فقد مجمع اللغة العربية بمصر “مجمع الخالدين” أقدم الأعضاء سنًا به، وهو العالم الجليل د. أحمد علي الجارم، أستاذ الأمراض المتوطنة بكلية الطب جامعة القاهرة، عن عمر يناهز 93 عاماً؛ بعد مسيرة علمية متميزة.
ويطلق على المجمع المصري “مجمع الخالدين” طبقاً للقانون الصادر في عام 1934م، الذي يعطي الأعضاء عضوية مدى الحياة.
ونعى “مجمع الخالدين”، أمس الأحد 12 سبتمبر، الفقيد، موضحاً، في بيان وصل مراسل “المجتمع”، أن الراحل عالم رائد في الدراسات الطبية، وله جهد بارز في المجمع، وهو ابن الشاعر والمجمعي الكبير الراحل علي الجارم.
وأسهم الفقيد في أعمال لجان كثيرة في المجمع، منها: لجنة المصطلحات الطبية، ولجنة اللغة العربية في التعليم.
وانتُخب الراحل عضوًا بمجمع اللغة العربية في عام 2003م، في الكرسي الذي خلا بوفاة د. حسن علي إبراهيم.
رفض تسييس المجمع وحذر من استمرار استهدافه
واقتصر النعي، بحسب ما رصد مراسل “المجتمع”، على الوسط الثقافي في مصر الذي يقدر قيمة الراحل، رغم جهوده البارزة في المجال الطبي بمصر، وسط تجاهل إعلامي واسع.
ونعاه الناقد الكبير د. خالد فهمي، في تدوينة على صفحته الرسمية على موقع “فيسبوك” قائلاً: خالص العزاء في أ. د. أحمد علي الجارم، عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة، نجل الشاعر الكبير على الجارم، رحمه الله تعالى، وغفر له، وربط على قلوب أهله ومحبيه وعارفي فضله.
ونعي د. محمود صقر، رئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، الراحل، مؤكداً أنه صاحب مسيرة علمية حافلة بالعطاء والإنجاز.
مسيرة متميزة
وحصل الفقيد على بكالوريوس الطب والجراحة بطب القاهرة، في ديسمبر 1950م، ودبلوم طب المناطق الحارة وصحتها بطب القاهرة، في نوفمبر 1954م، ودبلوم الأمراض الباطنة العامة بطب القاهرة، في أكتوبر 1955، ودكتوراه الأمراض الباطنية العامة بطب القاهرة، في مايو 1958م، وابتُعث إلى لندن بإنجلترا لما بعد الدكتوراه عام 1962م.
وللدكتور الجارم مكانة علمية متميزة أهَّلته لعضوية عدد كبير من المؤسسات العلمية والأكاديميات، فهو عضو مجلس إدارة معهد تيودور بلهارس بوزارة البحث العلمي، ورئيس شعبة الأمراض المتوطنة والمعدية بالجمعية الطبية المصرية، وعضو مجلس البحوث الطبية بأكاديمية البحث العلمي، وعضو هيئة المكتب ورئيس لجنة البلهارسيا بالمجلس، وعضو لجنة الأمراض المشتركة، وعضو بأكاديمية نيويورك للعلوم، وعضو مجلس إدارة وحدة أمراض الكبد ووحدة مناظير الجهاز الهضمي بكلية الطب جامعة القاهرة، ورئيس قسم طب الأمراض المتوطِّنة بطب القاهرة سابقًا.
اهتم بتراث والده وقدم جهداً في المصطلحات الطبية
وللفقيد كذلك بحوث علمية رائدة في أمراض الجهاز الهضمي، حيث بادر مع زملائه بمجرد التحاقه بقسم طب الأمراض المتوطنة بكلية طب القاهرة 1953م بالتصدي للمشكلات الطبية الأكثر انتشارًا في مصر والبلاد الإفريقية، مثل: البلهارسيا والأميبا والملاريا والأمراض الكبدية الفيروسية، وله بحوث رائدة في هذا المجال تصل إلى ما يقرب من مائة بحث، كثير منها منشور بالدوريات الطبية الأجنبية.
وهيأت المكانة العلمية للجارم أن يترأس ويشارك في أغلب المؤتمرات المحلية في مجال الكبد والجهاز الهضمي والأمراض المتوطنة والأمراض المعدية، بالإضافة إلى تمثيله لمصر في بعض المؤتمرات العلمية بالخارج وإلقائه بحوثه الخاصة بها.
وتظهر جهود الفقيد العلمية بارزة في الأقسام العلمية والمعاهد التي أنشأها أو أشرف عليها أو شارك فيها، خاصة في كلية الطب بالقاهرة وجامعة الأزهر وجامعة طنطا.
ويُعتبر د. أحمد علي الجارم رائدًا في هذه الدراسات الطبية المهمة، وله مدرسة علمية متميزة تؤدي دورًا كبيرًا في مجال الأمراض المتوطنة والمعدية، وأمراض الكبد، والجهاز الهضمي.
أدب أبيه
ود. الجارم كان وفياً لذكرى والده الشاعر الشهير والمجمعي الكبير علي الجارم، وعلى الرغم من عدم إعادة طبع تراث أبيه الأدبي عام 1946م نتيجة الرقابة على البلاد في ذلك الوقت، فإنه ما إن أُلغيت هذه الرقابة حتى بدأ في نشر هذا التراث شعرًا وأدبًا ولغة.
وبفضل الابن ظهر ديوان الجارم الأب في طبعات متتالية، حيث جمع جميع شعره، وكتاب “جارميات” الذي يحوي مقالاته وبحوثه الأدبية واللغوية، وكتاب “سلاسل الذهب” الذي يحتوي على كل القصص التاريخية التي دبجها علي الجارم الذي كان رائدًا للقصص التاريخية في عصره.
وقام الفقيد، في وقت سابق، بجمع أغلب البحوث والمقالات عن أبيه شاعرًا وأدبيًّا ولغويًّا، في كتاب “الجارم في ضمير التاريخ”، و”الجارم في عيون الأدباء”، ووضع كتاب “الجارم ناثرًا”.
ولمكانة د. أحمد الجارم العلمية المتميزة ولجهوده في المجال الطبي، فاز بجائزة الدولة للإبداع في العلوم الطبية عام 1997م (وهي التي تعادل جائزة الدولة التقديرية)، وجائزة النيل في العلوم الطبية عام 2017م.
برز في المجال الصحي وتصدرت بحوثه المؤتمرات
شهادة للتاريخ
وفي آخر حواراته، كشف أقدم أعضاء مجمع اللغة العربية الراحل في مقابلة مع صحيفة “الأخبار” الحكومية، نهاية الشهر الماضي، أن المجمع الآن دخل في طريق مسدود بدرجة ما بعدما تدخلت السلطات المصرية في الإطاحة برئيس المجمع العالم الأزهري الكبير د. حسن الشافعي لصالح تعيين الناقد البارز د. صلاح فضل.
ونفى الفقيد في شهادته ما يُشاع عن تربيطات داخلية وتكتلات إخوانية، بعد هجوم البعض على المجمع مؤخراً.
وأكد الفقيد، في شهادته، أن التربيطات الداخلية غير حقيقية، خاصة أنه يُشاع أنها تتم بين أبناء كلية بعينها أو زملاء بأعينهم؛ وما كتبه البعض في الصحف عن إخوانية المجمع «كذب» وغير حقيقي؛ فالدكتور حسن الشافعي نجح في الانتخابات أول مرة واستمر 4 سنوات، ونجح في الدورة التالية، وترشح في المرة الثالثة ونجح كذلك؛ لأن الأعضاء لا يتسابقون إلى رئاسة المجمع فأهدافهم علمية.
وحذر الراحل من أن البعض يريد دفع المجمع إلى الدخول في السياسة قائلاً: أنا أرفض هذا، فالمجمع لا علاقة له بالسياسة ولا علاقة له بالإخوان.
ونفى د. الجارم كذلك وجود تنافس آخر بين العلميين واللغويين داخل المجمع، مؤكداً أنه كأحد العلميين أحترم اللغويين احتراماً كاملاً، وكذلك هم يحترموننا، لأننا علماء ولا توجد مثل هذه الصراعات بيننا، فالمجمع منزه عن ذلك، والأعضاء جميعاً فوق مستوى الشبهات من ناحية النضوج العلمي والفلسفي والذهني، وذلك فإنهم يُراعون مصلحة الوطن ومصلحة المجمع والغرض العلمي الذي يعملون عليه.