جون إم جروهول
- غالبًا ما تظهر نظريات المؤامرة بعد الأحداث الصادمة وأثناء أوقات عدم اليقين، في أعقاب عمليات القتل الجماعي أو أثناء الجوائح والأوبئة مثل جائحة “كوفيد-19”.
- يمكن أن تنتشر النظريات الممعنة في المؤامرة بسرعة عبر الإنترنت وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقد أشارت دراسة مؤخرًا إلى أن ما يقرب من ثلث الأمريكيين يؤمنون بنظرية مؤامرة تتعلق بفيروس كورونا، مثل تلك التي تدعي أن تفشي المرض مرتبط بشبكة “5G”.
- “منظري المؤامرة يأتون بأفكار من الفراغ لمطابقة أي “حقيقة” يعتقدون أنها صحيحة، وغالبًا ما يستخدمون المعتقدات القائمة على جنون العظمة لإقناع الآخرين”. جون جروهول، عالم النفس ومؤسس “Psych Central”:
- المؤمنون بنظرية المؤامرة يميلون إلى عدم التعاون وعدم الثقة والعزلة الاجتماعية؛ وهذا هو السبب في أن الإيمان بنظرية المؤامرة مع من يشعر بالغربة على الإنترنت يمكن أن يمنحه شعورًا بالانتماء.
نظريات المؤامرة قديمة قدم الزمن، ولكن علماء النفس بدؤوا فقط بالسنوات الأخيرة في كشف الاعتقاد بأن بعض الناس لديهم ميل لتصديق نظريات المؤامرة، وهي تفسيرات تشير إلى مجموعات سرية تعمل في الخفاء لتحقيق أهداف شريرة.
وسواء كان الأمر يتعلق بقتل رئيس أمريكي مثل كينيدي، أو إطلاق نار جماعي على رجل أبيض كبير السن، أو رجل بالغ أو جرائم قتل مثلما حدث في صحيفة “شارلي إيبدو”، يبدو طبيعياً، فإن نظريات المؤامرة ليست بعيدة عن ذلك، وحتى تغير المناخ له نظرية مؤامرة مرتبطة به (وحكومة الولايات المتحدة هي المسؤولة بطبيعة الحال).
ما الذي يدفع الناس إلى الاعتقاد في هذه التفسيرات “التآمرية” للأحداث المهمة؟ هيا نكتشف.
هناك نظرية مؤامرة مفادها أن مذبحة لاس فيجاس التي وقعت في عام 2017، كانت أكبر عملية إطلاق نار جماعي في تاريخ الولايات المتحدة الحديث، نظرية -التي صدقها عشرات الآلاف من الناس حول العالم- تستند إلى “دليل” مقطعي فيديو مشوهين يصعب سماعهما من شهود العيان، تشير مقاطع الفيديو هذه إلى أن هناك مُطلِق نار ثانياً بطريقة ما كان قادرًا على إطلاق النار من الطابق الرابع من فندق ماندالاي باي، على الرغم من عدم وجود نوافذ مكسورة في الطابق الرابع، ولم تسمع الشرطة أي طلقات وقد فتشت المبنى كله طابقًا تلو الآخر.
ما الغرض من القول: إن هناك مُطلِقاً آخر للنار في قضية لاس فيجاس؟ يقدم هذا كدليل على أن الرواية الرسمية خاطئة، ويشير مطلق النار الثاني إلى بعض مؤامرات ما يسمى “النظام العالمي الجديد” التي تهدف إلى السيطرة على حكومتنا ومجتمعنا، أو شيء من هذا القبيل، ويتطلب الأساس المنطقي لتصديق وجود مطلق نار آخر تعليق إيمانك بالواقع والتخلي عن التفكير النقدي البسيط.
الدوافع النفسية وراء نظريات المؤامرة
حاول الباحثون معرفة سبب اعتقاد أقلية صغيرة من السكان بنظريات المؤامرة، حيث يلخص لانتيان وآخرون (2017) الخصائص المرتبطة بالشخص الذي من المرجح أن يؤمن بنظريات المؤامرة كما يلي:
سمات شخصية من يميل لتصديق نظرية المؤامرة: الانفتاح على التجربة، وعدم الثقة بالآخرين، وانخفاض القبول، والميكيافيلية.
يشير مصطلح “القبول المنخفض” إلى سمة “القابلية”، التي يحددها علماء النفس على أنها مقدار إمكانية الاعتماد على الفرد، واللطف، والتعاون، والشخص الذي يتمتع بقبول منخفض هو فرد لا يمكن الاعتماد عليه كونه ليس طيبًا وليس متعاونًا، وتشير الميكافيلية إلى سمة شخصية “يركز الشخص فيها على اهتماماته الخاصة بحيث يتلاعب بالآخرين ويخدعهم ويستغلهم لتحقيق أهدافه”.
ويتابع لاتنيان وآخرون (2017) أنه فيما يتعلق بالعمليات المعرفية، فإن الأشخاص الذين يعتقدون في نظريات المؤامرة بشكل أقوى، أكثر عرضة للمبالغة في تقدير احتمالية وقوع أحداث مشتركة، وعزوا القصد إلى أسباب غير محتملة الوجود، ولديهم مستويات أقل من التفكير التحليلي.
ولا ينبغي أن يكون أي من هذا مفاجئًا، لأنه بمجرد أن تبدأ في تحليل موقف بحقائق يمكن إثباتها، فإنها عادةً -وبشكل شامل تمامًا- ستفكك نظرية المؤامرة إلى مكوناتها، وإثبات أن أياً منها ليس منطقيًا، فعلى سبيل المثال؛ مع عدم وجود دليل، يحتاج منظرو المؤامرة إلى اختراع سبب لوجود إطلاق نار ثانٍ في لاس فيجاس، لمطابقة ما يرونه “حقائق”، ولكن بمجرد أن يبدأ الشخص في اختراع قصة من فراغ، يمكنك أن ترى القليل جدًا من التفكير النقدي يحدث.
نظريات المؤامرة تجعل الشخص يشعر بأنه مميز
فحص لانتيان وآخرون في بحث لهم، في عام 2017، دور “حاجة الشخص إلى التفرد” والاعتقاد بنظريات المؤامرة، ووجد أن هناك ارتباطاً بينهما.
نحن نجادل بأن الأشخاص الذين هم في حاجة ماسة إلى التفرد يجب أن يكونوا أكثر عرضة من غيرهم لتأييد معتقدات المؤامرة؛ لأن نظريات المؤامرة تمثل امتلاك معلومات غير تقليدية ومن المحتمل أن تكون نادرة، وعلاوة على ذلك، تعتمد نظريات المؤامرة على الروايات التي تشير إلى المعرفة ببواطن الأمور (ماسون، 2002) أو المعلومات، التي، بحكم التعريف، لا يمكن للجميع الوصول إليها، وإلا فلن تكون سرًا وستكون حقائق معروفة.
ويمكن للأشخاص الذين يؤمنون بنظريات المؤامرة أن يشعروا بـ”الخصوصية” بمعنى إيجابي، لأنهم قد يشعرون أنهم أكثر دراية من غيرهم بالأحداث الاجتماعية والسياسية المهمة.
يمكن أيضًا ربط نتائجنا بالبحث الأخير الذي يوضح أن النرجسية الفردية، أو تضخم الذات، مرتبطة بشكل إيجابي بالإيمان بنظريات المؤامرة، ومن المثير للاهتمام أن سيتشوكا وآخرون (2016) وجدوا أن الفكر المصاب بجنون العظمة يتوسط العلاقة بين النرجسية الفردية ومعتقدات المؤامرة.
ومع ذلك، يشير العمل الحالي إلى أن الحاجة إلى التفرد يمكن أن تكون وسيطًا إضافيًا لهذه العلاقة، والواقع أن العمل السابق أظهر أن النرجسية ترتبط ارتباطًا إيجابيًا بالحاجة إلى التفرد حيث أظهرت دراسات أن الحاجة إلى التفرد مرتبطة بالاعتقاد بنظرية المؤامرة.
الأشخاص الذين يؤمنون بنظريات المؤامرة أكثر نفوراً وعزلة اجتماعيًا
تعرض مولدنج وآخرون (2016) أيضًا لخصائص الأشخاص الذين يؤمنون بنظريات المؤامرة في دراستين، ولوحظ أن الأفراد الذين يؤيدون نظريات المؤامرة من المرجح أن يكونوا أكثر ضعفاً وأكثر عزلة اجتماعياً، وقد يؤدي هذا الانفصال عن النظام الاجتماعي المعياري إلى تفكير تآمري أكبر لعدد من الأسباب ذات الصلة.
- فقد يرفض الأفراد الذين يشعرون بالاغتراب بالتالي التفسيرات التقليدية للأحداث، لأنهم يرفضون شرعية مصدر هذه التفسيرات.
- ونظرًا لشعور هؤلاء الأفراد بالغربة عن أقرانهم، فقد يلجؤون أيضًا إلى جماعات تؤمن بنظرية المؤامرة من أجل الشعور بالانتماء للمجتمع، أو إلى ثقافات فرعية مهمشة يحتمل أن تكون نظريات المؤامرة أكثر انتشارًا بينها.
- والأشخاص الذين يشعرون بالعجز قد يؤيدون أيضًا نظريات المؤامرة لأنها تساعد الفرد أيضًا على تجنب اللوم.
- وبهذا المعنى، تعطي نظريات المؤامرة إحساسًا بالمعنى والأمن والسيطرة على عالم خطير لا يمكن التنبؤ به.
- أخيرًا، وببساطة، فإن معتقدات المؤامرة -التي تشير ضمنًا إلى مستوى من الميكيافيلية والقوة التي يمارسها أولئك الذين ليس لديهم أخلاق ثابتة- من المرجح أن تلقى صدى لدى الأشخاص الذين يشعرون بالعجز ويعتقدون أن المجتمع يفتقر إلى المعايير.
وقد ضاعف الإنترنت من قدرات هؤلاء الأشخاص المتشابهين في التفكير على الاجتماع معًا لتبادل نظريات المؤامرة والتوسع فيها، واستغرق الأمر ساعات فقط بعد مذبحة لاس فيجاس حتى تظهر مجموعة مؤامرة على “فيسبوك” تضم أكثر من 5 آلاف عضو!
وفي دراسة لمولدنج وآخرين (2016)، وجد أنه وبما يتفق مع فرضياتهم، “تأييد نظريات المؤامرة يرتبط بشكل معتدل بقوى المتغيرات المتعلقة بالاغتراب، والعزلة، والعجز، وانعدام المعايير، والابتعاد عن الأعراف الاجتماعية.
ووجد الباحث فان بروجين (2016) أيضًا أن عدم استقرار احترام الذات الذي يؤدي إلى عدم اليقين الذاتي هو أيضًا خاصية مرتبطة باحتمالية أكبر للإيمان بنظريات المؤامرة، فالأشخاص الذين لا يشعرون بأنهم ينتمون إلى أي مجموعة -وهي سمة يشير إليها علماء النفس باسم عدم “الانتماء”- هم أكثر عرضة للإيمان بنظريات المؤامرة.
نظريات المؤامرة تقاد بالأفراد ولا بالحقائق
لا يمكنك الجدال مع الأشخاص الذين يؤمنون بنظريات المؤامرة، لأن معتقداتهم ليست عقلانية، وبدلاً من ذلك، غالبًا ما تكون معتقداتهم قائمة على الخوف أو جنون العظمة، التي يظهر تضاربها عند مواجهتها بأدلة واقعية، وذلك لأن نظريات المؤامرة يقودها الأشخاص الذين يؤمنون بها وينشرونها.
نظريات المؤامرة لن تختفي، وطالما أن هناك أشخاصًا يحتاجون إلى الإيمان بها، فسوف يستمرون في التوسع والازدهار، فالإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي مثل “فيسبوك” جعلت من السهل نشر هذه النظريات، ولذلك وفّر مجهودك في الجدال مع الأشخاص الذين يؤمنون بها، فلن يثنيهم أي قدر من الحقائق عن معتقدهم الخاطئ.
______________________
المصدر: “Business insider“.