شهد برلمان الجزائر سابقة تاريخية، بوصول نائب إسلامي محسوب على جماعة الإخوان المسلمين لرئاسة “المجلس الشعبي الوطني” لأول مرة، بعدما صوتت أغلبية نواب البرلمان لاختيار النائب سليمان شنين (من حركة “البناء الوطني” المعارضة التي تمثل جماعة الإخوان) خلفاً لمعاذ بوشارب الذي قدم استقالته تحت ضغط الشارع الثائر للجمعة الـ21 على التوالي.
فوز مرشح حزب البناء الوطني برئاسة البرلمان رغم أن كتلة الحزب في البرلمان 15 نائباً فقط (من 462 نائباً)، مقارنة بالحزب الحاكم (جبهة التحرير الوطني)، الذي يستحوذ على 160 مقعداً، جاء مفاجئاً لكثيرين في الداخل والخارج، وأقلق بالأخص دول الثورة المضادة.
وأثار أيضاً تساؤلات حول دلالات هذا الفوز، وهل الأمر مرتب بين الإخوان والعسكر في الجزائر كما قال معارضو الحزب الإسلامي، أم أنها حسابات سياسية بين الأحزاب الجزائرية خاصة التي دعمت مرشح الإخوان وانتخبته، وبالتالي سيكون دوره تنفيذ أوامر الأغلبية، أم هناك أسباب أخرى غير معلومة؟
وكيف يمكن تصنيف هذا التصرف في ظل الحراك الشعبي الطامح لإجراء تصحيح للنظام السياسي؟ بمعنى: هل يساعد على تمديد النظام الحالي الذي بات يمثله الجيش، حال كان حديث المعارضين عن صفقة بين الإخوان (وأحزاب أخرى) والجيش صحيحاً؟ أم يكرر إخوان الجزائر خطأ إخوان مصر في التحالف مع العسكر حال صح هذا السيناريو الذي رسمه معارضون للإخوان؟
دلالات انتخاب المرشح الإسلامي
يمكن الحديث هنا عن عدة دلالات، منها:
أن انتخاب سليمان شنين، رئيس الكتلة البرلمانية لحركة البناء الوطني، رئيساً للبرلمان الوطني بالأغلبية يعد انتصاراً جديداً للثورة الجزائرية؛ لأن انتخابه جاء خلفاً لأحد مخلفات نظام بوتفليقة الذي طالب الثوار بإقالته، وأنها خطوة على خطى تحقيق كل أهداف الثورة.
من دلالات انتخاب سياسي معارض ينتمي إلى التيار الإسلامي، في منصب سيجعله دستورياً الرجل الثالث في الدولة، إعطاء إشارات إيجابية للحراك الشعبي الذي يرفع كل جمعة شعارات تنادي “بالتغيير الجذري”، إذ يرفض الجزائريون بشدة تولي أشخاص محسوبين على نظام الرئيس المستقيل أي مناصب.
أن انتخاب البرلمان النائب الإسلامي سليمان شنين رئيساً جديداً له، هي خطوة تحمل تنازل الأغلبية البرلمانية للحزب الحاكم وأحزاب أخرى للشارع وتحت ضغط الشارع، وتعطي طمأنة للحراك الشعبي أنه يحقق مكاسب وتمهيد الطريق للتوافق.
فقد تنازلت أحزاب السلطة على غرار حزب “جبهة التحرير الوطني” الحاكم (160 مقعداً) و”التجمع الوطني الديمقراطي” الذي يرأسه الوزير الأول السابق أحمد أويحيى (100 مقعد)، لأول مرة منذ تأسيس البرلمان سنة 1997، على رئاسة المجلس، رغم حيازتهما على الأغلبية المطلقة (260 مقعداً).
أن إخوان الجزائر مثلهم مثل باقي قوى الثورة والموجة الثانية للثورة في الجزائر والسودان تعلموا من أخطاء الموجة الأولى للربيع العربي، والدليل على هذا أن رئيس المجلس الجديد الإسلامي يطالب برحيل كل رموز نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة وتحقيق مطالب الثورة.
أن جزءاً من القوى السياسية المعارضة يرى أنه من الأفضل التفاوض مع الجيش، وتثمين وقوفه مع الثورة ضد بوتفليقة وأنصاره، مع الحذر والتعلم من تجارب الربيع العربي السابقة الفاشلة التي انتهت باستيلاء العسكر على السلطة، لهذا جرى التوافق على مرشح إسلامي قوي بدل المرشحين المتنازع عليهم لرئاسة البرلمان، وانتزاع مكسب للثورة.
سواء كان انتخاب نائب من التيار الإسلامي رئيساً للبرلمان، صفقة مع الجيش -كما روج البعض- أو كان اتفاقاً سياسياً بين الأحزاب السياسية وخطوة لتحقيق مكسب للثورة؛ فهي خطوة تهيئ الأجواء وتبرد الشارع الغاضب نسبياً، وصولاً لمرحلة “الحوار الشامل”، الذي دعا إليه الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح في كلمته الأخيرة بمناسبة عيد الاستقلال.
من هو شنين؟
ينحدر رئيس البرلمان الجزائري الجديد التابع لحزب البناء، سليمان شنين (54 سنة)، من محافظة ورقلة (جنوب)، وهو أحد أبرز القيادات الإسلامية المحسوبة على تيار الإخوان المسلمين في البلاد.
ويملك شنين مساراً مزج بين النضال السياسي والعمل الإعلامي منذ تسعينيات القرن الماضي، ودخل البرلمان عقب انتخابات مايو 2017، ضمن قائمة مشتركة لثلاثة أحزاب إسلامية بالعاصمة، وهي “جبهة العدالة والتنمية” و”حركة البناء” و”حركة النهضة”.
وأصبح شنين رئيساً لهذا التكتل النيابي في البرلمان، كما أنه قيادي في حركة البناء الوطني، ورئيس المجلس السياسي لها.
وإلى جانب نشاطه السياسي، يدير شنين صحيفة محلية يومية تحمل اسم “الرائد”، كما يملك مركز دراسات بالاسم نفسه، وهو عضو في رابطة “برلمانيون من أجل القدس”.
وبدأ مسار شنين السياسي منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، داخل حركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي حالياً)، وكان ضمن شباب الحزب المقربين من مؤسسها الراحل محفوظ نحناح، إذ كان يشتغل داخل ديوانه، وكان ضمن القياديين الذين انسحبوا من الحزب عام 2008، احتجاجاً على فوز الرئيس السابق أبو جرة سلطاني، بولاية ثانية.
وقبل أشهر، ظهر مشروع لتوحيد الحركتين (مجتمع السلم، والبناء الوطني) واندماجهما لكنه تعثر لأسباب مجهولة، رغم أن قيادات الحركتين تعلن باستمرار تمسكها به.
وكان شنين من السياسيين الذين نزلوا الشارع مع أولى مسيرات الحراك المطالبة برحيل الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.