حينما أقول ملاحظة أو ملاحظات في ثقافتنا العفوية أو ثقافتنا إلى أين؟ أعني بها ثقافة الشارع المسلم، وبشكل الخصوص العربي، وهي بالفعل -الثقافة- عند العرب والعروبيين أكثر توغلاً بالاعوجاج وبتقصد ذميم، أو بالأحرى لتزيد ثقافة الشارع العربي غبشاً وسواداً وعدم وضوح، أو بأكثر صراحة لازدياد غبشه لتغوص الكتل والأفراد إيغالاً بالاعوجاج والابتعاد به عن المهم والأهم، وكل ما يستحق الأولوية ثقافيا!
وحينما أقول ثقافة عفوية أعني الثقافة التي يجب أن تكون لها الأولوية على عموم الشارع المسلم وهي الأهم، ومن الأصل أن تكون هي الأصل ثقافياً شعبياً، ولا شك حينها تكون هي من يحافظ على الأمة في حال وجود الأزمات، فهي صمام الأمان، ومن ثم لا يستطيع المخربون استغلال الأزمات، ومن ثَمَّ عمل التداعيات والظلال السلبية أكثر، وذلك لوجود الثقافة العفوية الأهم التي لها الأولوية، هذا ما أعنيه بالعفوية أي الأهم، التي لها الأولوية عند عموم الناس ككتل وجماعات وأفراد يعيشون على أرض تتكامل فيها عناصر الدولة لتكون تلك الثقافة العفوية سنداً للدول في كل الأحوال.
تقرأ لكتّاب عرب، وتعجب من كتاباتهم التي تركز على كل ما هو سلبي في العالم العربي، وذلك بقصد التصحيح لا شك، أو بالأحرى هذا ما ينبغي مني كقارئ أن أحسن الظن في الكاتب أصلاً، وأنه ما كتب إلا من أجل التصحيح، وتلمس مواقع الخطأ لعدم تكراره مستقبلاً، ولكن حينما تعمل مداخلة أو تعليقاً على من كتب فيه مدحاً كشخصية هو يمجدها، أو نظاماً يميل إليه سرعان ما تجده يتحدث معك بتعال وفوقية غريبة وكأن الأمجاد طويت بين جوانحه، والنور تمركز في عقله، والحق في تاريخه ولا سواه، وأنت الظلام الدامس الخؤون، المتخاذل مع الباطل نكاية بالحق والحقيقة التي لم ولن تفارق وجدانه وعقله وجوانحه، وغيره لا يمكن أن يقول الحقيقة أو الصواب!
نعم أيها القارئ الكريم، وحينها تجد نفسك موصوفاً بأوصاف عجيبة غريبة بشكل أو بآخر، ضمناً أو تعريضاً، وبدون أي تردد، وبتعالٍ وفوقية بصفته من دول كانت وقامت منها وفيها حضارات، قائلاً بشكل أو بآخر: فمن أنت أيها الأعرابي السطحي ابن الجزيرة الصحراوية لتضع رأسك برأس إنسان مثقف من دولة حضارتها أكثر من 2000 أو 3000 أو 7000 سنة أو مليون سنة!
رحمك الله يا والدي، كان يقول كلاماً يوزن بالذهب محرضاً وحاثاً على التواضع فيقول: “لا تكن متعالياً؛ فالقصير يصل إليك بالتشلبي، وتصل إليه بعدم التواضع بالسقوط كالرطب البالي!”.
وهناك عبارات حينما تمعن النظر فيها وبتكرارها من كتّاب في العالم العربي رغم صدورها من مصادر بعدت بينها المسافات، الزمنية والقياسية، مسافات بعيدة بين هذا القطر وذاك القطر، إلا أنها تتردد بنفس المعنى، وبنفس المقصد، حينها تعلم أن هناك تكريساً شبه متعمد، وصناعة مقصودة لهذا التعالي الجاهلي الهابط، وهذه الثقافة المزيفة التي تم تعميمها على العالم العربي بشكل أو بآخر، وهذا التقصد في تكريس ذلك أراه محوراً رئيساً من محاور هبوط وتخلف الأمة –التعالي- وهناك عبارات تدعي أو بالأحرى تُفهم أو يحاول يعلمك كاتبها أنه الوطني الذي لا يجاريه وطني بوطنيته حينما تنتقد أرضه، سرعان ما يأتيك بالعبارات التي أقولها وبكل ثقة أنها تعمدت جهات معينة نشرها وغرسها في ثقافة الأمة باسم الثقافة من أجل ضياعها وتخلفها.
نعم حينما تنتقد أرضه مثلاً أو بعض تصرفات نظامه أو الحضارة التي تنتمي لها بلده سرعان ما تسمع منهم العبارات المبرمجة: “أنت مال أهلك”، أو “شو دخلك”، أو “أنت لقمة في عشانا”، وإذا تحدثنا عن طرف آخر قفز ذاك الطرف الأفريقي يحدثك متفاخراً بقوله: “ما هي بلادك ووزنها أمام بلد المليون شهيد؟!” -نعم مليون رجل شهم رفضوا الذل ونحسبهم عند الله من الشهداء- أو يأتي آخر ويقول لك مثلاً وبكل غباء: “نحن لا ننتظر من يعلمنا الرجولة فنحن نولد رجالاً”! كيف لا ندري؟! وآخر بكل قلة عقل وبكل حمق وسفاهة يقول لك: “نحن نولد أذكياء”.
كل هذه الجوقة الغريبة حقيقة، التي بلعت الطعم الثقافي الغبِش بسبب قلة الذكاء وسطحية ثقافية، جميعهم في النهاية من دول “سايكس بيكو” التي جميعهم يطعنون فيها كمعاهدة أو اتفاقية بأنها اتفاقية لم تكن لصالح الإسلام والمسلمين ولا شك هي كذلك، ولكن “سايكس بيكوّتهم” يبدو تختلف عن “سايكس بيكوّتنا”!
سبحان الله، حمق واعوجاج غريب ما بعده اعوجاج! وبُعد عن الذكاء ما بعده ابتعاد، وبما أنها كذلك فأقول: إذا استطاع صانعها -سايكس بيكو- أن يصل من خلال قادة ومقودين دون المستوى، وكل منهم يتعالى على الآخر بفتات صنعه العدو ووضعه على حذائه لمن يلعقه أولاً إلا من رحم الله تعالى!
____________________
(*) إعلامي كويتي.