يرتبط شهر رمضان بالألوان؛ ألوان زينة الشوارع والفوانيس والأنوار، وألوان الطعام والحلويات والمكسرات، وهناك ألوان أخرى في رمضان أكثر بهجة، فيها جمال يسر الناظرين، تتعلق بأوقات هذا الشهر المبارك، والعبادات فيه والمبشرات، ناهيك عن ألوان صفاء الروح، وجميل الصبر، وحلاوة الإيمان، ويكفي تلألؤ قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم: «.. والصَّلاة نور، والصَّدقة برهان، والصَّبر ضياء..».
والجامع بين هذه الأعمال الرمضانية، باعتبار أن الصوم لون من ألوان الصبر، أنها أنوار، والضِّياء أقواها، لقول الله: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً) (يونس: 5)، فكان الصبر أعلاها نوراً؛ لأنه الجامع لها، فلا يصلِّي مصلٍّ، ولا يتصدَّق متصدِّق إلا بالصبر، واستعمل وصف الضياء الذي يحرق كنور الشمس لأن الصبر كالصوم فيه مشقة ويحتاج إلى مجاهدة وعناء.
ما أجمله من مشهد حين نترقب رؤية هلال رمضان الرشيق الأبيض، ونقول كما قال رسول اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا رأى الهلال: «اللَّهمَّ أهِلَّه علينا بالأمن والإيمان والسَّلامة والإسلام والتَّوفيق لِما تُحِبُّ وتَرضى ربُّنا وربُّكَ الله» (صحيح ابن حبان).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أبْوَابُ الجَنَّةِ، وغُلِّقَتْ أبْوَابُ جَهَنَّمَ وسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ» (رواه البخاري)؛ أي أن أبواب الجنة تفتح تنشيطاً للعاملين، ليتسنى لهم الدخول، مع كثرة الصفح والغفران ورفع المنازل وإعطاء الثواب الجزيل.
وعن أبي هريرة قال: قلت: يا رسول الله، مم خلق الخلق؟ قال: «من الماء»، قلنا: الجنة ما بناؤها؟ قال: «لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وملاطها المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وتربتها الزعفران، من يدخلها ينعم ولا يبأس، ويخلد ولا يموت، ولا يبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم» (رواه أحمد).
فجمع بين ألوان الزينة وهي البياض (الفضة واللؤلؤ)، والحمرة (الياقوت)، والصفرة (الزعفران)، ويتكمل بالأشجار الملونة بالخضرة.
أنوار المساجد الذهبية
تشع أنوار المساجد بشكل عجيب في رمضان، في خارجها وداخلها بأنوار المآذن والقباب، وقلوب المصلين، فالصلاة نور، وتشرع صلاة القيام في رمضان جماعةً ومفردةً، وفعلها جماعةً أفضل، فقد صلاها النبي صلى الله عليه بأصحابه جماعةً عدة ليالٍ، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه ليالي، ولما كانت الثالثة أو الرابعة لَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: «لَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ» (رواه البخاري)، ولفظ مسلم: «وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ صَلاةُ اللَّيْلِ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا».
فثبتت الجماعة في التراويح بسنته، وذكر أن المانع من الاستمرار في صلاتها جماعة، وهو خوف أن تُفرض، وهذا الخوف قد زال بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه لما مات انقطع الوحي فأمن من فرضيتها، فحينئذ تعود السنية لها.
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: أُنْزِلَتْ (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ)، وَلَمْ يَنْزِلْ (مِنْ الْفَجْرِ) فَكَانَ رِجَالٌ إِذَا أَرَادُوا الصَّوْمَ رَبَطَ أَحَدُهُمْ فِي رِجْلِهِ الْخَيْطَ الأَبْيَضَ وَالْخَيْطَ الأَسْوَدَ، وَلَمْ يَزَلْ يَأْكُلُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ رُؤْيَتُهُمَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدُ: (مِنْ الْفَجْرِ) فَعَلِمُوا أَنَّهُ إِنَّمَا يَعْنِي اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (رواه البخاري)، فهؤلاء الصحابة حَملوا الخيط على ظاهره، فلما نزل (مِنْ الْفَجْرِ) علموا المراد، انظر إلى الطاعة المطلقة بلا فلسفة أو جدال.
الأسودان التمر والماء
في الصحيحين عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: «أنها قالت لعروة: ابن أختي، إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، فقلت: يا خالة ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء»، فانظر إلى حالنا مع ألوان الطعام في رمضان، جاء في غريب الحديث: السواد للتمر خاصة دون الماء فنعتتهما جميعاً بنعت أحدهما، وكذلك تفعل العرب في الشيئين فيسمونهما باسم الأشهر منهما، فقالوا: سنة العمرين، وإنما هما أبو بكر، وعمر، وعن أنس قالَ: كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يُفطِرُ علَى رُطَباتٍ قبلَ أن يصلِّيَ فإن لم تكن رُطَباتٌ فعلى تَمراتٍ فإن لم تَكُن حَسا حَسَواتٍ مِن ماءٍ. (صحيح الترمذي).
وتتلون السماء بألوان زاهية خلابة بهية عند شروق الشمس أو غروبها، وكثيراً ما ألهم ذلك الرسامين والشعراء، عند الغروب أو الشروق يقطع الضوء المنبعث من الشمس مسافة في الغلاف الجوي أكبر من تلك التي يقطعها في النهار عندما تكون الشمس عمودية، ونتيجة لذلك يتشتت الضوء في المساء أكثر، كما أن سماكة الغلاف الجوي تجعل الضوء الأزرق يتشتت فتقّل كميته الموجهة نحو أعيننا فلا يصل إلينا إلا القليل منه مقارنة بالألوان المائلة إلى الأحمر.
الشروق وأجر حجة
جاء في فضل الجلوس للذكر بعد الفجر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ» (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).
قال الشنقيطي: «وهذا الفضل له شروط:
أولها: أن يصلي الفجر في جماعة، فلا يشمل من صلى منفرداً، وظاهر الجماعة يشمل جماعة المسجد وجماعة السفر وجماعة الأهل إن تخلف لعذر، كأن يصلي بأبنائه في البيت، فيجلس في مصلاه.
ثانياً: أن يجلس يذكر الله، فإن نام أو جلس خاملاً ينعس لم يحصل له هذا الفضل، إنما يجلس تالياً للقرآن ذاكراً للرحمن، أو يستغفر، أو يقرأ في كتب العلم، أو يفتي، أو يجيب عن المسائل، أو ينصح غيره، فإن جلس لغيبة أو نميمة لم يحز هذا الفضل؛ لأنه إنما قال: «يذكر الله».
ثالثاً: أن يكون في مصلاه، فلو تحول عن المصلى ولو قام يأتي بالمصحف، فلا يحصل له هذا الفضل؛ لأنه فضلٌ عظيم، وهو حجةٌ وعمرة تامة تامة، فهذا فضل عظيم، وتحصيل الفضل العظيم يكون أكثر عناءً وأكثر نصباً، فيحتاج إلى أن يتكلف العبد في إصابة ظاهر هذه السُّنة، فيجلس حتى تطلع الشمس، ثم يصلي ركعتين» (شرح زاد المستقنع).
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أقْبَلَ اللَّيْلُ مِن هَا هُنَا، وأَدْبَرَ النَّهَارُ مِن هَا هُنَا، وغَرَبَتِ الشَّمْسُ فقَدْ أفْطَرَ الصَّائِمُ» (رواه البخاري)، فالعبرة بغروب الشمس، أي غيبتها عن أهل البلدة، ولو كانت طالعة على من بعدهم، ومن السُّنة تعجيل الفطر لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في البخاري: «لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ».
عن أبي موسى الأشعري قال: صلينا المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قلنا: لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء، قال: فجلسنا فخرج علينا فقال: «ما زلتم ها هنا»، قلنا: يا رسول الله، صلينا معك المغرب ثم قلنا نجلس حتى نصلي معك العشاء، قال: «أحسنتم» أو «أصبتم»، قال: فرفع رأسه إلى السماء، وكان كثيراً مما يرفع رأسه إلى السماء، فقال: «النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى لأمتي ما يوعدون» (رواه مسلم).
يقول الإمام النَّووي في شرحه: «قال العلماء: الْأمَنَة الأمْن والأمَان، ومعنى الحديث: أن النجوم ما دامت باقية فالسماء باقية، فإذا انكدرت النجوم وتناثرت في القيامة، وهَنَت السماء فانفطرت وانشقت وذهبت»، وفيه: بيان أن بقاء النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمان لأصحابه وبقاء أصحابه أمان للأمَّة.
ألوان أوراق المصحف
استحب العلماء كتابة المصاحف، وتحسين كتابتها وتجويدها، والتأنق فيها، واستحبوا تبيين الحروف وإيضاحها وتفخيمها، والتفريج بين السطور، وتحقيق الخط، ويذكرنا ذلك بألوان مداد الأقدمين وجهودهم.
ويستحب في رمضان استحباباً مؤكداً مدارسة القرآن الكريم وكثرة تلاوته، وتكون مدارسته بأن يقرأ على غيره، ويقرأ غيره عليه، ودليل الاستحباب أن جبريل كان يلقى النبي صلى الله عليه وسلم في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن.
وللفقهاء في المفاضلة بين القراءة في المصحف، أو عن ظهر قلب، اتجاهات:
1- أن القراءة من المصحف أفضل؛ لأن النظر فيه عبادة فتجتمع القراءة والنظر.
2- أن القراءة عن ظهر قلب أفضل؛ لأن المقصود من القراءة التدبر.
3- قال النووي في الأذكار: «إن كان القارئ من حفظه يحصل له من التدبر والتفكر وجمع القلب أكثر مما يحصل له من المصحف، فالقراءة من الحفظ أفضل، وإن استويا فمن المصحف أفضل، وهو مراد السلف» (نقلاً عن الموسوعة الفقهية الكويتية).