يعتبر فتحي باشاغا أحد أبرز قادة مصراتة العسكرية والسياسية، ويعتبر مجلسه أحد أهم أربعة مجالس في مصراتة التي تجتمع بها القيادات العسكرية والسياسية.
برز دوره بداية في ثورة فبراير كأحد القادة العسكريين ومنسقا عن ثوار مصراتة مع حلف الناتو، كما أسس وقاد كتيبة حطين أحد أهم كتائب مصراتة، كتيبة تتميز بأن غالبية مقاتليها تنحدر من ذات قبيلة باشاغا وهي قبيلة أولاد بعيو.
في السنوات الأولى من عمر ثورة فبراير لم يعرف على باشا آغا أي ممارسة سياسية ذات قيمة على الأقل علنيا، الظهور السياسي البارز له كان من خلال الترشح لانتخابات مجلس النواب عام 2014 وتمكنه من الظفر بأحد مقاعد المجلس، لكنه قاطع الجلسات، ثم تردد اسمه أثناء حرب فجر ليبيا كمحرك رئيسي للعمليات العسكرية، قبل أن يعود مرة أخرى ويصبح أحد أهم عرابي اتفاق الصخيرات، ثم غاب اسمه عن الأوساط لفترة قبل أن يعود مرة أخرى كوزير للداخلية في حكومة الوفاق الوطني بعد ما سمي في ذلك الوقت بحرب “الكانيات” الثانية.
برز دور باشاغا كوزير للداخلية وكذلك كأحد أهم قيادات الحرب ضد حفتر أثناء هجوم الأخير على طرابلس في أبريل 2019، كما كانت له صدامات مع بعض التشكيلات المسلحة في كل من طرابلس والزاوية.
باشاغا يرى أنه أكبر من أن يعمل وزيرا بحكومة الدبيبة وللدبيبة تحالفات تتعارض مع إعطاء باشاغا أي منصب فعلي
وفي تطور أخر، ترشح باشاغا لرئاسة حكومة الوحدة الوطنية ضمن قائمة مشتركة مع عقيلة صالح أثناء الحوار الوطني في جنيف في 2021، لكن تلك القائمة لم تنل أغلبية أصوات اللجنة، فخسر بفارق خمسة أصوات عن عبد الحميد الدبيبة.
من جديد، غاب باشاغا عن الأوساط مرة أخرى بعد أن تسلمت حكومة الوحدة الوطنية مهامها رسميا، لكنه أعلن لمقربين منه بأنه سيكون معارضا للحكومة، رغم ما صرح به عبد الحميد الدبيبة أثناء اجتماعه بقيادات مصراتة فور إعلان فوزه برئاسة الحكومة، بأنه يرحب بالتعاون مع كل قيادات مصراتة بما في ذلك فتحي باشاغا، لكن كلا الطرفين لم يقدم على التعاون فعليا إذ كان باشاغا يرى أنه أكبر من أن يعمل كوزير في حكومة الدبيبة، بينما كانت للدبيبة تحالفات سياسية وعسكرية تتعارض مع مبدأ إعطاء باشاغا لأي منصب فعلي.
بعد أن أصدر مجلس النواب قانون الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في الرابع والعشرين من ديسمبر 2021، تهيأ باشاغا للترشح للانتخابات الرئاسية، وتقدم بملفه فعليا بعد أن تم فتح الباب أمام المرشحين لتقديم أوراقهم، وفي ذات الوقت تداولت أخبار عن تحالف يجري الإعداد له مع حفتر بوساطة من المخابرات المصرية على وجه الخصوص، قبل أن يتم الإعلان فعليا عندما أقدم باشا آغا في خطوة بدأت مفاجئة زار فيها مدينة بنغازي رفقة مرشحين رئاسيين آخرين والتقى بخليفة حفتر هناك، وبذلك بدأ تداول ما أشيع بأنه تمهيد لتشكيل حكومة جديدة ربما تكون برئاسة باشاغا، بعد أن تم تأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى نتيجة عدم قدرة المفوضية على إعلان القائمة النهائية للمرشحين.
ما حجم فرصة رئاسة باشاغا لأي حكومة قادمة؟
فرصة باشاغا في رئاسة الحكومة الجديدة يرتبط بثلاثة عوامل رئيسية، أولها كيفية فرض حكومة جديدة بديلة عن حكومة الوحدة الوطنية، إذ أن الطرق أمام ذلك لا تبدو مفتوحة حتى الآن خاصة مع إعلان الدول الكبرى أنها تدعم استمرار الحكومة الحالية حتى إجراء انتخابات جديدة، وبالتالي فإن فرض حكومة جديدة لن يتم عبر عمل عسكري بكل تأكيد خاصة وأن في ذلك مخاطرة في تقسيم مصراتة والمنطقة الغربية فعليا، أما الخياران الآخران فيمكن أن يكونا عبر سحب الثقة من الحكومة من قبل مجلس النواب في وقت قريب، أو الانتظار حتى نهاية فترة عمل الحكومة المقررة وفق الاتفاق السياسي بثمانية عشر شهرا قابلة للتمديد لستة أشهر أخرى إذا لم تتمكن الحكومة في إنجاز بعض المهام، وفي كلتا الحالتين لن تقبل حكومة الدبيبة الخروج من المشهد بسهولة خاصة في ظل التحالفات السياسية والعسكرية التي تملكها والتي يعتبر بعضها مناهضا بشكل كبير لباشاغا.
الطرق أمام حكومة باشاغا لا تبدو مفتوحة حتى الآن مع إعلان الدول الكبرى أنها تدعم استمرار الحكومة الحالية
العامل الثاني لفرصة باشاغا في رئاسة الحكومة إذا ما تم فرض حكومة جديدة، يرتبط بشكل أساسي بطبيعة التفاهمات مع خليفة حفتر، والدور الذي سيكون لهذا الأخير، إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يثق الطرفان ببعضهما ولو بنسبة 50%، فكلاهما لديه تاريخ وأهداف استراتيجية مختلفة وكلاهما يبتغي الحكم بشكل مطلق، وإن كان ذهاب باشاغا لبنغازي يعني أنه أكثر مرونة من حفتر بل وأكثر استعدادا للتنازل لصالحه، وهذا ما يقودنا للعامل الثالث وهو مدى قبول باشاغا كرئيس للحكومة سواء من قبل التحالفات القوية غربا أو التحالفات القبلية الفرعية شرقا، وهو موضوع يدرك باشاغا أيضا أنه محل شك ولذلك يتداول البعض أسماء معيتيق والمنتصر كبدائل قد يتم تقديمها لرئاسة الحكومة.
ما يمكن أن نؤكده الآن، أن باشاغا فعليا يعول على تكوين حكومة جديدة إذ لم يخفِ عداوته لحكومة الدبيبة منذ أن عاد من زيارته لبنغازي، كما أن الانتخابات لا تبدو مؤكدة حتى الآن، ويمكن استسقاء اتجاه باشاغا من التصريحات الأخيرة التي أدلى بها مستشاره أحمد الروياتي لأحد الإذاعات التونسية المسموعة، التي أكد فيها أن تشكيل حكومة جديدة ربما يكون قريبا لكنه لم يبدوا متأكد 100% ما إذا كان باشاغا سيكون رئيسا لها رغم ترجيحه لهذا الأمر بنسبة كبيرة.
الحلفاء والخصوم:
محلياً:
مبدئيا يمكننا أن نجزم بالحلفاء السياسيين لباشاغا، المتمثلين في كل من مرشحي الرئاسة عثمان عبدالجليل وأحمد معيتيق وزامونة ومحمد المنتصر، بالإضافة إلى مجموعة من النواب والحزب الديمقراطي ممثلا في رئيسه محمد صوان، كما أن تحالفه مع حفتر وعقيلة لا يزال متماسكا حتى الآن، لكن التحالفات العسكرية ليست مؤكدة في هذا الشأن إذ أننا ندرك يقينا قوة تحالفه مع عماد الطرابلسي نائب رئيس جهاز المخابرات والقائد الفعلي لجهاز الأمن العام، بالإضافة إلى كتيبة قبيلته حطين في مصراتة ومحمود بن رجب في الزاوية وعبدالحكيم الخيتوني آمر جهاز إنفاذ القانون التابع للداخلية، لكننا لا نستطيع الجزم يقينا بالتحالفات العسكرية المتبقية، لكن الصدام بين المجموعات المسلحة في طرابلس التي يعتبر بعضها عدوا تقليديا وقديما لباشاغا مثل كتائب مصطفى قدور وغنيوة وهيثم التاجوري وعبدالحكيم الشيخ ومعمر الضاوي في ورشفانة وأبوزريبة في الزاوية، قد يظهر هذا الصدام المزيد من حلفاء باشاغا العسكريين، لكن أهم الدروس التي تعلمناها في الشأن الليبي فيما يخص القوى العسكرية أن لغة المال والمصالح والسلطة قد تشكل تحالفات وتنقض أخرى بأسرع مما نتصور.
باشاغا فعليا يعول على تكوين حكومة جديدة إذ لم يخفِ عداوته لحكومة الدبيبة منذ أن عاد من زيارته لبنغازي
أما فيما يتعلق بالخصوم السياسيين، تشكل حكومة الدبيبة أهم هؤلاء الخصوم وهي حكومة لديها تحالفات واسعة بعضها معروف وبعضها غير معروف بشكل واضح، لكنها أيضا خسرت بعض التحالفات نتيجة استئثار عائلة الدبيبة بالكثير من المناصب والصفقات المالية والسياسية، وعدم منح الفرصة للكثيرين ممن كانوا يحاولون الاستفادة من الحكومة الجديدة سياسيا وماليا، وبالتالي فإن تخلي بعض الحلفاء عنها على طول الطريق أمر ممكن جدا.
دولياً:
حتى الآن يعتبر الموقف الدولي الواضح هو دعم حكومة الوحدة الوطنية، مع السماح لستيفاني وليامز بمحاولات أخيرة لعقد الانتخابات في موعد قريب، لكن هذا الموقف يستلزم أيضا ضمان إخراج سيف الإسلام والمرتزقة الروس من المشهد بشكل نهائي بالنسبة للأمريكيين والبريطانيين والاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص، لذلك فإن التراجع عن الدفع نحو الانتخابات وعلى أقل تقدير السكوت عن تشكيل حكومة جديدة، قد يكون خيارا مقبولا في وقت من الأوقات إذا تم التأكد من عدم القدرة على إجراء الانتخابات مع ضمان أن يلعب تحالف باشاغا وحفتر دورا مهما في الانقلاب على الروس وإخراجهم ربما بالقوة من المشهد، لكن الأمر يرتبط أيضا بتوازنات العلاقات الروسية التركية والدور المصري الإماراتي في المشهد الليبي، فتركيا من جهة لم تكن راضية تماما عن زيارة باشاغا لحفتر، بينما يلعب الإماراتيون والمصريون بالذات دورا مزدوجا من خلال التعامل مع الحكومة وتوقيع اتفاقيات معها وتيسير التواصل والتنسيق بين باشاغا وحفتر بدء من اجتماعات القاهرة التي دار الحديث حولها في سبتمبر الماضي.
أهم الدروس التي تعلمناها في الشأن الليبي أن لغة المال والمصالح والسلطة قد تشكل تحالفات وتنقض أخرى بأسرع مما نتصور
يجب هنا أن نشير إلى أن باشاغا يحظى بدعم أمريكي من قبل الإدارات الأمنية والعسكرية الوسطى التي سبق أن تعاونت معه لإعداد خطة تفكيك المليشيات في ليبيا، كما أن العقود التي وقعها مع كل وزارة الداخلية الفرنسية وشركة إيرباص الفرنسية وشركة روز الإنجليزية، دفعت علاقته مع الفرنسيين والبريطانيين إلى الأمام إلى حد كبير، لكن مدى محافظته على هذه العلاقة إلى الحد الذي يدفعهم لدعم مغامرته بإنشاء حكومة جديدة، ليس مؤكدا خاصة بالنسبة للبريطانيين الذين استاؤوا من تصريحاته حول السفارة البريطانية في ليبيا، وبالذات بالنظر للموقف البريطاني المعارض لتشكيل حكومة جديدة والموقف الأوضح ضد عدوان حفتر على طرابلس عام 2019.
بالخلاصة لا يمكن الجزم بالموقف الدولي من تشكيل حكومة جديدة بديلة لحكومة الدبيبة، لأنه موقف مركب شديد التداخل والتعقيد. فالدول المعنية بليبيا حريصة جدا على عدم إلحاق الضرر بمصالحها التي تحصلت عليها وكونتها في الإحدى عشرة سنة الماضية في ليبيا وأهمها استمرار بقاء وجود وكلائها الليبيين في مفاصل إدارة الدولة المختلفة، يساعدها في ذلك كل هذه القابلية من الرضا من جانب هؤلاء الوكلاء بالقيام بهذا الدور، وبالتالي فإن حجم فرصة باشا آغا بأن يكون رئيس الحكومة القادم لا يمكن أن تفهم بشكل جيد إلا في هذا الإطار.
____________________________
(*) إعلامي ليبي مقيم في تركيا.