نعم، هي اللغة التي نزّل بها القرآن الكريم، وهي اللغة التي تعلمنا في بيوتنا قبل مدارسنا أنّها لغتنا الأصلية نحن العرب وأنّها جوهر هويتنا وثقافتنا، حيث لا يخفى على أحد أنّ اللغة السائدة في مجتمع ما هي الأصل في تحديد هوية ذلك المجتمع وثقافته، فاللغة هي الوسيلة الأسرع في نقل الثقافات ما بين دول العالم، ولكن رغم أنّ تعلّم لغات العالم أمر محبب، فإن سوء الأمر يكون عندما يطغى شغف تعلّم تلك اللغات على حساب لغتك الأم (اللغة العربية) التي هي أول صفة وأهم خاصية تميّز تلك الأمة الواحدة من المحيط إلى الخليج أنّها ما تغنّى بها الشعراء في “بلاد العرب أوطاني”.
ورغم جمال الصور الشعرية وتغزّل الشعراء بتلك اللغة، ورغم أهميتها في الدين والثقافة والتراث، فإنّ صلابة تلك اللغة تبدأ بالذوبان أمام بعض المشاهد المؤلمة في بعض البلدان والدول العربية حيث ما أن تدخل المجمعات والأسواق التجارية وحتى داخل البيوت لتكتشف الكثير من الأنماط السلوكية السلبية المتبّعة في العلاقات وأنماط التواصل ما بين الآباء والأبناء (العرب)، وأهمها اللغة، فقد أصبح من الطبيعي أن تسمع تبادل الكلمات باللغة الإنجليزية ما بين الأب” العربي” وأبنائه “العرب”، وظهور نمط الحوار الذي تكون السيادة فيه للغة الإنجليزية بين الأم “العربية” وأبنائها “العرب”، والغرابة في كل هذا أنّ تلك اللغة تستخدم في بيئة “عربية” لا تحتاج بذل جهد في استخدام لغة بديلة، فنصيحتي لكم يا من تربيتم واستؤمنتم على رسالة “لغة الضاد” ترفقوا بها!
إنّ انتشار المدارس الأجنبية في العالم العربي هي مسار طبيعي للتحضّر والتطور المنشود، حيث إنّ إحساس بعض الآباء بأنّ تلك المدارس ذات الصبغة الأجنبية تتفوق على المدارس ذات اللسان العربي بمراحل كثيرة أدّى إلى زيادة في عدد الطلبة داخل تلك المدارس الأجنبية في بعض المدن العربية، إلّا أنّ هذه المدارس لا تعطي الطلبة ما يكفي من حصص التربية الإسلامية واللغة العربية؛ الأمر الذي وسّع الهوة بينهم وبين لغتهم الأم، فأصبحت تلك اللغة الأجنبية تتبع الطالب خارج الأسوار المدرسية لتدخل بيته وحياته، ويكرّس الآباء ذلك لتتحول إلى اللغة السائدة داخل بيئة “الأسرة العربية”؛ مما ينذر باضمحلال للهوية العربية في عقول وشخصيات جيل المستقبل، وهنا يكمن الخطر!
إنّ التهديد الكبير على الطفل العربي يتمثل في الاقتراض غير الإرادي لمفردات أجنبية مكتوبة ومنطوقة في المحيطين العام والخاص، كما يكمن “الغزو النفسي” للإنجليزية ليس في اللهفة على تعلُّمِها، وإنّما في الإقبال الشديد عليها من شرائح مختلفة بدافع التباهي بمعرفتها على أساس أنها لغة الجنس الأرقى، في مقابل الانتقاص من اللغة الأصلية والشعور حيالها بالدونية والتخلّف، ناهيك عن الاستخدام اللامتناهي للغة الإنجليزية في العالم الافتراضي حتى أصبحت لغة “السوشيال ميديا” المعتمدة، التي كانت تسمى بمواقع التواصل الاجتماعي قديماً!
إذن، ما هو المطلوب اليوم من الوالدين؟ إنّ واجب ومهمة الأسرة كبيرة جداً، فاليوم المطلوب أن يتولى الآباء مهمتهم وواجبهم الحقيقي برعاية الأبناء وتربيتهم بمساعدة أبنائهم في إدراك أهمية اللغة العربية وضرورة الاعتزاز بها، وأنْ تدرك الأسرة العربية بأنّه لا بد أن تكون اللغة العربية هي اللغة المنطوقة الوحيدة ما بين أعضاء الأسرة العربية الواحدة، وهي أساس أيّ حوار، فخارج أسوار المدارس حاوروا أبناءكم باللغة العربية، فأنتم ما زلتم تعيشون في مجتمع يطلق عليه اسم المجتمع العربي، وما زالت مناهجنا الرسمية تكتب باللغة العربية؛ فلنكن فخورين بعروبتنا.
ويكفينا فخراّ قول الله تعالى في الآية الثانية من سورة يوسف: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)، صدق الله العظيم.
_____________________________
abdelfttahnaji@yahoo.com