تتجه الأنظار، اليوم الأحد، إلى تونس حيث تجري الجولة الثّانية من الانتخابات الرئاسية المبكرة، بين المستقل قيس سعيّد (61 عاماً)، ومرشح “حزب قلب تونس” نبيل القروي (56 عاماً).
الانتخابات الرئاسية في دورها الأول، 15 سبتمبر الماضي، أفرزت تأهل سعيد أستاذ القانون الدستوري الحاصل على 18.4% من الأصوات، والقروي رجل الأعمال المعروف بنسبة 15.58%.
وكان من المقرر أن تجرى الانتخابات الرئاسية في دورتها الأولى في 17 نوفمبر، إلا أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات قدمت موعدها إلى 15 سبتمبر، إثر وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي في 25 يوليو الماضي وتسلم رئيس البرلمان منصب الرئاسة بشكل مؤقت.
وينص الدستور التونسي في بنديه (84) و(85) على أنه في حالة الشغور النهائي لمنصب الرئيس لأسباب منها الوفاة أو العجز التّام، فإن رئيس مجلس نواب الشعب (البرلمان) يتولى فوراً مهام رئيس الجمهورية بصفة مؤقتة لأجل أدناه خمسة وأربعون يوماً وأقصاه تسعون يوماً تجرى خلالها انتخابات رئاسية مبكرة.
عملية التصويت في الجولة الثانية للرئاسيات كانت قد انطلقت الجمعة بالخارج، وتتواصل إلى اليوم الأحد، موعد تصويت التونسيين بالداخل.
وفي 3 أكتوبر الجاري، انطلقت الحملة الانتخابية للرئاسية في جولتها الثانية وامتدت حتى منتصف ليل الجمعة، لتبدأ بعدها مرحلة الصمت الانتخابي حتى إغلاق آخر مكتب اقتراع في تونس مع مغيب شمس الأحد، وتحديداً في تمام الساعة 18:00 بالتوقيت المحلي (17:00 ت.ج).
وخصصت هيئة الانتخابات 4564 مركز اقتراع تضم 13 ألف مكتب تصويت داخل البلاد، فيما تم فتح 304 مراكز اقتراع في الخارج، تضم 384 مكتب تصويت في 46 دولة.
ويقدر عدد الناخبين المسجلين بالداخل والخارج بـ7 ملايين و81 ألفًا و307 ناخبين، حسب الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
ولتأمين هذا الحدث الذّي يشد أنظار العالم خصصت وزارة الداخلية التونسية 70 ألف عنصر أمني، منهم حوالي 50 ألف عنصر مكلف بتأمين كافة المقرات والمواقع ذات الصلة بالانتخابات، وحماية المرشحين، عبر مرافقتهم وتأمين تنقلاّتهم وأنشطتهم.
كما نشر الجيش أكثر من 53 ألف جندي على كامل تراب الجمهورية لتأمين العملية الانتخابيّة.
ويراقب الانتخابات أكثر من 4500 ملاحظ ينتمون إلى عدد من المنظمات وجمعيات المجتمع المدني المحلية، حصلوا على بطاقات الاعتماد من هيئة الانتخابات، إضافة إلى 300 ملاحظ أجنبي.
وتعد هذه الانتخابات الرئاسية الحادية عشر في البلاد، منذ استقلالها عن فرنسا في عام 1956، مروراً بعهدي الرئيسين الأسبق الحبيب بورقيبة (حكم من 1957 – 1987)، والمخلوع زين العابدين بن علي (1987 – 2011)، وصولاً إلى فترة ما بعد الثورة (2011 – 2019).
ورئاسيات 2019 هي ثاني انتخابات رئاسية بعد الثورة التي أطاحت ببن علي في يناير 2011.
ماراثون رئاسي
المنافسة على دخول قصر قرطاج ستكون على أشدها بين مرشح حاصل على الدراسات المعمقة في القانون الدولي العام من كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس، وعلى دبلوم الأكاديمية الدولية للقانون الدستوري، ودبلوم المعهد الدولي للقانون الإنساني في “سان ريمو” الإيطالية، وبين آخر برز اسمه مطلع الألفية الثانية بإطلاقه مجموعة “قروي أند قروي” للإعلام والإشهار (إعلانات)، وقناة “نسمة” في عام 2007، التي وجهت برامجها حينها إلى جماهير المغرب العربي الكبير (تونس والجزائر وليبيا والمغرب وموريتانيا).
لكن اسم القروي اقترن مؤخراً بشبهات فساد مالي، وهو الذّي غادر محبسه الأربعاء الماضي، 4 أيام قبل الاقتراع الرئاسي وذلك بعد شهر ونصف شهر من إيقافه على خلفية قضايا فساد.
في المقابل، يقول متابعون للشأن التونسي: إن المرشح قيس سعيد هو شخصية ليس من السهل فهمها أو تحديد توجهها السياسي، انتخبته فئة مهمة من الشباب لمعاقبة “النظام القائم”.
ويحظى سعيد اليوم بدعم أحزاب وشخصيات سياسية عديدة منها حركة النهضة (إسلامية)، والتيار الديمقراطي الاجتماعي، وائتلاف الكرامة (يعرف نفسه أنه ائتلاف ثوري غير أيديولوجي)، وحزب الوطنيين الدّيمقراطيين “الوطد” (يسار)، وحركة الشعب (قومي) وغيرها، أعلن في مناسبات سابقة أنه لا ينتمي لأي حزب سياسي وأنه “مستقل”.
ويرى مراقبون أنّ التصويت لسعيد كان مفاجأة الانتخابات الرئاسية في دورها الأول، لافتين إلى أن الشباب أراد بذلك توجيه رسائل مفادها أن النظام القائم حالياً لم يستجب لمطالب “ثورة الشباب” في تحقيق نمو اقتصادي والقضاء على نسب البطالة المُرتفعة.
وتعيش البلاد في السنوات التي تلت ثورة 2011 أوضاعاً اقتصادية متأزمة تتزايد يوماً بعد آخر، مع نسبة نمو لم تتجاوز 1.2% في الربع الثاني من العام الحالي، ونسبة بطالة مرتفعة تتجاوز 15%، ومعدل تضخم بلغ مستويات قياسية (وصل في أغسطس الماضي 6.7%)، وكذلك تراجع الاحتياطي من العملة الصعبة والتدهور الكبير لقيمة الدينار التونسي أمام العملتين الأمريكية والأوروبية.
برامج وتعهدات
وخلال مناظرة تلفزيونية جمعتهما، مساء الجمعة، قدم المرشحان الرئاسيان برامجهما الانتخابية والمتعلقة أساساً بالأمن القومي والسياسة الخارجية والمبادرات التشريعية.
القروي تعهد في برنامجه الذي عرضه خلال المناظرة بمحاربة الفقر ومضاعفة رواتب الأمنيين وأنه مع “قانون يجرم التطبيع مع الكيان الصهيوني”.
وفيما يتعلق برؤيته لحل الأزمة الليبية، أكد القروي ضرورة أن تتحلى تونس بالجرأة للتدخل مع بقية الدول على أن يكون الحل ليبياً ليبياً دون الخروج من تحت غطاء القوى العظمى.
من جانبه، سيحرص سعيد على تطبيق القانون على الجميع دون أي تمييز، وفق قوله.
كما ذكر سعيد بمقترح قدمه منذ عام 2014 حول إحداث مؤسسة عمومية اسمها “فداء” مختصة بشهداء وجرحى المؤسستين الأمنية والعسكرية لرعايتهم وعائلاتهم.
وعن التطبيع مع “إسرائيل”، قال سعيد خلال المناظرة: نحن نتعامل مع اليهود ولن نتعامل مع إسرائيليين وأرفض دخولهم إلى تونس.
صلاحيات الرئيس
ومن بين صلاحيات رئيس الجمهورية وفق الدّستور التونسي، تمثيل الدولة وضبط السياسات العامة في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي المتعلق بحماية الدولة والتراب الوطني من التهديدات الداخلية والخارجية وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة.
كما يتولى الرئيس حل مجلس نواب الشعب في حالات ينص عليها الدستور إضافة إلى ترؤسه مجلس الأمن القومي والقيادة العليا للقوات المسلحة.
ويتولى الرئيس أيضاً وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، إعلان الحرب وإبرام السلم بعد موافقة البرلمان والمصادقة على المعاهدات والإذن بنشرها.