تدخل عملية السلام في جنوب الفلبين مراحلها الأخيرة، وسط توقعات متفائلة بالانتهاء منها قريباً، والإعلان عن تأسيس كيان سياسي جديد لشعب مورو يضم كافة المناطق ذات الغالبية المسلمة في جنوب البلاد، ويطلق عليه اسم «بانجسامورو»، ويتمتع بصلاحيات حكم ذاتي واسعة.
تم تسليم مسودة قانون «بانجسامورو» الأساسي للرئيس الفلبيني العمدة «رودريجو روا دوتيرتي»، في حفل رسمي أقيم في 17 يوليو 2017م، بقصر مالاكانيانج الرئاسي، وفقاً لما نشره الداعية الفلبيني «عبدالهادي بوتوان غوماندر»، على صفحته الخاصة بـ»فيسبوك».
ويذكر أن عملية السلام كانت قد بدأتها جبهة تحرير مورو الإسلامية في جنوب الفلبين مع حكومة مانيلا في شمال البلاد منذ عام 1998م، حيث أبرم الطرفان منذ ذلك التاريخ وعلى مدار سنوات عديدة اتفاقيات مبدئية ونهائية، ثم تواصلت هذه الاتفاقيات حتى تم إبرام «الاتفاق الشامل حول بانجسامورو» في 27 مارس 2014م، وهو الاتفاق النهائي الذي شمل جميع الاتفاقيات التي سبقته، وتم تقديمه مؤخراً للرئيس الفلبيني الجديد، وذلك للمرة الثانية، بعد أن فشلت الحكومة السابقة في تمرير هذا القانون العام الماضي في عهد الرئيس السابق «بينيجنو أكينو الثالث».
أهم خطوة
وحول أهمية هذه الخطوة، أوضح «عبدالهادي بوتوان غوماندر»، رئيس المجلس التأسيسي والاستشاري لمركز التراث الإسلامي كوتاباتو، مدير مركز «بانجسامورو للإعلام الخارجي»، أنها تأتي في سياق تنفيذ أهم بنود الاتفاقية الشاملة لـ»بانجسامورو» التي تم التوصل إليها من خلال مفاوضات السلام مؤخراً؛ وهو إنشاء كيان «بانجسامورو» الجديد ذي صلاحيات حكم ذاتي واسعة كحكومة وشعب ووطن لديه دستور داخلي خاص به.
وأوضح “غوماندر”، في تصريحات خاصة لـ”المجتمع”، أن تقديم مسودة هذا القانون لا يمثل آخر مرحلة من عملية السلام؛ حيث يتم بعدئذ تسليمه للكونجرس ومجلس الشيوخ من قبل الرئيس الفلبيني، ومن ثم تمريره كقانون وإجراء الاستفتاء عليه من قبل شعب مورو ذاته.
وتابع: وبعد إقامة حكومة “بانجسامورو” والتأكد من تنفيذ جميع بنود الاتفاقيات تأتي المرحلة الأخيرة من عملية السلام التي تهدف إلى الخروج من المفاوضات وإغلاقها رسمياً.
ومع هذه المرحلة النهائية لعملية السلام في جنوب الفلبين؛ استبشر الداعية “غوماندر” بنجاح تمرير قانون “بانجسامورو” الأساسي بعد أن تسلمه رسمياً الرئيس الفلبيني إلى المجالس النيابية والتشريعية بغرفتيها لإقراره؛ ومن ثم عرضه في استفتاء عام.
3 محطات تاريخية
وحول أبرز المحطات التاريخية لعملية السلام، أوضح «غوماندر» أنها مرت بثلاث مراحل تاريخية مهمة، هي:
المرحلة الأولى: بعد الاستقلال التام للفلبين عام 1946م، وتم ضم مينداناو وسلطنات مورو الإسلامية للجمهورية ظلماً وغدراً، حيث تقدم «داتو أودتوغ ماتالام»، حفظه الله، زعيم حركة مينداناو الإسلامية، للكونجرس الأمريكي مذكرة رفض الانضمام إلى أراضي الجمهورية، وطلب التفاوض حول استقلال مينداناو.
المرحلة الثانية: في عام 1974م؛ حيث قررت قيادة جبهة تحرير مورو الوطنية التي يتزعمها البروفيسور «نور ميسواري»، حفظه الله، التفاوض للسلام واستقلال بلاد مورو التي تضم 14 محافظة إسلامية برعاية منظمة المؤتمر الإسلامي (منظمة التعاون الإسلامي حالياً).
المرحلة الثالثة: في عام 1989م؛ حيث وافقت اللجنة المركزية لجبهة تحرير مورو الإسلامية التي يتزعمها العلامة الشيخ «سلامات هاشم»، يرحمه الله، على التفاوض مع الحكومة الفلبينية وقبول الهدنة بعد أن نجحت الجبهة في برامجها الأساسية الأربعة؛ أسلمة الشعب، وتقوية التنظيم، والاكتفاء الذاتي، وبناء قوة عسكرية، حتى إن قوات «بانجسامورو» الإسلامية الجناح العسكري لها استطاعت فرض سيطرتها في مناطق بجنوب الفلبين، وعن هذه المرحلة الثالثة كان الشيخ «سلامات» قد ذكر في رسالة كتبها لي – والكلام ما زال لـ»غوماندر» – بتاريخ 25 مايو 2002م أن المفاوضات للسلام في الوقت الحاضر هو الموقف الصحيح، وذكر الأسباب؛ ومنها أن الهدوء النسبي يعطي الفرصة لمضاعفة الجهود في النشاطات الدعوية والتربوية والنشاطات المهمة لبناء الأمة.
معارضو اتفاقية السلام
وحول ثقتهم في إمكانية نجاح عملية السلام في جنوب الفلبين في ظل وجود أطراف بعضها معارض والبعض الآخر متضرر منها، قال «غوماندر»: إنه لا شك أن واقع عملية السلام الآن بين مورو والفلبين مبشر بالخير؛ حيث لم يعهد منذ زمن مضى أن يجتمع كل الأطراف المعنية والطوائف لمورو والسكان الأصليين والسياسيين والقادة اللهم إلا جماعة «نور» من جبهة تحرير مورو الوطنية، إلا أننا نثق بجهود منظمة التعاون الإسلامي من خلال منتدى تنسيق «بانجسامورو»، والرئيس الفلبيني الحالي الذي يصرح في أكثر من مؤتمر صحفي له أن صديقه «نوراً» لن يحول دون تحقيق السلام وإقامة حكومة «بانجسامورو» بعد تمرير القانون.
أما عن الأطراف المتضررة التي تود عدم نجاح عملية السلام، أكد أنهم في نظرنا فقط الجماعات الإرهابية اللاإنسانية وأصحاب الأفكار المتطرفة هؤلاء الذين لا ينتمون إلى أي دين ووطن وأعلنوا ولاءهم لتنظيم “داعش”؛ لذا فإن قيادة جبهة تحرير مورو الإسلامية تبنت الفتوى التي أصدرتها دار الإفتاء بـ”بانجسامورو”، وذلك في 25 يونيو 2017م بشأن مقاتلتهم خاصة بعد محاصرتهم مدينة ماراوي الإسلامية وإعلانها ولاية تابعة للتنظيم.