وعلى متن دراجة هوائية مُزيّنة تحمل صندوقا مليئا بالقصص وقرطاسية تضم أقلاما وأورقا، أكمل فياض جولته في أحد الأزقة الضيقة بمخيم دير البلح للاجئين الفلسطينيين، وسط قطاع غزة، بحثا عن أطفال آخرين، يتوقون لاستغلال أوقات فراغهم بالقراءة.
ويقفز الأطفال إلى أبواب منازلهم وعلامات الفرح ترتسم على وجوههم لاستلام القرطاسية والقصص، بينما يصرخ بعضهم من نوافذ البيوت المتلاصقة، على فياض ليجعل لهم حصّة من القصص في المرة المقبلة.
هذه القصص، الذي يقدّمها فياض للأطفال، تأتي ضمن مبادرة تطوعية أطلقتها مكتبة “البرامج النسائية” بمخيم دير البلح، بنظام “الإعارة”، حيث يتاح للأطفال فترة 3 أيام لاستكمال قراءة القصص والروايات التي يحصلون عليها ومن ثم إعادتها للمكتبة.
ويعمل في هذه المبادرة التي تحمل اسم “بسكليت (دراجة هوائية) ولنا حياة”، خمسة شبان متطوعين، من بينهم فياض، ضمن فريق أطلق عليه اسم “أصدقاء المكتبة”.
**فكرة المبادرة
جاءت فكرة المبادرة بعد أن خلت مكتبة “البرامج النسائية” من الزوار، عقب حالة الإغلاق التي فرضتها الجهات الحكومية المختصة على الكثير من المرافق العامة في قطاع غزة، بداية مارس/ آذار الماضي، ضمن تدابير منع تفشي فيروس كورونا.
وقال فياض، لوكالة الأناضول، إن الأطفال وعائلاتهم تخوفوا من فكرة وجود الفيروس بغزة، فامتنعوا تلقائيا عن التوجه للمكتبة.
ومع مرور الوقت، كسا الغبار قصص وروايات الأطفال، في مشهد يصفه فياض بـ”الحزين”.
هذا المشهد شكّل دافعا لدى فريق “أصدقاء المكتبة”، لإعادة الحياة للقصص من خلال تحويل دراجة هوائية إلى مكتبة تنقل الكتب للأطفال، وتفتح لهم مجال استعارتها.
وبدأ الفريق بتنفيذ الفكرة في 11 أبريل/ نيسان الجاري، حيث من المقرر أن يواصل جهوده في توزيع الكتب حتّى مرور الأزمة الحالية.
**إجراءات الوقاية
وقبل تسليم القصص يعمل المشاركون في المبادرة على تعقيمها من أجل الحفاظ على سلامة الأطفال وعائلاتهم، وحرصا على عدم انتقال فيروس كورونا إليهم.
كما يحافظ أعضاء الفريق على المسافة الآمنة التي تفصل بينهم وبين الأطفال الذين يستلمون تلك القصص.
وقال فياض: “بعد مرور 3 أيام على استعارة الكتب يتم جمعها وإعادة تعقيمها لتسليمها لمجموعة أخرى من الأطفال”.
وبيّن أن عددا كبيرا من الأطفال يتواصلون مع إدارة المكتبة عبر صفحتها في موقع “فيسبوك”، لطلب قصص وروايات معينة، من أجل إيصالها للمنازل.
وتعاني المكتبة من ضعف في الإمكانيات، كما غالبية المؤسسات التي تقع في المخيم، على حدّ قول فياض.
وأشار إلى أن الطلبات التي تصلهم من أجل توفير الكتب للأطفال تفوق طاقة المكتبة، الأمر الذي شكّل ضغطا كبيرا عليها.
**دعم نفسي
أوضح فياض أن هذه المبادرة تشكّل نوعا من الدعم النفسي للأطفال حيث يتاح لهم المجال للتعبير عن ذواتهم سواء في القراءة أو الكتابة أو الأشغال اليدوية.
وقال إن الأطفال في المخيم باتوا يتنافسون في قراءة القصص حيث “يحزن بعضهم بشكل شديد في حال لم نتمكن من توفير الكتب لهم”.
وبيّن أن هذه المبادرة تساهم أيضا في زيادة الترابط بين أفراد الأسرة الواحدة، حيث يتشارك الأخوة في قراءة القصص وتحليلها.
كما يتاح المجال لمشاركة الوالدين في قراءة القصص لأطفالهم ومناقشتها معهم.
ومنذ بداية مارس/ آذار الماضي، اتخذت الجهات الحكومية المختصة سلسلة من الإجراءات الوقائية في غزة، لمنع تفشي فيروس كورونا المستجد.
لكن تلك الإجراءات لم تصل إلى إعلان حالة الطوارئ بالقطاع، أو فرض حظر التجول، فيما تم إغلاق المؤسسات التعليمية، والمرافق الاقتصادية ذات العلاقة بالسياحة والفنادق والمطاعم، إلى جانب وقف الصلاة بالمساجد.