يعاني الكثيرون من المماطلة في أداء عملهم، ويؤجِّلون عملهم مرة تلو الأخرى بشكلٍ قد يُزعج مسؤوليهم في الدراسة أو العمل، ومن ثم يزعجهم هم أنفسهم، وهناك العديد من الطرق العلمية التي تساعدك على التخلّص من المماطلة، منها البدء بالمهام الصغيرة، ووضع حد زمني لإنهائها، لنتعرَّف عليها في هذا التقرير.
1- «تأثير زيجارنيك».. ابدأ بالمهام الصغيرة:
في عشرينيات القرن الماضي، لاحظ عالم النفس الروسي «كورت ليفين» أنّ «الجرسون» لا ينسى أبدًا الزبائن الذين لم يسددوا بعد فاتورة طلباتهم حتى ولو طالت جلسة هؤلاء الزبائن، ولكن بمجرَّد تسديدها ينساهم ولا يستطيع تذكر المزيد من التفاصيل حول الطلبات.
والتقطت طالبته الروسية المتخصصة في علم النفس «بلوما زيجارنيك» الخيط من أستاذها كورت ليفين، وأجرت سلسلة من التجارب النفسية والعلمية حول ذلك الاستنتاج، لتخرج عام 1927 بظاهرة بحثية، تحمل اسم « تأثير زيجارنيك» مفادها أنّ الإنسان يتذكَّر المهام غير المكتملة بشكلٍ أكبر بكثيرٍ من تذكره للمهام التي أنهاها، وهي جزء من الطبيعة البشرية في إنهاء المهام التي بدأها بالفعل.
ولذلك ينصح للاستفادة من ذلك التأثير البدء بالمهام البسيطة وإنهائها بشكل كامل، حتى نتخلص من إشغالها للذهن، فإذا بدأت في مهام كبيرة تاركًا بعض المهام الصغيرة غير مكتملة، فإنها ستشغل ذهنك، وتجعلك أكثر مماطلة لإنهاء المهام التي بين يديك، لذلك فبمجرد البدء في المهام البسيطة التي تزعج ذهنك، سيتوقف هذا الإزعاج ويصبح عقلك أكثر تركيزًا، لإنهائها، كما أن إنهاء المهام البسيطة سيشعرك بالإنجاز ويحفزك لأداء المزيد.
2- تخلّص من تشويش مواقع التواصل الاجتماعي:
لا تعد المهام غير المكتملة هي المصدر الوحيد لتشتيت الذهن، والدافع للمماطلة والتسويف، وإنما يُضاف إليها مواقع التواصل الاجتماعي، التي تُعد واحدة من أهم مصادر تشتيت الذهن والتأجيل، فخلال 60 ثانية فقط، يُنشر على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” 3.3 مليون منشور، ويُرسل على “واتس آب” 29 مليون رسالة، ويُكتب على “تويتر” 448.800 تدوينة، ويُرفع على “إنستجرام” 65.972 صورة، ويرفع على “يوتيوب” 500 ساعة، وهي أرقام تلخص ببساطة مدى انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، وإشغالها للأشخاص لدرجة «الإدمان».
لذلك ينصح عند بدء العمل والمهام المطلوبة، غلق مواقع التواصل الاجتماعي، للتخلص من التشتيت الذهني الناتج عنها، ويدعم ذلك دراسة تعود لعام 2014، وتؤكد دور تلك المواقع في تشتيت الذهن، وخلصت الدراسة بأن مواقع التواصل الاجتماعي هي أكبر مصدر للمماطلة والتسويف.
وخلال الدراسة، سأل الباحثون 1500 طالب أمريكي حول تأثير مواقع التواصل الاجتماعي في تشتيت الانتباه وتعطيل العمل والدراسة، وأقر 74% من المبحوثين أن التشتيتات الناتجة عن الإنترنت أدت إلى المماطلة بشكل «ملحوظ ومخيف»، فيما اعترف 64% من الطلاب بانقطاع حبل أفكارهم بسبب إشعارات مواقع التواصل الاجتماعي.
وأظهرت الدراسة أيضًا أن 51% من الطلاب اعترفوا بفقدان ساعة على الأقل من إنتاجيتهم يوميًا بسبب إلهاءات مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت، فيما أعرب نحو 44% من الذين شملهم الاستطلاع، عن قلقهم إزاء انخفاض جودة أعمالهم بسبب التسويف الناجم عن الإنترنت.
3- وضع حد زمني لإنهاء المهام:
عند البدء في مهام معينة لا بد من وضع حد زمني لإنهائه، ويجب أن يكون الحد الزمني الذي وضعته لإنهاء المهام ذا مصداقية، وتسعى فعليًا للالتزام به، لأن تكرار تجاوز الحد الزمني مرة تلو الأخرى، يضعف من مصداقيته وقد يجرك إلى دوامة من إهدار الوقت.
وتؤكد أهمية وضع حد زمني لإنهاء العمل، وانعكاسها إيجابًا على زيادة الإنتاجية والتخلص من المماطلة، دراسة علمية أجراها، دان أريلي، بروفيسور علم النفس في جامعة ديوك الأمريكية، وكشفت الدراسة أن طلاب الجامعة الذين وضعوا لأنفسهم حدًا زمنيًا صارمًا لإنهاء التكاليف، أدوا بشكل أفضل بكثير وأكثر اتساقًا من زملائهم الذين لم يضعوا حدًّا زمنيًّا لإنهاء تكاليفهم.
4- تذكر المكافأة:
حدد لنفسك مكافآت تسعى إليها عند إنجاز مهامك، فلا مانع من مكافأة نفسك بعد إنجاز أهدافك، فإن وضع المكافأة عند إنهاء المهام وتذكرها خلال أدائه سيمثل حافزًا كبيرًا لإنهائها بأسرع وقت وعدم المماطلة فيها، ومن المهم للمديرين أيضًا تخصيص مكافآت لموظفيهم المجيدين لزيادة التحفيز والدافعية لديهم.
وفي هذا الصدد، كشف بحث نشرته مجلة «تايم» أن المكافآت تمثل 75% من الحافز الشخصي للفرد تجاه ما يفعله من مهام، وأفاد الباحثون بأن المكافأة تمثل العامل الرئيس للتفاني في العمل والرضا به، كما أفادت دراسة أخرى، أن العقل الإنساني يستجيب بشكل إيجابي مع استمالات المكافأة، وهذا من شأنه أن يخلق طريقة فعّالة لخلق عادات مفيدة وزيادة الإنتاجية وتجنّب المماطلة.
وتمثل كل من المكافآت والجزاءات مصدران رئيسان للتحفيز، فالحصول على مكافأة شيء جيد، أما الجزاء فهو شيء سيئ، يسعى الشخص لتجنبه، وفي هذا الصدد، يمكنك أن تضع نفسك بتحد بأن تعطي مثلًا أحد أصدقائك مبلغًا ماليًا تستطيع استرداده إذا أنهيت المهام المتفق عليها في الوقت الذي حددته، وتخسره إذا فشلت في ذلك.
5- تخلّص من الضوضاء:
تُعد الضوضاء واحدة من أهم العوامل التي تؤدي إلى تشتيت الانتباه وتقليص التركيز، وتؤدي إلى البطء في أداء المهام والمماطلة في إنجازها، لذلك يُنصح عند البدء في أداء مهام معينة الابتعاد قدر الإمكان عن الضوضاء والجلوس في مكان هادئ، لزيادة الإنتاجية، وإنجاز المهام بشكل أسرع.
ويدعم ذلك الاتجاه دراسة أجرتها جامعة كورنيل الأمريكية أفادت بأن الضوضاء تقلص الإنتاجية وبالأخص عند أداء مهام معقدة، كما أفادت بأن العاملين الذين تعرضوا لمستويات أقل من الضوضاء، كان لديهم مستويات أعلى من الإندروفين؛ ذلك الهرمون الذي يساعد على تنظيم معدل ضربات القلب، مما يوفر بيئة صحية ونفسية أفضل لإنجاز المهام.
6- تسامح مع نفسك:
لا تقسُ كثيرًا على نفسك، ربما تظن أن حساب الذات بشدة وصرامة، يساعدك على التغلب على المماطلة والتسويف، ولكن قد يأتي ذلك بنتائج عكسية «انهزامية» مع تسليط الضوء على مراحل الفشل في رحلة التغلب على المماطلة والتأجيل.
فإذا ماطلت في أداء مهام معينة وأجلتها فعليك أن تبدأ فيها من الآن، وتظهر لنفسك بعض التعاطف مع أخطاء الماضي، بدلًا من تعزيز فكرة أنك انهزمت في محاربة المماطلة، وقد خلصت دراسة علمية نفسية، تعود لعام 2010، إلى أن مسامحة الذات تعد علاجًا فعالًا للتخلص من المماطلة.
المصدر: “ساسة بوست”.