اهتمت “المجتمع” (مجلة المسلمين في أنحاء العالم) بأحوال المسلمين في كل مكان، وهذا حوار أجرته المجلة مع سلامات هاشم، رئيس جبهة مورو الإسلامية في العدد رقم (1341) الصادر في 9 مارس 1999؛ ليتعرف القراء الكرام على أخبار المسلمين في هذه المنطقة من العالم.
الاستعمار الإسباني صنع محنتهم، والاحتلال الأمريكي أكمل المخطط، إنهم مسلمو مورو، مـن دولـة وأغلبية إلى أقلية بلا وطن!
كغيرهم من المسلمين في بقاع عديدة من العالم، يعيش مسلمو مورو محنة الصراع من أجل البقاء، وهي محنة ليست وليدة عام أو عشرة، وإنما جاءت عبر مسلسل طويل ومتنوع من الغزو الاستعماري الذي حوَّلهم من أغلبية تمتلك الدولة إلى أقلية لا تعرف لها وطناً ولا مأوى ولا مصيراً!
كانت لهم دولة مترامية الأطراف، ظلت مستقرة أكثر من قرنين من الزمان، فقد دخلها الإسلام عام 1380هـ على أيدي أولئك التجار الدعاة الذين جذبوا الناس إلى الإسلام بخلقهم الرفيع، واستطاعوا بمسالكهم الطيبة أن ينشروا الدين في جميع أنحاء البلاد، وخلال مائة وخمسين عاماً من وصولهم صارت هناك إمارات إسلامية مستقرة في جزرها الكبرى؛ سولو، مينداناو، وسلامو.. وغيرها.
وظل الناس في جزرها الصغيرة والكبيرة المتناثرة في المحيط الهادئ التي تبلغ 7 آلاف جزيرة بمساحة 300 ألف كم2، ظلوا يعيشون في كنف الإسلام حتى يوم السابع عشر من مارس 1521م، وهو اليوم الذي داهم فيه المستعمر الإسباني بسفنه الحربية تلك الجزر في غزوة تم التخطيط لها جيداً، فبعد أن تمكن الإسبان من القضاء على آخر حصون الدولة الإسلامية في الأندلس عام 1492م، كان مخططهم في القضاء على المسلمين واقتلاع جذور الإسلام يسير على خطين؛ الأول: داخلي يقوم على التخلص من كافة المسلمين في الأندلس (إسبانيا والبرتغال)، والثاني: خارجي ويقوم على إبادة المسلمين في أي منطقة يمكن أن تصل إليها أيديهم ونشر النصرانية فيها.
وقد كانت منطقة مورو (جنوب الفلبين) وما حولها من أوائل المناطق التي تحرك إليها المستعمر الإسباني بعد سقوط الأندلس بـ29 عاماً فقط، وكعادة الاستعمار القديم عموماً فقد وصل المحتل الإسباني حاملاً معه آلته العسكرية القمعية وفرق المنصّرين من القساوسة المدربين على مهماتهم تدريباً جيداً الذين خرجوا بدورهم من حرب الأندلس معبئين بحقد كبير على الإسلام والمسلمين، تدفعهم نشوة النصر إلى تنصير أي شبر من الأرض يوجد فوقه مسلمون.
وكان بين قادة تلك الحملة «ماجلان» الذي اشتهر في التاريخ بالطواف بحراً حول الأرض، وما هو إلا منصِّر أفنى حياته في خدمة مخططات الكنيسة، وما زال تمثاله الذي أقيم له في جزيرة «بدافاو» موجوداً ومحاطاً بالتعظيم بصفته مبعوث المسيح لتخليص البلاد من المسلمين!
كانت جزيرة «بدافاو» تلك أول الجزر التي اقتحمتها الحملة الإسبانية، ثم تبعتها جزيرة «منداناو»، ولم يقف المسلمون هناك يومها عاجزين، وإنما خاضوا حرباً حامية الوطيس ضد الغزاة دفاعاً عن أرضهم وقومهم ودينهم، وتمكنوا من قتل “ماجلان” أبرز القادة في جزيرة «ماكستان»، فعززت المملكة الإسبانية أسطولها بمزيد من السفن الحربية، وهو ما مكنهم من إخضاع مناطق الشمال، ثم تمكنوا من فرض سيطرتهم على الجنوب.
بالطبع كان هناك قبل مجيء الحملة الإسبانية نصارى ووثنيون، كما أن جيش الاحتلال مارس «محاكم التفتيش» التي بدأها من الأندلس التي تهدف إلى إبادة المسلمين، ومنع انتشارهم وتنصير الأرض والسكان «بالحسنى»، أو بالقوة، وقد اعترف بيتر جوينج، المؤرخ النصراني، بما قام به الإسبان في سبيل تنصير الناس بالإكراه، فلم يكن أمامهم إلا القتل أو التنصّر.
ومكث الإسبان في الفلبين قرابة أربعة قرون، تمكنوا خلالها من تحقيق معظم أهدافهم، بسط السيطرة على الأرض وتنصير جزء من الشعب بالقوة والترهيب وكذلك بالإغراء والامتيازات لضعاف النفوس، الذين استخدمهم المحتل إلى جوار النصارى الأصليين في تنفيذ مخططاته الرامية للقضاء على ما تبقى من المسلمين والذين تركزوا في المناطق الجنوبية من البلاد حيث أطلق عليهم الإسبان «شعب مورو»، و«مورو» هذه كلمة إسبانية أطلقها الإسبان على المسلمين خلال فترة التواجد الإسلامي بالأندلس وشاعت خلال الحروب بين الطرفين فصارت تُذكِّر أي إسباني ينطقها أو يسمعها بالعدو المسلم، وبلغت كراهية الإسبان لهذه الكلمة لدرجة أنهم يرمون بعضهم بعضاً بها عند تبادلهم السباب!
الحقبة الأمريكية
ورحل الإسبان عن الفلبين، لكن الأمريكيين حلوا محلهم ليواصلوا المخطط نفسه، وكانت أولى خطوات الأمريكيين محاولة استرضاء النصارى، وكسب تأييدهم، واحتوائهم، حتى يضمنوا لأنفسهم بقاء أطول فترة ممكنة، فقامت سلطات الاحتلال (الأمريكي) الجديد ببلورة الدولة، وتشكيل مؤسساتها، وتسليمها للنصارى، حتى يبسطوا سيطرتهم بطريقة منظمة، فشكّـلت لهم حكومة انتقالية عام 1935م في إطار كمنولث يضم كل الجزر وتحت سيطرة القوى النصرانية، ثم أعلنت الولايات المتحدة استقلال الفلبين عام 1946م.
وكان اليابانيون قد احتلوا الفلبين خلال الحرب العالمية الثانية (1942 – 1946م)، لكن هزيمتهم في تلك الحرب عجّلت بخروجهم منها وعودتها إلى السيطرة الأمريكية.
ومنذ إعلان الاستقلال واعتراف الأمم المتحدة، صارت هناك حكومة رسمية وشرعية من وجهة نظر العالم، مؤيدة من القوى الكبرى خاصة الولايات المتحدة في كل ما تقوم به ضد المسلمين نيابة عن الاستعمار القديم، وأصبحت تلك الحكومة المصنوعة على أيدي الاستعمار هي الدولة، وهي النظام الشرعي، وصار المسلمون أصحاب الأرض والدولة مجموعة من المتمردين أو الانفصاليين الخارجين على النظام والقانون.
وتم حصرهم في المناطق الجنوبية بعد أن صاروا أقلية (من 5 – 5.7 مليون وفق الإحصاءات الرسمية) بين أكثر من 60 مليون فلبيني، وبرغم ذلك، كله لم تتوقف الحكومات الفلبينية المتعاقبة منذ عام 1946م حتى اليوم عن تنفيذ مخططها في القضاء على الوجود الإسلامي، فعملت على خلخلة التركيبة السكانية، بزرع كيانات نصرانية جديدة، والدفع بقوافل متعاقبة من النصارى وتمليكهم الأرض، وتمكينهم من بسط نفوذهم وسيطرتهم عليها، حتى أصبح تواجدهم في بعض المناطق يصل إلى 50% من تعداد السكان، وبدأ التواجد الإسلامي في الجنوب في الانحسار.
لكن الأمل لم ينقطع، ولم يتوقف الطرف الإسلامي عن الجهاد لاستخلاص أرضه، فقد جاهد المسلمون ضد الإسبان -كما سبق ذكره- كما جاهدوا ضد الاحتلال الأمريكي 40 عاماً متواصلة، وواصلوا الجهاد بعد ذلك ضد الحكومات المتعاقبة، مقدمين أكثر من 300 ألف شهيد.
وقد تبلورت فصائل جهادهم عام 1962م في جبهة تحرير مورو التي شكلها مجموعة من الطلبة الدارسين في الجامعات والمعاهد الإسلامية بالخارج، وظهرت هذه الجبهة للعمل العلني عام 1968م بقيادة نور ميسواري، وسلامات هاشم، وخاضت حرباً طويلة أجبرت النظام الفلبيني على الجلوس إلى مائدة المفاوضات قبل 20 عاماً، وما زالت متواصلة حتى اليوم، وقد تخلل هذه المسيرة التوصل إلى ثلاث اتفاقيات للسلام، لكن شيئاً منها لم يطبق على أرض الواقع، ففي عام 1976م توصل الجانبان المسلم بقيادة نور ميسواري، والفلبيني في عهد الرئيس الأسبق فرديناند ماركوس إلى اتفاقية للحكم الذاتي تقضي بإقامة حكم ذاتي للمسلمين في 13 محافظة، و9 مدن بجنوب الفلبين، وهي غالبية المناطق التي يتركز فيها المسلمون، وتم توقيع هذه الاتفاقية في طرابلس ليبيا بتدخل من منظمة المؤتمر الإسلامي وبضغوط عدد من الدول النفطية التي تحتاج الفلبين لنفطها.
وبالرغم من أن الحكومة الفلبينية حصلت على العديد من المصالح البترولية والتجارية من الدول الإسلامية الوسيطة، فإنها سرعان ما جمدت الاتفاق بعد تحقيق مصالحها، ذلك برغم توقيع منظمة المؤتمر الإسلامي وحكومات إسلامية كشهود على الاتفاق.
وفي عهد كورازون أكينو (1986 – 1992م) بدأت المفاوضات بين الطرفين مرة أخرى لإحياء وتنفيذ اتفاق طرابلس، لكن الحكومات ماطلت وعرضت بدلاً من تنفيذ الاتفاقية حكماً ذاتياً للمسلمين بضم 4 محافظات بدلاً من 13، ولم يتم التنفيذ أيضاً، فالحكومة من جانبها لم تكن جادة، ونور ميسواري الذي تفاوض من قبل في اتفاقية طرابلس رفض العرض الجديد، وتواصل الأخذ والرد بين الجانبين حتى جاءت حكومة الرئيس فيدل راموس عام 1992م، وهو صاحب تاريخ طويل في اضطهاد المسلمين، فهو مهندس المذابح التي شنها الجيش ضد المسلمين في عهد ماركوس، وهو رئيس الأركان، ثم وزير الدفاع في عهد كورازون أكينو، لكنه عندما تولى الرئاسة سعى إلى تهدئة الأوضاع في البلاد بفتح صفحة جديدة مع المسلمين، فأعلن عن إمكان العفو العام وإجراء انتخابات في منطقة الحكم الذاتي للمسلمين، وأعلن السماح للمجاهدين بدخول المدن التي تقع تحت سيطرة الجيش دون أن يتعرض لهم أحد.
وقد ساعدت هذه اللهجة الجديدة في عقد جولة جديدة من المفاوضات بين الطرفين (ميسواري والحكومة الفلبينية)، ووقع الطرفان في أوائل فبراير عام 1994م اتفاقاً جديداً، ينص على وقف العمليات الحربية، وتشكيل ما يسمى بمجلس جنوب الفلبين للأمن والتنمية.
لكن شيئاً عملياً لم يتحقق للمسلمين على أرض الواقع، فقد ظلت الاتفاقيات المتعاقبة عوامل تخدير للجانب الإسلامي، صاحبها مماطلات، وخداع، وتسويف، في الوقت الذي كان الطرف الفلبيني يواصل فيه دون توقف خططه ضد المسلمين، التي قامت على ثلاثة خطوط متوازية؛ الأول: حملات التمزيق والطرد خارج الأرض ومصادرة الممتلكات وإحلال سكان جدد، الثاني: الاحتواء بتقديم بعض الخدمات التي تعنى ببعض المطالب الاقتصادية والاجتماعية، الثالث: محاولة بث الفرقة والعداء بين صفوف المسلمين خاصة الذين يواصلون الجهاد لتحرير الأرض.
وكان من أبرز الأحداث انقسام جبهة مورو وخروج سلامات هاشم بتنظيم جديد عام 1977م، باسم «منظمة بانجسا مورو للتحرير» التي تحول اسمها فيما بعد إلى «جبهة تحرير مورو الإسلامية»، مؤكداً انتهاج الجهاد حتى يتحقق الاستقلال، وقد كان لدى هاشم مبررات قوية في الانفصال عن ميسواري بعد أن اكتشف مبكراً خداع ومماطلة السلطات الفلبينية، واعتزامها إدخال القضية في دوامة المفاوضات، والاتفاقيات، التي لا جدوى منها.
حدث الانفصال، ولم يحدث العداء أو الصراع الذي راهن عليه النظام الفلبيني بين الطرفين، ولن يحدث إن شاء الله.
ومع تصاعد عمليات الجهاد من طرف مورو الإسلامية تصاعد التصدي من الجانب الفلبيني الذي شكل عام 1972م منظمة «إيلاجا» الإرهابية في عهد ماركوس التي قامت بأنشطتها ضد المسلمين في اتجاهين؛ الأول: قتل الدعاة والنشطاء المسلمين، الثاني: القيام بأنشطة للتنصير بين المسلمين.
وقد انطلق نشاط هذه المنظمة بالتوازي والتعاون مع منظمات تنصيرية وغربية (أوروبية – أمريكية) قامت بنشاط واسع تحت حماية السلطات واتسع نشاطها في منطقة جنوب شرق آسيا (إندونيسيا، ماليزيا، تايلاند، سنغافورة)، وذلك تحت رعاية الفاتيكان ومجلس الكنائس العالمي.
الصهاينة
الأيدي الصهيونية بدورها لم تتخلف عن المشاركة، فقد قامت قوات خاصة إسرائيلية بتدريب قوات خاصة فلبينية أطلق عليها اسم «الجيش الأصفر» الذي قام بعمليات قتل للمسلمين وتوطين للنصارى في محافظة «ديباو» حتى صار المسلمون فيها أقلية (40%) بعدما كانوا الغالبية!
ولا شك في أن الثروات الطبيعية التي تتمتع بها المناطق الإسلامية التي تساهم في خزانة الدولة بنسبة 65 – 70% من قيمة السلع التصديرية، مما تجعلها دائماً مطمعاً لقوى الاستعمار خاصة بعد اكتشاف كميات من النفط قدَّرها الخبراء بأنها تعد من أكبر المخازن الطبيعية للنفط في العالم، وبكميات أكبر بكثير من نفط بروناي، هذا إضافة إلى أن إنتاج جزيرة مينداناو وحدها من الذرة ما يبلغ 56% من الإنتاج في الفلبين كلها، و55% من إنتاج البن، و55% من إنتاج جوز الهند، و50% من الأسماك، و100% من إنتاج المطاط، و100% من إنتاج الموز، و39% من إنتاج اللحوم، و29% من إنتاج الأرز.
إن تخليص هذه الثروات، واستخلاص الوطن عموماً، واسترداد الحرية والهوية، يحتاج إلى مزيد من الجهد والجهاد، وإلى وقفة عون وتضامن من المسلمين إلى جوار إخوانهم.