تساءل الكاتب الصحافي عادل صبري في مقال له نشره موقع الجزيرة وقال : ماذا لو أقدمت الصين على غزو تايوان؟! هكذا تساءل رجل الأعمال مصطفى العربي، نجل شهبندر تجار مصر الراحل محمود العربي، في اجتماع ساخن لجمعية رجال الأعمال المصريين، الاثنين الماضي، استهدف إنقاذ الأسواق من توابع كارثة الغزو الروسي لأوكرانيا.
وتابع صبري: أحدث التساؤل حرجًا بين كبار رجال الأعمال الذين فضّلوا عدم ترديده على الإطلاق، بعضهم اندهش من طرحه في وقت يسعون فيه إلى الخروج من كارثة حلّت بمصانعهم وأعمالهم بعد أن أوقفت الحرب استيراد القمح، ورفعت بجنون أسعار النفط والغاز والمعادن والسلع كافة.
وأضاف صبري : رأى بعضهم أن السؤال في غير محله، وأنه نوع من سكب الزيت على النار المستعرة، بينما اتفق الجمع على أن الغزو الروسي أربك العالم، ويدفع الأسواق إلى مزيد من الكوارث غير محدودة الأفق ولا الزمن، ويهوي بملايين المصريين والعرب إلى حافة الجوع والبطالة.
وقال صبري: أعاد الرجل سؤاله بعد أن اعترف من حوله بتعذر العمل مع أسواق روسيا وأوكرانيا في ظل حرب ومقاطعة فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها على شركات الشحن والطيران والبنوك الروسية. جاءت الأرقام المخيبة للآمال حول مخاوف من تدهور الجنيه وغلق آلاف المصانع، وتوقّع الشباب منهم بأن تندلع حرب عالمية ثالثة، لتضع الجميع في حيرة أشد، سعوا للخروج منها بالقفز عليها خوفًا من مواجهة مصير أليم.
وأردف صبري: لم يأت السؤال من رجل سياسة، بل ممن اعتاد لغة الأرقام، أو اطلع عليها، وهي ليست من الغيب في شيء، بل تحدث على مدار الساعة في وسائل الإعلام. وللمصادفة صدر في اليوم ذاته، تقرير من البنك الدولي، يشرح فيه تداعيات “الحرب في أوكرانيا، على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”. يكشف التقرير، أن المنطقة التي لا تبعد عن مكان المعارك أكثر من 1000 كيلو متر “معرّضة لتداعيات عنف غاشم، ومما يبعث على الأسى، أنه قد تكون لها تبعات سلبية مضاعفة على مستويات الأمن الغذائي، وتعطّل سلاسل الإمداد، ومشكلات داخلية تخص كل بلد من بلدانها”. لم يكن غريبًا أن تتطابق نقاط المخاوف بين رجال الأعمال المصريين، وخبراء البنك الدولي، فكلهم يفهمون في لغة المال، وقد حصروها في استمرار صدمات أسعار الغذاء، والنفط والغاز، وهروب الاستثمارات إلى مناطق آمنة، وتراجع السياحة وتحويلات المغتربين.
وبين صبري أن المناقشة والتقرير ركّزت على الأضرار الطارئة، مع حدثٍ ظل بعضهم يعدّ وقوعه مستحيلًا، رغم أن الرئيس الروسي جهّز له بدقة، وأرسل قواته تحت سمع العالم وبصره، بينما الأنظمة والشعوب شاخصة أبصارها على رغيف الخبز والوقود، وما زال بعضهم يفكّر أن” تايوان ليست أوكرانيا” لمجرد أنها واقعة في أقصى أطراف شرق الكرة الأرضية، وليس لديها ما نهتم به، ولكن العارفين بأسرار التجارة والسياسة، يعلمون أن تايوان لديها الكثير بما يصيبنا في مقتل. فالجزيرة الصغيرة التي يتوعّد رئيس الصين ضمّها بالقوة إلى الوطن الأم، تمتلك 85٪ مما يحتاجه العالم من أشباه الموصلات، وأكثر من ذلك للشرائح والشبكات الكمبيوترية، وهي الكنز الذي تحتاجه الصين بنهم، ناقشه مجلس نواب الشعب، والمجلس الاستشاري، بعد أن تسببت القيود الأمريكية في حرمانها من الحصول على مكوناتها وأسرارها. تتعرض المصانع الصينية إلى خسائر فادحة بسبب نقص أشباه الموصلات التي تستخدم في المكونات الإنتاجية كلها، بداية من السيارات والهواتف والروبوت، وتشغيل الأجهزة والمعدات العسكرية. يكفي أن شركة هاواوي أيقونة التكنولوجيا الصينية فقدت 30٪ من مبيعاتها مع الحظر الأمريكي، وبسببه انخفض إنتاج السيارات في الصين والعالم، وصارت سمعة الصين الدولة الصاعدة في التكنولوجيا الفائقة على المحك، لأنها لا تملك المصانع ولا خبرات تايوان التي تتحكّم في أسواقها عالميًا!
وقال صبري : من الذكاء ألا نتجاهل كلام ابن شهبندر التجار، أو غيره، ففي غضون أيام أدى غزو روسيا لأوكرانيا، إلى قلب ما عرفناه خلال عقود من أفكار وممارسات في العلاقات بين الشعوب، فنحن لا نملك قوتنا، ولا خططًا للتصنيع، والعالم يتغيّر ولن يعود أبدًا كما كان قبل الغزو، فما بين الرئيس الروسي والصيني تحالف أعلنا عنه بتحد كبير يوم افتتاح أولمبياد بكين ٤ فبراير الماضي “لجعل العالم أكثر أمانًا بنظم استبدادية”، وعندما نرى الدب الروسي يسبح في مستنقع الحرب، علينا أن نضع نصب أعيننا سلوك الصين التي لا تتوقف عن تهديد تايوان، حيث تعهد شي باستعادة تايوان، خلال أعوام.
واضاف: بعد 29 يومًا من بيان شي وبوتين، تغيّرت لغة الصين بعد أن رأت قرارات مقاطعة الغرب وحلفائه لروسيا أثرت في اقتصادها، ومع ذلك تحافظ على الدعم غير المحدود لروسيا، ورغم أن تجارتها مع الغرب تبلغ 1.6 تريليون دولار، بما يزيد عشرة أمثال تجارتها مع روسيا، فإن “ولاءات بكين الحقيقية تكمن في موسكو” الشريك الذي يحكمه قائد ملهم لأقرانه في بكين، ويمنحها تكنولوجيا تصنيع السلاح والنفط والغاز والقمح والمعادن، بينما تبيعها الصناعات التكنولوجية التامة الصنع، وتهرّب له الدولار واليورو عبر بنوكها، والسلع عبر القطارات وشبكات التهريب على الحدود بين البلدين.
وتابع صبري: يعتقد خبراء أنه “إذا تمكّنت روسيا من الاستيلاء على أجزاء من أوكرانيا أو تثبيت نظام عميل وتحمل العقوبات الاقتصادية ـالتي تكسرها الصينـ فإن ذلك يمكن أن يشجع القوميين في الصين على النظر إلى تايوان ليفعلوا الشيء نفسه”. قد يؤجل شي السيطرة على الجزيرة، خوفًا من مواجهة عسكرية أو اقتصادية مع الغرب حتى يكون مستعدًا لغزو برمائي ناجح في التوقيت المناسب لمسيرته، والتجديد له في السلطة في نوفمبر المقبل. مع ذلك يظل السؤال مطروحًا؛ ماذا لو غزت الصين تايوان؟ ووقعت مواجهة مع الغرب؟ ونشبت حرب كبرى؟ ونحن نعتمد على استيراد مكونات مصانعنا وسياراتنا ومستشفياتنا وجميع أمرنا، إما على الصين، أو ما نشتريه من أشباه موصلات تنتجها مصانع تايوان.