انضمت فنزويلا إلى لائحة ترمب باحتمال تعرضها لتدخل عسكري أمريكي مباشر، فليست كوريا الشمالية وحدها من يتوعد ترمب زعيمها بالغضب والنار وفرض عقوبات على البلاد، هناك أيضًا الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو الذي يتصرف بما لا يرضى ترمب ويريد القضاء على المعارضة عبر اللجنة التأسيسية.
وفي نفس المنتجع الذي يملكه في ولاية نيوجيرسي، حيث اجتمع ترمب مع إدارته وصرح ضد كوريا الشمالية، اجتمع هناك أيضًا مع مستشاره للأمن القومي الجنرال إتش آر ماكمستر، ووزير الخارجية تيلرسون، ومندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي نيكي هايلي، وقال: إن إدارته تبحث جميع الخيارات المطروحة لحل الأزمة الفنزويلية، بما فيها خيار التدخل العسكري المباشر للإطاحة بالنظام الدكتاتوري في كراكاس.
الخيار العسكري مطروح
بحسب ترمب، “لدى الولايات المتحدة عدة خيارات من أجل فنزويلا، بالمناسبة لن أستبعد الخيار العسكري، إن التدخل العسكري خيار يمكن أن ندرسه”، وأشار إلى وجود آلاف من الجنود الأمريكيين في أماكن بعيدة كثيرًا عن الولايات المتحدة، بينما فنزويلا بلد جار ويشهد أزمة إنسانية كبيرة تستلزم تدخلًا أمريكيًا، وتابع “فنزويلا ليست بعيدة جدًا والناس يعانون ويموتون”.
فيما قالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون): إنها لم تتلق أي أوامر بشأن فنزويلا من الرئيس دونالد ترمب، وقال إريك باهون، المتحدث باسم الوزارة: “البنتاجون لم تتلق أي أوامر”، أما فنزويلا فردت على ترمب عبر وصف وزير الدفاع الفنزويلي فلاديمير بادرينو تهديد ترمب ضد بلاده بأنه جنون، وقال الوزير للتلفزيون الحكومي تعليقًا على كلام ترمب: “إنه جنون، هذا تطرف شديد”.
إلى ذلك أبدى الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، الخميس الماضي، رغبته بلقاء ترمب وإجراء محادثة معه عبر الهاتف أو وجهًا لوجه في نيويورك حيث تنعقد في سبتمبر اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وردًا على رغبة مادورو أشار البيت الأبيض إلى أن ترمب سيتحدث مع مادورو ما إن تتم استعادة الديمقراطية في فنزويلا.
موقف واشنطن هذا جاء غداة انتخابات الجمعية التأسيسية المثيرة للجدل، والتي دفع مادورو باتجاه إجرائها في 31 من يوليو الماضي رغم رفض المعارضة لها، وأسفرت احتجاجات المعارضة في ذلك اليوم عن مقتل 10 أشخاص على الأقل في عموم البلاد جراء أعمال العنف.
وفي مطلع أغسطس فرض ترمب عقوبات على مادورو، وأدانت واشنطن ما أسمته عنف السلطات ضد المحتجين، وحثت الحكومات في المنطقة وفي مختلف أرجاء العالم على محاسبة من يقوّضون الديمقراطية ويمنعون حقوق الإنسان ويتحملون مسؤولية العنف أو يقومون بممارسات فاسدة، وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان: “الولايات المتحدة تقف إلى جانب شعب فنزويلا وممثليه الدستوريين في سعيهم لإعادة بلادهم ديمقراطية ومزدهرة”، وأضافت الوزارة: “سنواصل اتخاذ إجراءات قوية وسريعة ضد مهندسي الاستبداد في فنزويلا، ومن بينهم هؤلاء الذين شاركوا في الجمعية الوطنية التأسيسية نتيجة انتخابات اليوم المشينة”.
يدرك معارضو مادورو الذين يتمتعون بأغلبية في البرلمان أن جمعية مادورو التأسيسية التي يدعو إليها وسيلة للتمسك بالسلطة والالتفاف على البرلمان المنتخب وتجنب انتخابات رئاسية مقررة نهاية عام 2018، والتي يدرك مادورو من جهته أنه سيخسرها لا محالة بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد.
حيث انفلت عقال التضخم ليصل إلى 700%، وانخفض الناتج المحلي الإجمالي لفنزويلا إلى أقل من الثلث عما كان عليه في عام 2013، وأصبحت البلاد أكبر مدين في العالم وانهارت بشدة معايير المعيشة، ويعد السبب الرئيس في هذه الأزمة انهيار أسعار النفط العالمية، إلى جانب تفشي الجريمة وانعدام القانون في البلاد وانتشار السوق السوداء.
هل يتدخل ترمب في فنزويلا؟
شهدت دول أمريكا اللاتينية تهديدات أمريكية مشابهة في الماضي، حيث تدخلت في السلفادور للإطاحة بنظام أورتيغا اليساري في عهد الرئيس السابق رونالد ريجان، ودعم الـ”سي آي إيه” الانقلاب العسكري في تشيلي الذي قام به الجنرال بينوشيه ضد نظام الليندي مطلع سبعينيات القرن الماضي، وغزا الجيش الأمريكي بنما وجزيرة غرينادا.
وبخلاف التدخلات غير المباشرة لواشنطن في دول أمريكا اللاتينية، تدخلت واشنطن بقواتها العسكرية أكثر من 50 مرة في القارة اللاتينية منذ عام 1890، وكان لبنما النصيب الأكبر حيث دخلتها القوات الأمريكية 8 مرات ما بين عامي 1980 و1989، تليها هندوراس ونيكاراجوا بمعدل 7 تدخلات عسكرية أمريكية مباشرة.
عادة ما تكون واشنطن مسؤولة عن القلاقل التي تحدث في دول أمريكا اللاتينية، وتدعم الانقلابات هناك للحفاظ على مصالحها مستغلة في ذلك حلفاء محليين موالين لها، وأطلق البعض على أمريكا اللاتينية القارة الملتهبة خلال العقود الماضية بسبب عدم الاستقرار السياسي الحاصل هناك.
بالنسبة لفنزويلا فقد قوض نجاح هوجو تشافيز، التدخل الأمريكي في البلاد، إبان وصوله إلى قصر الرئاسة من خلال صناديق الاقتراع في نهاية التسعينيات، ومن جهة أخرى البرنامج الانتخابي الذي قدم فيه تشافيز خططًا لمحاربة الفقر والفساد وفرض السيادة الوطنية على الثروات الطبيعية للبلاد، ثم فاز مرة ثانية في الانتخابات الرئاسية عام 2000 بأصوات 70% من الناخبين محققًا أعلى نسبة يحصل عليها رئيس فنزويلي منذ 40 عامًا.
في العام 2002 حاولت الولايات المتحدة دعم انقلاب ضد تشافيز، لكنه فشل ولم يفلح بالإطاحة بالنظام المعادي لواشنطن لقوته العسكرية ولأنه جاء عبر صناديق الاقتراع وحافظ على مصالح السكان المحليين وركز على الفئات الأكثر فقرًا في البلاد.
تصريحات ترمب بالتهديد بتدخل عسكري في فنزويلا ليست غريبة على أمريكا، فمنذ مجيء فرانكلين روزفلت إلى الرئاسة 1933 أصبحت أمريكا تنتهج خطًا عسكريًا مؤثرًا في الأحداث الدولية وتهدد أمن كل من يقف أمام المصالح الأمريكية اعتمادًا على الإمكانات الهائلة سواء على الصعيد العسكري أو الاقتصادي، ودأبت واشنطن على اعتماد المسار المزدوج في سياساتها ضد بلد ما عبر سياسات إصلاح العلاقة مع بعض التشكيلات السياسية المعارضة للنظام الحاكم من جهة، والعمل على قلب الأنظمة والحركات الأخرى بالقوة والتدخل العسكري من جهة أخرى.
هناك خطوات عدة قد ينتهجها ترمب في الأيام المقبلة حيال الأزمة الفنزويلية، من خلال التدخل العنيف غير المباشر عبر فرض عقوبات اقتصادية تؤثر على الاقتصاد الفنزويلي وترغمه على الانصياع لواشنطن في نهاية المطاف، أو تأمين تمويل واسع النطاق للحملة الرئاسية التي ستجري في العام المقبل لضمان فوز المرشح المعارض لمادورو، ويمكن أن يطلق البيت الأبيض حملة إعلامية ضخمة لصالح تصويت الكونغرس لإجراء استفتاء بشأن إقالة الرئيس مادورو والتدخل عسكريًا لإسقاط نظامه.
ولعل دلائل دعم أمريكا لحركات انقلابية في فنزويلا ظهرت مؤخرًا بعد هجوم 20 مسلحًا على قاعدة عسكرية فجر الأحد الماضي الـ6 من الشهر الحاليّ، قتل اثنان منهم خلال المعارك التي استمرت لـ3 ساعات، واعتقل 8، حيث أعلن كل من القائد السابق للحرس الوطني خوان كاغاريبانو والضابط ييفرسون غارسيا أنهم يخوضون تمردًا على سلطة الرئيس مادورو معتبرين أن حكمه استبداد غير مشروع.
وأعلنت قوات الأمن الفنزويلية اعتقالها لمنفذي الهجوم على القاعدة العسكرية، واعتبر وزير الدفاع الفنزويلي بادرينو أن عملية الاعتقال هذه تشكل ضربة قاسية للإرهاب الفاشي الذي يمارسه اليمين الفنزويلي في الأشهر الأخيرة، وأضاف: “من يخون الوطن ومن يرفع السلاح ضد القوات المسلحة الفنزويلية سيتلقى عقابًا نموذجيًا”.
تدخل أمريكا في فنزويلا عسكريًا لن يكون بسهولة التصريح الذي أدلى به ترامب، فأمريكا ليست وحدها على الساحة اليوم، كما أن أي تدخل عسكري قد يقوض علاقتها بدول صديقة وحليفة لها في العالم، إضافة إلى رفض شعبي لهذا التدخل، لذا من الممكن أن يستمر البيت الأبيض بفرض مزيد من العقوبات لتقويض سلطة مادورو لصالح المعارضة وجر البلاد لحرب أهلية يخسر فيها مادورو.
المصدر: “نون بوست”.