– دخول التكنوقراط والخبراء على الخطّ ساهم في الأزمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في البلاد
– عمار: لديَّ إحساس بأن حكومة المشيشي جاهزة في قرطاج
– التجربة أثبتت أنه لا توجد كفاءات مستقلة فكثير منهم أعلنوا ولاءهم لأحزاب عندما حان وقت كشف الأقنعة
– كثيرون يعتقدون أن الساحة السياسية مقدمة على فرز جديد قد يعيد الوئام بين أنصار الثورة
نشر المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية، التابع للرئاسة في تونس، دراسة تم إعدادها في أغسطس 2019، حول “منظومة الدعم في تونس”، انتقد فيها دور التكنوقراط في تغذية الأزمة الاقتصادية والاجتماعية بتونس، والتعجيل بالصدمات في البلاد، وذلك في ظل تواصل الجدل حول حكومة التكنوقراط التي يرفضها المحسوبون على الثورة، ويؤيدها أنصار النظام “القديم” باستثناء حزب “قلب تونس” الذي رفضها.
جناية التكنوقراط
وأكّدت الدراسة أن دخول التكنوقراط والخبراء على الخطّ ساهم في الأزمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في البلاد؛ حيث ساهم المشهد الإعلامي في مزيد إرباك الأوضاع من خلال بثّ رسائل تغذّي اليأس لدى الناس، وانعدام الثقة في الدولة وفي النخب السياسية التي انخرطت في المزايدات والتشكيك والتخوين.
وقالت الدراسة: إنّ هذا المشهد ساهم في بروز فكرة حاجة البلاد إلى التكنوقراط والخبراء الذين زادوا الأوضاع تعفّناً والأزمة عمقاً ليغرقوا البلاد في حلول مستهجنة زادت في عمق وتأزيم الأوضاع.
واستشهدت الدراسة بمقولة الفيلسوف الكندي آلان دونو الذي قال: “يوم جاء التكنوقراط إلى الحكم -ويشير إلى المثال البريطاني- استبدلوا مفهوم “الحكومة” بالسياسة، واستبدلوا مفهوم “المقبولية المجتمعية” بالإرادة الشعبية، ومقولة “الشريك” بالمواطن، وفي النهاية صار الشأن العام تقنية “إدارة”، ليس منظومة قيم ومثل ومبادئ ومفاهيم عليا، وصارت الدولة مجرّد شركة خاصة، وصارت المصلحة العامة مفهوماً مغلوطاً لمجموع المصالح الخاصة للأفراد، وصار السياسي تلك الصورة السخيفة لمجرد النشاط اللوبي لمصلحة زمرته.
الحكومة جاهزة في قرطاج
لا يخفي النائب عن حزب “قلب تونس” عياض اللومي والنّائب عن التّيار الديمقراطي محمد عمار وغيرهم اعتقادهم بأن أسماء الوزراء في حكومة التكنوقراط موجودة في قصر قرطاج الرئاسي، وأن ما يجري مجرد نشاط في الفراغ، وقال عمار: إن إنقاذ تونس في الفترة المقبلة يكون عبر تشكيل حكومة سياسية، وأضاف: لديَّ إحساس بأن حكومة هشام المشيشي جاهزة في قرطاج.
ويأتي تصريح محمد عمار بخصوص حكومة المشيشي بعد أن أعلن التيار رفضه تشكيل حكومة كفاءات، متمسّكاً بضرورة تشكيل حكومة سياسية تواصل العمل التي بدأته حكومة الفخفاخ خاصة في خصوص محاربة الفساد.
ويبدو أن التيار يتجه لرفض اختيارات رئيس الجمهورية في خصوص الحكومة الجديدة بعد أن ساند اختيارات سعيّد في علاقة بحكومة الفخفاخ، بل أن تصريح عمار يظهر مدى قلق حزبه من إمكانية تشكيل الحكومة من الرئيس ومستشاريه في القصر رغم المشاورات التي يقودها المشيشي مع الأحزاب والكتل.
وكان القيادي في حزب التيار الديمقراطي ورئيس الكتلة الديمقراطية في البرلمان هشام العجبوني، قد ذكر بأن التيار أعلم رئيس الحكومة المكلف هشام المشيشي في لقاء سابق بأنهم مع تشكيل حكومة تتكون من أحزاب سياسية وتكنوقراط.
وأفاد هشام العجبوني، في تصريح إذاعي، بأنهم أعلموا المشيشي أن حكومة التكنوقراط غير قادرة على مجابهة المصاعب التي ستواجهها تونس في الفترة المقبلة، وأن التيار تفاجأ بقرار تشكيل حكومة كفاءات مستقلة، مبرزاً أنهم كانوا يعتقدون أن المشيشي سيمدهم بتصوراته وهو موقف حزب حركة النهضة وائتلاف الكرامة، وحزب قلب تونس.
وقد عبّر رئيس كتلة ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف عن ذلك عقب لقائه والوفد المرافق له في الاجتماع الذي تم مع رئيس الحكومة المكلف هشام المشيشي، حيث أكد للمشيشي أن الكتلة لا تؤمن بحكومة التكنوقراط، وأن المواطنين انتخبوا أحزاباً من أجل الحكم، وليس شيئاً آخر.
بقايا النظام القديم
بقايا النظام القديم باستثناء حزب “قلب تونس” الذي يعتبر نفسه في خصومة معهم بسبب اصطفافهم إلى جانب شخصيات أخرى في الانتخابات الرئاسية مجمعة تقريباً على تأييد حكومة التكنوقراط بحكم أن عناصرهم مبثوثة داخل الدولة حتى اليوم، ومعظم التكنوقراط عملوا مع النظام السابق وشاركوه غنائمه، فقد أعلن رئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد، أمس الأربعاء، عقب لقائه برئيس الحكومة المكلف هشام المشيشي، دعمه لحكومته سواء كانت حكومته حزبية أو غير حزبية، مشيراً إلى أن دعم الحكومة لا يرتبط بالمشاركة فيها، بل بارتكازها حقيقة على كفاءات مستقلّة.
كذبة كبرى
وقد أثبتت التجربة في تونس أنه لا توجد كفاءات مستقلة في البلاد، فكثير من الكفاءات “المستقلة” أعلنت ولاءها لأحزاب عندما حان وقت كشف الأقنعة، ويتناقل رواد مواقع التواصل الاجتماعي تصريحاً للرئيس التونسي قيس سعيّد، في 27 يوليو 2019، يؤكد فيه أن حكومات التكنوقراط “كذبة كبرى” وعلق بعضهم قائلاً: كيف لكذبة كبرى في عام 2019 أن تصبح الترياق في عام 2020؟
ومن أسباب دعم بقايا النظام السابق لحكومة تكنوقراط خوفهم من انتخابات جديدة، وهو ما أشار إليه الشاهد في تصريحه، حيث ذكر بأنه ليس في مصلحة تونس إجراء انتخابات سابقة لأوانها، وإنما يجب تصويب الاهتمامات نحو المشكلات الحقيقية للبلاد من بطالة وغلاء المعيشة وغيرها من اهتمامات المواطن التونسي، حسب تعبيره.
وغالباً ما تغلف بعض الجهات مصالحها بعباء المصلحة الوطنية، وفي هذا الإطار، رحّب رئيس كتلة الإصلاح بالبرلمان حسونة الناصفي بالتمشي الذي أعلنه المكلف بتشكيل الحكومة بخصوص حكومة كفاءات مستقلة، معتبراً أن هيكلة الحكومة وفق أقطاب وزارية أمر مهم.
وأشار الناصفي إلى أن سيناريو عدم منح الثقة للحكومة وسيناريو إعادة الانتخابات أمر مطروح دستورياً، لكن لا أحد يدعو إليه اليوم، على حد تعبيره.
من جهته، أكدت رئيسة الحزب الدستوري الحر (الشق الفاشي في بقايا النظام السابق) عبير موسي، أمس الأربعاء، تفاعلهم إيجابياً مع إعلان المكلف بتشكيل الحكومة هشام المشيشي تكوين حكومة كفاءات مستقلة تماماً.
وأشارت موسي إلى أن الكتلة قدمت مقترحاتها حول هيكلة الحكومة أساسها تشكيل أقطاب وزارية تجمع مجموعة من الوزارات حول مواضيع معينة ذات نجاعة وتحد من البيروقراطية، وأن تصويت الكتلة لفائدة حكومة المشيشي هو رهين وجود كفاءات مستقلة تماماً فعلياً.
فرز جديد
ويعتقد كثيرون أن الساحة السياسية مقدمة على فرز جديد قد يعيد الوئام بين أنصار الثورة، ويعتقد كثيرون كذلك أن محاولة سحب الثقة من الغنوشي كان من أهدافه دق إسفين بين أنصار الثورة وإلى الأبد، لتمرير حكومة تكنوقراط، عندما ساند بعضهم لائحة سحب الثقة.