حامد العطار
يتعامل كثير من المسلمين مع شهر رمضان باعتباره ضيفا، فيعدون المحسنَ فيه من يحسن استقبالَه ومعايشتَه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه.
تغيير الحياة في رمضان
وإكرامهم لشهر رمضان يكون بالتوقف عن نمط الحياة المعتاد، فإذا كان النمط المعتاد، هو التكاسل عن العبادة، والتقصير في حقوق الله وحقوق الناس، وترك النفس تعيش لملذاتها وشهواتها، فإنهم في هذا الشهر يتوقفون عن ذلك، فينشطون في العبادة، ويلزمون أنفسهم بالتوقف عند حدود الله، فلا يتعدونها، ولإقامة فرائض الله فلا يضيعونها وبالابتعاد عما حرم الله فلا ينتهكونها، مع نشاط عام في مظاهر العبادات من تلاوة القرآن، وقيام الليل، وكثرة الذكر، والصدقة على المحتاجين، واحتمال أذى المؤذين.
فإذا ما ترحل رمضان ترحل الضيف، عادت الأمور سيرتها الأولى، ولِمَ لا ، وقد رحل الضيف الواجب إكرامه، كحالهم مع إضافة من ينزل بهم ضيفًا، يُعِدُّون له نزلًا لا يُستعمل إلا وقت وجود الضيف ،فالبيت يفرش بالفراش الخاص، ويشرب في الكؤوس الخاصة بوقت نزوله، ويتأدب البيت كله كبارا وصغارا في حضرة الضيف إكراما له، فإذا ترحل الضيف، طوي الفراش ، وانزوت الكؤوس عائدة إلى خزانتها، وعاد الأفراد سيرتهم الأولى !
تحول رمضان إلى ضيف ثقيل
المشكلة في طبيعة هذا التعامل مع شهر رمضان تكمن في:
أن شهر رمضان سيتحول إلى ضيف ثقيل على النفوس، فسوف يصبح شهر الحرمان، وشهر (المنع = الكنترول)، شهر اللاءات، لا لكذا، ولا لكذا، ستكون معه أعضاء الجسم في أعلى استنفار لها، الأذن تخاف أن تستمع إلى كلمة حرام، والعين وجلة من رؤية شيء حرام، واليد مغلولة عن عادتها بالبطش الحرام، واللسان معقول عن سجيته بالكلمة الحرام، والرجل مقيدة عن طبيعتها بالمشي في الخطوات الحرام، الحالة حالة طوارئ عامة أثناء وجود الشهر، والطوارئ من شأنها أن تجعل الإنسان في حالة ارتباك وسخط، يترقب متى تنتهي هذه الحالة!
ولذلك عاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه الرجل يحدث في أسرته هذا الارتباك، فإذا دخل، وقف الجالس، وسكت المتكلم، واعتدل النائم، وعزله عن الولاية قائلاً: “أنت لا تصلح أن تكون والياً على المسلمين”.
إن مثل هذا الأب لا يكون وجوده في البيت محببًا إلى أولاده ولا إلى زوجته! فهكذا يكون الحال مع شهر رمضان، بدلا من انتظاره وترقب قدومه، يكون الضجر كلما اقترب موعده!
التوبة المؤقتة
أن الإنسان الذي سوف يعيش هذه الحالة القصوى من الاستنفار في شهر رمضان سيكون في حالة ( توبة مؤقتة)، ينوي الاستقامة ما بقي الشهر، وينوي العودة إلى السيرة الأولى متى ترحل الشهر.
والتوبة في الإسلام لا تكون مؤقتة، بل التوبة قرار بالإقلاع الفوري عن المعصية، والندم على ارتكابها، والعزم على عدم العود إليها، هذه هي أركانها، التي إذا تخلف عنها ركن بطلت وسقطت، فإذا كان أرجى ما يمكن من شهر رمضان أن يكون نقطة بداية للإصلاح، فإن هذا الرجاء سوف يتبدد، وتضيع أهم فوائد الشهر الفضيل.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : قَالَ ابْن الْمُبَارك: “الْمصر على الذنب ، هو الَّذِي يشرب الْخمر الْيَوْم ثمَّ لَا يشْربهَا الى شهر، وَفِي رِوَايَة إلى ثَلَاثِينَ سنة، وَمن نِيَّته أَنه إذا قدر على شربهَا شربهَا، وَقد يكون مصرًا اذا عزم على الْفِعْل فِي وَقت دون وَقت كمن يعزم على ترك الْمعاصِي فِي شهر رَمَضَان دون غَيره، فَلَيْسَ هَذَا بتائب مُطلقًا، وَلكنه تَارِك للْفِعْل فِي شهر رَمَضَان، ويثاب اذا كَانَ ذَلِك التّرْك لله وتعظيم شَعَائِر الله واجتناب مَحَارمه فِي ذَلِك الْوَقْت، وَلكنه لَيْسَ من التائبين الَّذين يغْفر لَهُم بِالتَّوْبَةِ مغْفرَة مُطلقَة، وَلَا هُوَ مصرّ مُطلقًا“.
تآكل الرصيد
الرصيد الذي جمعتَه في رمضان ليس محصَّنًا من التبدد والتآكل، فالأصل أن ثواب طاعات رمضان من صيام وقيام وصدقة وذكر ومدارسة للقرآن، الأصل أن تكون هذه الحسنات حسنات رافعة لمقامات الترقي، قال صلى الله عليه وسلم: ”إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني“. (رواه البخاري).
لكن التفريط بعد رمضان يحولها من الحسنات الرافعة إلى الحسنات الماحية، أي الحسنات التي تحتاج إلى إنفاقها وتبديدها في محو سيئات التفريط، قال صلى الله عليه وسلم: «أتدرون ما المفلس؟» . قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: «إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا. وأكل مال هذا. وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار». فأصبح العبد بعدما كان في طريق الترقي إلى الولاية باجتهاده في طاعات رمضان، أصبح بتفريطه بعد رمضان منحدرا مع المفلسين.
ما الحل؟
الحل في الاستقامة الدائمة، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162]، ويكون شهر رمضان إضافة، ساعتئذ إذا قدم رمضان لن يغير حياتك رأسا على عقب، لن يجبرك على تغيير نمط حياتك، فأنت وقاف عند حدود الله في كل وقت من السنة، فيكون رمضان إضافة أو ضيفا كريما محبوباً.
المصدر: “إسلام أون لاين”.