محمد أيوب (*)
أدى انتصار “طالبان” والخروج الأمريكي من أفغانستان إلى تغيير الوضع في المنطقة بطرق متعددة، اتسم رد فعل العديد من جيران أفغانستان الذين لديهم مصالح كبيرة في البلاد على هذه التطورات بالتردد، فلقد عبرت باكستان، المصدر الخارجي الرئيس للدعم الخارجي لـ”طالبان” وداعمها الأساسي في المجتمع الدولي، عن ابتهاجها لوصول “طالبان” إلى السلطة في أفغانستان لأنها تخدم أهدافها الإستراتيجية في مواجهة خصمها التقليدي، الهند.
في الوقت نفسه، واجهت المؤسسات العسكرية والمدنية الباكستانية هذه التطورات بدرجة من الذعر، فهم قلقون من أن يؤدي عودة “طالبان” إلى السلطة إلى تنشيط العناصر الإسلامية المتطرفة في باكستان التي تعمل على تغيير النظام السياسي في البلاد إلى نظام إسلامي “أصيل”، ويشعر الجيش بالقلق بشكل خاص لكون تقدم “طالبان” أفغانستان يعتبر دعماً لـ”طالبان” الباكستانية الذين خاضوا معارك كبرى ضد الجيش الباكستاني في الماضي، ويمكن أن يشكلوا مرة أخرى تحديًا كبيرًا لأمن باكستان.
وبالمثل، فإن الصينيين والروس سعداء برؤية الأمريكيين يتعرضون للإذلال؛ لأن ذلك يقوض مكانة واشنطن، وبالتالي يعزز مكانة الصين دوليًا، ومع ذلك، تشعر كل من بكين وموسكو بالقلق من تأثير انتصار “طالبان” على السكان المسلمين المضطربين في شينجيانج والقوقاز، فمجموعات من الثوار المكونة من الإيغور والشيشان تنشط في أفغانستان وقد تلقت دعمًا من “طالبان” وتشكيلات إسلامية أخرى، وكانت هناك جماعات ثائرة من أوزبكستان ودول آسيا الوسطى الأخرى المتحالفة مع روسيا تدعم أفغانستان في المناطق التي تسيطر عليها “طالبان”.
إيران ضمن الفئة التي تضم الصين وروسيا ولكن مع فارق كبير، فبينما تنظر الصين وروسيا إلى الولايات المتحدة على أنها منافس، تعتبر إيران أمريكا قوة معادية (الشيطان الأكبر) ملتزمة ليس فقط بتدمير النظام الإيراني، ولكن أيضًا لدفع الأمة إلى الفقر المدقع وإعاقة الدولة حتى لا تحتل مكانتها الصحيحة في مجاملة الأمم، كما ترى إيران أن الولايات المتحدة هي وكيل “إسرائيل”، الخصم الإقليمي الرئيس لإيران، المصممة على تدمير أي شكل من أشكال القدرة النووية الإيرانية من خلال شن هجمات سرية على المنشآت النووية الإيرانية واغتيال علمائها النوويين.
لهذا السبب كانت إيران أكثر حماسة من الصين أو روسيا في الترحيب بانتصار “طالبان”، ليس لأن طهران تحب “طالبان” ولكن لأنهم طردوا القوات الأمريكية من جوار إيران، ويرى النظام الإيراني أن الانسحاب الأمريكي المفاجئ وغير المنضبط سيؤثر على مصداقية أمريكا بين حلفائها، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وهما الخصمان الرئيسان لإيران في الخليج، مما يضعف عزمهما على منافستها في المنطقة.
تنظر إيران أيضًا إلى الانسحاب الأمريكي على أنه علامة على ضعف الرئيس جو بايدن، التي يمكن أن تستفيد منها خلال المفاوضات المستمرة الهادفة إلى إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة التي تخلى عنها سلف بايدن دونالد ترمب في عام 2018.
الحكومة الإيرانية الجديدة في عهد الرئيس إبراهيم رئيسي سبق أن أوضحت أنه رغم أنها مستعدة للعودة إلى القيود المفروضة على برنامجها النووي بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، فإنها لن تفعل ذلك إلا إذا تم تلبية مطالبها الرئيسة الثلاثة، على الولايات المتحدة أن ترفع على الفور جميع العقوبات التي فرضتها إدارة ترمب، وأن تقدم تعهدًا صارمًا بأنها لن تنسحب من جانب واحد من الاتفاقية في المستقبل، ويجب ألا تسعى إلى ربط أي قضايا أخرى، مثل برنامج الصواريخ الإيراني أو سياساتها الإقليمية، بإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة.
وإيران ليست في عجلة من أمرها للعودة إلى الاتفاق، وهي في الواقع تستخدم التهديد بحدوث اختراق نووي وشيك للضغط على إدارة بايدن لقبول شروطها المسبقة للعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة.
يمكن أن تسهم العلاقات الإيجابية بين إيران و”طالبان” أيضًا في إضعاف الموقف التفاوضي الأمريكي بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة، ومع أن طهران قد تقلل من شأن كراهيتها الدينية – الأيديولوجية تجاه “طالبان”، لكنها لم تنس “الفظائع” التي ارتُكبت ضد السكان الشيعة الهزارة في ظل نظام “طالبان” الأول، كما أنها لم تنس قتل “طالبان” لعشرة دبلوماسيين إيرانيين في مزار شريف عام 1998، وهو الحدث الذي دفع إيران وأفغانستان إلى شفا الحرب، ومع ذلك، فإن الهدف المشترك للحزبين المتمثل في إجبار الولايات المتحدة على الخروج من أفغانستان قد تفوق على عداء إيران الأيديولوجي تجاه “طالبان” والكره الديني لها.
والنهج العملي الذي تتبعه إيران تجاه “طالبان” مدفوع أيضاً باهتمامها بتأمين حدودها الشرقية ضد مهربي المخدرات واللاجئين، وقبل كل شيء، الجماعات المعادية مثل البلوش.
وترى طهران أن نظام “طالبان” لا غنى عنه في توفير مثل هذا الأمن، كما تحرص إيران على بيع الوقود لأفغانستان وقد كثفت من الإمدادات منذ سيطرة “طالبان” على كابل، وأخيرًا؛ تعتبر إيران وجودها في أفغانستان ضروريًا لمواجهة ما تعتبره التأثير السعودي والباكستاني على نظام “طالبان”.
سياسة “عِشْ ودعْ غيرك يعِشْ” الإيرانية فيما يتعلق بـ”طالبان” هي جزء من سياستها الإقليمية الأوسع لتعزيز وتوسيع نفوذها لضمان أمنها وإبقاء القوى المعادية لها في مأزق، فقد فعلت ذلك عند حدودها الغربية، حيث أصبحت المليشيات المدربة والممولة من إيران لاعبين سياسيين وعسكريين مهمين في العراق، ويؤدي “حزب الله”، أقدم حليف لإيران في العالم العربي، دورًا سياسيًا أكبر في لبنان، وأصبح شريكًا لا غنى عنه في أي الائتلاف الحاكم في البلاد، قد لا تكون “طالبان” شريكًا مطيعًا مثل المليشيات الشيعية العراقية، لكن الحفاظ على العلاقات الجيدة سيوفر لإيران قدرًا أكبر من الأمن على حدودها الشرقية، وسيقلل من قدرة قوى أخرى مثل الصين وروسيا وباكستان على الإضرار بالمصالح الإيرانية في أفغانستان بموقعها الإستراتيجي عند تقاطع الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وجنوب آسيا.
_______________________________________________
(*) أستاذ فخري متميز في العلاقات الدولية بجامعة ولاية ميشيغان.