الشيوعيون المصريون يتهمون أديب نوبل بالتطرف وتفريخ الإرهاب!
في سنة 1482 هجرية الموافقة 2008 ميلادية تم افتتاح مسجد نجيب محفوظ بقرية العزيزية على مسافة 64 كم من القاهرة بمحاذاة الطريق الصحراوي الذي يربط ما بين القاهرة والإسكندرية. المسجد أقامه الأديب نجيب محفوظ (1911- 2006م) بعد حصوله على جائزة نوبل.
قبل أيام(5/2/2021م) تحركت صحيفة الأهرام ونشرت تحقيقًا على صفحة كاملة في عددها الأسبوعي حول هذا المسجد، وأنه اكتشاف جديد بعد رحيل الرجل بستة عشر عامًا، مع أن المسجد بدئ في بنائه وصاحبه حي يرزق، وافتتح بعد رحيله بسنتين تقريبًا.
استغل الشيوعيون الأمر، وأعلنوا غضبهم على الرجل الذي كانوا يظنونه معاديًا للإسلام، و”تقدميا” على طريقتهم، ومتمردا على الثوابت، وناقدًا لنمط فكري وديني طالما هاجمه ومقتحما لعش الدبابير (يقصدون المسلمين) في رواية ” أولاد حارتنا “…
استعادوا بعض الأكاذيب الشيوعية التي ارتبطت بموقفهم من رواية أولاد حارتنا، واتهموا الرجل بالخداع والنفاق الاجتماعي، وأنه تحول في نهايات عمره إلى مجرد عجوز طيب، وشيخ وقور، تقليدي، يصالح المجتمع الذي طالما انتقده ويستجيب لضغوط عائلية أو اجتماعية لبناء واحد من المساجد التي تعد وفقا لمفهومهم مفرخة للتطرف والإرهاب باعتراف السلطة الرسمية، وطالما اتهمه المتطرفون بالكفر الصريح والإساءة للذات الإلهية والرسل بسبب أولاد حاتنا!!
ثم يسوّغ الشيوعيون هجومهم على إسلام الرجل بأن مصر لا ينقصها المساجد أبدا، بل تنقصها المكتبات والمراكز الثقافية والفنية، فلماذا لم يبن لنا مركز نجيب محفوظ الثقافي؟
يتجاهلون أن مصر مليئة بالمكتبات والمراكز الثقافية التي يقودها الشيوعيون أنفسهم ولكنها فاشلة، لأنها لا تقدم ثقافة الناس، ولا ما يطوّر هذه الثقافة، لدرجة أن شاع القول: إن وزارة الثقافة، ومعها الصحافة تمثل “حزبا شيوعيا قويا” تموّله الدولة ويشوّه الإسلام والمسلمين، بندواته ومنشوراته ونشاطاته المختلفة. وهو أمر يثير العجب، فالشيوعيون في العالم يهتمون بقضايا العمال والفلاحين ومواجهة السلطة الرأسمالية المتوحشة، ولكن الشيوعيين عندنا مولعون بغاية واحدة، هي مكافحة الإسلام وتشويهه وتجريمه!
المفارقة أن مصر زُرعت في الفترة الأخيرة بآلاف الكنائس التي لا يؤمّها رواد، ولكن الشيوعيين لا يعترضون على ذلك ولا يطالبون بناة الكنائس بإنشاء مكتبات أو مراكز ثقافية أو مستوصفات أو مستشفيات…
لقد اتفق نجيب محفوظ مع أهل قرية العزيزية، على أن يتكفل ببناء مسجد كبير، وعندما تأخر البناء حضر محاميه جلسة جمعته مع زوجته وأهل القرية، وأعرب خلالها «محفوظ» عن غضبه من التأخر في استكمال المسجد وافتتاحه للصلاة، مع أنه دفع التكاليف كاملة ومقدما، وكانت في حدود نصف مليون جنيه. وقد تم بناء المسجد ووضع على الباب الرئيسي لوحة كبيرة من الجرانيت تحمل اسم نجيب محفوظ، وتزينها الآية القرآنية «وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا»، والمسجد من الداخل عبارة عن طابقين، أحدهما للرجال والآخر للنساء، يلفت انتباه الزائر منذ الوهلة الأولى لدخوله انتشار المكتبات المليئة بالمصاحف التي يصل عددها إلى 200 مصحف كبير وصغير بالإضافة إلى الكتب الدينية المتنوعة، كما تميزت أركان المسجد بانتشار الكراسي من أجل كبار السن، هذا بالإضافة إلى أن المسجد مدعم بتكييفات الهواء، ولوحة إلكترونية بالتاريخ وتوقيتات الصلاة على مدار اليوم،
ويخدم المسجد قرابة عشر قرى صغيرة مجاورة خالية من المساجد، وبها عدد من المزارع الصغيرة، علاوة على كونه يخدم المسافرين، بالإضافة إلى سكان قرية العزيزية التي كان الكاتب الراحل يقضى فيها بعض الوقت، وحرص على بناء المسجد بها ليكون عملا صالحا يخدم الناس، وقام المسجد بتلك المهمة فعلا، فمساحته الضخمة تصل إلى 430 مترا، ويتسع لاستقبال 1000 شخص.
وتتكفل أسرة الكاتب الكبير بكل احتياجات المسجد، وأقامت السيدة زوجة نجيب عقب الافتتاح، مائدة طعام ضخمة لجميع الحضور والبسطاء من القرى المجاورة للمسجد وقامت بتوزيع الشنط الخيرية.
يتناسى الشيوعيون أن نجيب محفوظ من أبناء الإسلام، وأن خطابه في الاحتفال بتسلم الجائزة الدولية عن الحضارة الإسلامية كان من أفضل الأدبيات التي أنصفت الإسلام، وأن كتابات نجيب محفوظ في مجملها كانت صدي لثقافته الإسلامية وحفظه للقرآن، وتأثره بالبيئة الإسلامية التي نشأ فيها، ومجاورته للأزهر ونشأته في حي الحسين. ومن الطبيعي وهو الذي تعلم في قسم الفلسفة بجامعة فؤاد الأول(القاهرة) أن يمرّ بتحولات فكرية وثقافية جعلت من رواياته الأخيرة صورة مضيئة لروح الإسلام، وما “أولاد حارتنا” إلا مرحلة من مراحل التحولات التي جانبه فيها الصواب، وقد رضي ألا تنشر إلا إذا سمح الأزهر بنشرها، ولكن الشيوعيين الذين أثاروا الفتنة قديما وحديثا، لا يرضيهم أن يعلن الرجل عن إسلامه، ويبني مسجدا يخدم الناس، يتقرب به إلى الله.
لقد أخبرني سكرتيره الأستاذ محمد – يرحمه الله- أن “نجيب” كان يتيمّم عند الصلاة في مرحلته الأخيرة، لأنه لم يكن يستطيع الوضوء بسبب عجز يده.
رحم الله نجيبًا وتقبل منه، وهدى الشيوعيين لخدمة شعوبهم بدلًا من خدمة السلطات الظالمة.