداته معدومة.
هذا المؤثر – أي البيت – في السنوات الأخيرة جرت عليه تغييرات كثيرة استجابة للأزمات المالية والغلاء، واللهث وراء توفير مستوى معيشي أفضل للأسرة؛ وبالتالي انشغال أكثر عنهم، وافتقاد الأب والأم معنوياً قبل فقدانهم البدني والتواجد المباشر جعل رابطة الطرفين غير قوية لضيق وقت الآباء وضغوط الحياة من ناحية، ومن ناحية أخرى عدم إحساس الأبناء بقوة الانتماء لهم وللأسرة؛ لذا سهل عليهم جداً التمرد على أي قواعد أو تعليمات للبيت والأسرة أو حتى المجتمع.
وكلما ضعف تأثير الآباء على الأبناء؛ استأسد تأثير قوى أخرى جاذبة لهم نحو المفاهيم والقناعات الحديثة عن الحرية المطلقة وغير المسؤولة والكبت وفرْق الأجيال وغيرها من المصطلحات التي يروج لها الإعلام.
وصارت المراهقة أزمة للبيئة الداخلية بيتاً وأسرة، وصار البيت أزمة ومعوقاً للمراهق على أن يمر بمرحلة التغييرات النفسية والجسمانية والانفعالية والفكرية وغيرها كخصائص لمرحلته بسلام أو احتواء مناسب يشبع احتياجاتهم كمرحلة.
البيئة الخارجية:
أما المؤثر الثاني؛ وهو البيئة الخارجية من الأقارب والجيران والأصدقاء والمدرسة والمجتمع بشكل عام من حوله، فهذا المؤثر يمثل خطراً كبيراً، حيث تم إضعاف دور المدرسة من خلال إضعاف مناهجها أو تفريغ مضمونها، على الرغم من استحداث وسائل وأساليب جديدة فإنها غطاء لتفريغ المناهج من تثبيت عقيدة وقيم الدين، وكذلك تقييد دور المعلم المربي إلى ملقّن مدرس، بل صارت المدرسة في بعض المناطق مكان انتقال عدوى الانحراف بين الشباب بمختلف أنواعه.
وإحدى مفردات وأخطر هذا المؤثر الثاني الأصدقاء، خاصة في هذه المرحلة التي يعتبرهم الشاب – أي الأصدقاء – أنهم خط أحمر، والكلام عنهم يعد مهانة له وتعدياً على ذاته وكرامته.
هذا المؤثر الثاني (البيئة الخارجية) بعد أن كانت العادات الحسنة في المجتمعات تساعد في تقييم أخلاق أو سلوكيات الشاب أو الشخص، صار التحدي لها سمتاً شبابياً، والخروج عليها تصرفاً أصيلاً روج له الإعلام بكل طرقه وفي كل وسائله، وصارت المراهقة أزمة على المجتمعات، والمجتمعات حمل ثقيل على معتقدات الشباب.
الإعلام الموجَّه:
أما المؤثر الثالث؛ وهو الإعلام، فقد خدَم وخدّم على المؤثرَيْن السابقَيْن في مكونات المراهقة التي ظهر آثاره في زيادة حجم المشكلات الأخلاقية بشكل متسارع جداً.
وهو ليس إعلاماً عادياً، ولكنه موجَّه لضرب بنية الأسرة المسلمة بموروثها القيمي والأخلاقي ثم العقائدي.
ولا شك أن استهداف الأسرة المسلمة يتم بتجفيف المنابع المحيطة بها، ثم إروائها بما يريدون؛ فالأسرة المسلمة تواجه أشرس حرب منذ سنين طويلة بدأنا نحصد ثمارها، فهي معركة أجنحتها غير متكافئة حتى تستعين بالله، ثم تحذر بشدة مما بقي من مكائد لها؛ ولذا فعليها:
– عدم الانجرار وراء المادة على حساب أشياء أهم للأسرة، فالعيش في بيت متواضع يجمع أفراد الأسرة في ود وترابط أفضل من القصور الفارغة على أصحابها.
– عدم الانشغال بتسمين الأجساد عن تسمين عقول وقلوب أفراد الأسرة بما يذكرها بمرجعيتها وهويتها الدينية.
– البحث عن بدائل للبرامج الفاسدة لأبنائهم وصنعها بأنفسهم.
– التكتل مع ذوي الفكر الواحد، وأن كدر الجماعة خير من صفو الفرد.
– عدم الاستسلام والانبطاح أمام الإعلام، وخلق إعلام موازٍ منافس، واقتحام هذا المجال ومساندته بقوة من قبل الجهات المعنية والمستثمرين والأسر والمشاهدين.
– الاهتمام جداً بالموهوبين وتوفير مناخ أعمق من هذا من قبل الجهات المختصة والحكومات.
– اتساع رقعة الاهتمام الشخصي باحتياجات المراهق من قبل المؤسسات المعنية بهذه الشريحة، وإعطاؤهم المجال لقيادة الأنشطة.
– عمل أنشطة موازية نافعة لكل ما هو غير مفيد من قبل الجهات والمنظمات الشبابية.
– وأخيراً؛ فاستخدام قانون الإزاحة في تعديل السلوك وتربية النشء من الأساليب المستحدثة والناجح في نتائجه.