اقتصاد تونس يشهد حالة من الانكماش بلغت نحو 21.6% في الربع الثاني من العام 2020
5.5 مليار دولار أميركي حجم الاقتراض السنوي
مجمل الدين بلغ 29.14 مليار دولار بنهاية السنة الجارية
الشكندالي: أبرز تحدي أمام حكومة المشيشي يتمثل في نسبة المديونية العالية
نالت حكومة هشام المشيشي ثقة البرلمان التونسي في مطلع الشهر الجاري بعد العديد من المناورات السياسية بين السلطة التنفيذية والتشريعية وبين الأحزاب وبعضها البعض، في وقت يعاني فيه الاقتصاد التونسي من تراجع كبير مما أدى إلى مزيد من الصعوبات الاجتماعية، مما يصعب من مهمة الحكومة المكلفة حديثا.
وتعهد المشيشي في كلمته أمام النواب بـ “التعامل البناء مع جميع الأطياف والأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية، إيمانا بالدور الوطني لكل هذه القوى الحية في خدمة البلاد وتحقيق مطالب الشعب”.
وقدم أولويات عمل حكومته، ومن بينها إيقاف نزيف المالية العمومية وإصلاح القطاع العمومي واستعادة الثقة ودعم الاستثمار والمحافظة على القدرة الشرائية للمواطن وحماية الفئات الهشة.
كما تضمنت أولوياته، ينوي المشيشي بدء حوار مع المانحين الدوليين ضمن خططه لتعبئة الموارد المالية لدعم موازنة الدولة، إلى جانب مراجعة الإنفاق العام للدولة، ودعم المؤسسات المتضررة من جائحة كورونا، وإصلاح الإدارة وتعزيز نظام العمل عن بعد.
ويشهد الاقتصاد التونسي حالة من الانكماش بلغت نحو 21.6% في الربع الثاني من العام 2020 على أساس سنوي بسبب أزمة فيروس كورونا، كما ارتفعت نسبة البطالة لتصل إلى 18% في نفس الفترة، ويعد هذا هو أكبر تراجع للاقتصاد التونسي خلال 23 عاما.
وتواجه تونس صعوبات اقتصادية وأخرى مؤسساتية مرتبطة بشركات حكومية أو مساهمة بها، تتكبد خسائر دورية، إلى جانب نزيف نقد أجنبي ناتج عن فاتورة الواردات.
التحديات الاقتصادية
وتحدث المشيشي أمام البرلمان عن أن الأرقام والمؤشرات لا تبعث على الاطمئنان، وبينها حجم الاقتراض السنوي البالغ حوالي 15 مليار دينار تونسي (5.5 مليار دولار أميركي) وبلوغ مجمل الدين 80 مليار دينار (29.14 مليار دولار) بنهاية السنة الجارية.
وأوضح أنه “من المتوقع أن تبلغ خدمة الدين العمومي في 2021 أكثر من 14 مليار دينار، وهو ضعف النفقات المخصصة للتنمية ما يعني تخلي الدولة عن دورها الأساسي في هذا المجال”.
ويرى الخبير الاقتصادي، محمد جبنون، خلال حديثه لـ”المجتمع”، أن حكومة هشام المشيشي تواجه أزمة اقتصادية واجتماعية إضافة إلى الأزمة الصحية الناتجة عن فيروس كورونا والذي عواد انتشاره بقوة مرة أخرى، واصفا ذلك بأن الحكومة الجديدة ستواجه عين الإعصار، مضيفا بأن تحديات الحكومة متعددة الأوجه.
وأضاف جبنون، أن من ضمن تلك التحديات هي نسبة البطالة والتي من المتوقع أن تزيد عن 18% بحكم توقف قطاع السياحة الذي عرف خسائر وصلت إلى نحو 70%، بالإضافة إلى تراجع الصادرات والواردات، مشيرا إلى ضرورة العمل على القطاعات التي أعطت نوع من الصمود أمام الأزمة خاصتا القطاع الزراعي والذي سيحتاج مزيد من الدعم والتمويل لتكون نواة للتعافي الاقتصادي، دون نسيان أزمة تواصل الإضرابات في الحوض المنجمي والتعطل الظرفي لإنتاج الفوسفات وغلاء المعيشة والإنعكاس السلبي للإجراءات الجبائية المجحفة التي اتخذتها حكومة إلياس الفخفاخ من قبل.
وقدَّر وزير السياحة التونسي السابق، محمد التومي، حجم الخسائر المتوقعة لقطاع السياحة فقط في 2020 بنحو 6 مليارات دينار (2.1 مليار دولار أمريكي).
من جانبه يرى الخبير الاقتصادي، رضا الشكندالي، خلال حديثه لـ”المجتمع”، أن أبرز تحدي أمام حكومة المشيشي يتمثل في نسبة المديونية العالية والتي تجعل من تونس بلد غير مستقل ماليا، مما يؤدي إلى اشتراطات كبيرة من قبل المانحين لتونس كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
وأضاف الشكندالي، أن أي دولة لديها مديونية عالية لا يمكن أن تطبق إجراءات اقتصادية خاصة بها وتكون مضطرة للجوء إلى البرامج الاقتصادية التي تفرضها عليها الجهات المانحة ولذلك يعد هذا أكبر تحدي أمام حكومة المشيشي، مضيفا إلى أن التحدي الثاني هو نسبة البطالة المرتفعة، إلا أن الأهم هو وجود أرضية لإنفاذ الإصلاحات والبرامج الاقتصادية.
وحذر الشكندالي، من الوضع السياسي الغير مستقر والذي يشهد عدم استقرار بين رؤوس السلطة التنفيذية والتشريعية، معتقدا أن رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان لا يتبادلون الثقه فيما بينهم، مما يضعف شعور الشعب التونسي بالثقة في رؤساءه، مؤكدا على أن هذا يفقد ثقه بين المستثمر التونسي والوضع العام في البلاد “وهذا خطير جدا فلا يمكن الحدوث عن الاقتصاد بدون ثقه”.
حلول واجبه
ويرى جبنون أنه على حكومة المشيشي تجنب الإجحاف الضريبي، نظرا لتداعياته السلبية على الاستثمار والمداخيل الضريبية، وبالتالي لابد من تخفيض الضرائب على الإنتاج والصادرات وتعديل الضرائب على الواردات الكمالية وتوجيه التمويل البنكي للمؤسسات عوضا عن توجيه نحو الاستهلاك.
مما سيسمح بتعديل الميزان التجاري وميزان المدفوعات، كما أنه لابد من حل مشكلة الحوض المنجمي ومناطق الإنتاج عبر التفاهم مع الأهالي بخطط تنموية واقعية وبعيدة عن الهلاميات التي كانت كانت تقدمها الحكومات السابقة، والعمل على إنفاذ القانون وعودة الفوسفات التونسي للتصدير.
ومنذ 2018، انكمشت حصة الفوسفات من حجم الصادرات التونسية لتصل إلى نحو 4 % بعد أن كانت تمثل نحو 10%. وتسببت الإضرابات ووقف إنتاج الفوسفات، وهي صناعة حيوية لتونس ومصدر رئيسي للعملة الأجنبية، في خسارة نحو 8 مليارات دولار منذ 2011، وفق البيانات الرسمية.
ويرى الشكندالي، أنه على حكومة المشيشي أن تلعب دورا هاما في تطبيق القانون خاصة فيما يخص إغلاق حقول النفط وحقول الفوسفات والغيابات الكثيرة والمتكررة في الوظيفة العمومية، والتوجه نحو إصلاح السياسة النقدية من خلال تخفيض نسبة الفائدة والتوقف عن سياسة الصرف المرنة التي أدت إلى التخفيض في قيمة الدينار التونسي.
مما يؤدي إلى تداعيات سلبية كبيرة على المستثمر والمواطن التونسي من زيادة في التضخم المالي، وكذلك على الدولة ذاتها لأنها ستقوم بسداد مستحقاتها من الديون بمبالغ أكبر مما هي عليه.
عقبة “النقد”
ويأتي صندوق النقد ضمن أبرز التحديات التي تواجهها حكومة المشيشي، في وقت تسعى تونس لتوفير سيولة مالية، ولا يتنسى لها ذلك دون التوصل لإتفاق مع الصندوق بعد توقف المفاوضات، فالخروج للسوق العالمية دون التوافق مع صندوق النقد، سيجبر الحكومة على قبول شروط مجحفة من أجل الاقتراض.
وأوضح جبنون، أنه على حكومة المشيشي تقديم خطة إنفاق ذكية ذات حوكمة للنفقات العمومية، على أن لا تغفل الجانب الاجتماعي، وبذلك تكون في نفس الخط الذي يتبناه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وبالتالي تكون ذلك الخطة ذات قابلية لدى الجهات المانحة ويمكن اعتمادها وبحث مدى إمكانية تحصيل النتائج بسرعه.
ويتفاقم الدين العمومي وأصبحت تونس تقترض 15 مليار دينار (5.4 مليار دولار) سنويا، بالإضافة إلى أنها مطالبة بسداد 7.5 مليار (2.7 مليار دولار) خلال 2020، وفقا لرئيس الحكومة هشام المشيشي.
وأكد الشكندالي، أن صندوق النقد الدولي لم يجد من طرف الحكومات السابقة المفاوض القوي، مما مكن الصندوق من فرض شروطه والحكومات السابقة كانت تتبع برامجه التي يعتقد الصندوق انها تتماشى مع كل السياقات ومع كل الأزمان.
وبالتالي لابد أن يكون هناك مفاوض قوي لحكومة المشيشي يفاوض صندوق النقد الدولي من أجل التوصل لاتفاق حول برنامج يتماشى مع السياق التونسي.
مستقبل الحكومة
ونالت حكومة هشام المشيشي ثقة البرلمان التونسي بنحو 134 نائبا مقابل اعتراض 67 نائبا دون تسجيل أي احتفاظ.
واعتبر جبنون، أن حكومة المشيشي وجدت لها سندا قويا في أحزاب ذات منحى اقتصادي، بالإضافة إلى كونها تشمل كوادر اقتصادية، مما يوفر لها إمكانية النجاح “يبقى الأن سرعة الإنتاج التنفيذ وتمرير القوانين الضرورية بسرعة، وهذا يتطلب علاقة جيدة مع البرلمان، وفي الوقت الحالي هذا المعطى أعتقد أنه موجود بنسبة كبيرة”.
بينما يرى الشكندالي، أن حكومة المشيشي لا تملك آليات لتحقيق تقدم اقتصادي حقيقي، مشيرا إلى أن هناك اتفاق وقع بين المشيشي والأطراف التي صوتت له في البرلمان والتي اشترطت عليه تغيير بعض الوزراء الذين عينهم رئيس الجمهورية وبالتالي ليست هناك ثقه كونها مشروطة بتغير بعض الوزراء.
وتابع: ” رئيس الحكومة لم يجد الدعم الكافي من طرف رئيس الجمهورية الذي عينه وبالتالي بحث عن أطراف أخرى يرتكز عليها للمواصلة، والتي تتمثل في إتلاف ثلاثي جديد مكون من حزب قلب تونس وإتلاف الكرامة مع حركة النهضة، وبالتالي لن يكون رئيس الجمهورية داعما لهذه الحكومة، لذلك لا أعتقد هذه الحكومة ستستمر لمدة كافية لسنه أو سنتين، وربما يقع تغيير بعض الوزراء بعد شهر أو شهرين”.