أشار تقرير لمركز كارنيجي للشرق الأوسط إلى أنّ الرئيس التونسي قيس سعيّد فشل في التصدّي للتحديات الاقتصادية وصياغة رؤية اقتصادية للبلاد، مشيراً إلى أن سعيّداً لم يطرح خطة للخروج من الأزمة الاقتصادية والمالية الحادّة التي تفاقمت جرّاء الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة والمواد الغذائية نتيجة الحرب في أوكرانيا.
وأضاف التقرير، الذي نشره موقع مركز كارنيجي، الثلاثاء الماضي، أنّه بعد مرور أكثر من عام على استيلاء سعيّد على السلطة، لا ينفّك الوضع الاقتصادي في تونس يتدهور، في ظل نقص المواد الغذائية، ما أدّى إلى تنامي الإحباط والغضب في أوساط التونسيين.
ازدياد وتيرة الهجرة
وذكر التقرير أنه تم زيادة حادة في وتيرة الهجرة غير النظامية خلال العام 2022، إذ بلغ عدد التونسيين الذين وصلوا إيطاليا بحلول منتصف سبتمبر الماضي ما يزيد على 15 ألف شخص، مؤكداً أن الرقم الفعلي أعلى من ذلك، إذا أخذنا في الحسبان آلاف التونسيين الذين دخلوا أوروبا الغربية من خلال طريق بديلة عبر دول البلقان.
زيادة حادة في وتيرة الهجرة غير النظامية في تونس خلال العام 2022
وتمثّل هذه الأرقام أكبر موجة هجرة شهدتها البلاد منذ عام 2011، وتعبّر هذه الظاهرة عن مدى تدهور الوضع الاقتصادي في تونس، وفقدان الأمل لدى الكثير من التونسيين من إمكانية حدوث تعاف في المستقبل المنظور، وفق التقرير.
نظام رئاسي مطلق
واعتبر مركز كارنيجي، في تقريره، أنّ سعيّداً فرض نظاماً رئاسياً مطلقاً، ونجح في تحقيق 3 أهداف منذ استيلائه على السلطة في يوليو 2021، إذ ضمن تركّز السلطة في يديه، وعمل على إضعاف الاتحاد العام التونسي للشغل، وقام بتهميش حزب حركة النهضة الذي أدّى دوراً وازناً في العملية الانتقالية التونسية.
لكنّ سعيّداً عاجز، وفق التقرير، عن انتشال تونس من الأزمة الاقتصادية الذي تغرق فيها، فرغم التغييرات الكبيرة التي أدخلها على النظام السياسي، فإنه فشل في تحييد دور الجهات المتنفّذة والشركات الساعية إلى تحقيق الريع، التي منعت تطبيق السياسات الإصلاحية خلال العقد الماضي، كما فشل في تنفيذ إصلاحات هيكلية وتقديم رؤية اقتصادية طويلة الأمد إلى التونسيين.
وهذا العجز عن إجراء إصلاحات جريئة قوّض عملية توطيد المسار الديمقراطي، في حين أن العجز عن معالجة الأزمة الاقتصادية قد يكبّد سعيّداً كلفة باهظة ويمنعه من توطيد أركان نظامه.
ففي ظل مقاطعة الأحزاب السياسية الانتخابات، قد لا يكون البرلمان الجديد قادراً على العمل كمنبر لإيصال المطالب الاقتصادية وعقد النقاشات السياسية، ما قد يشرّع الساحة أمام سياسات الشارع التي قد تزعزع استقرار النظام السياسي الراهن.
البنك الدولي: نسبة النمو في عام 2023 أقل من 2%
آفاق ضبابية
وأشار التقرير إلى أنّ الاتفاق الأخير مع الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية) يعدّ خطوة نحو ضمان إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي، إلاّ أنّ الزيادة في الأجور التي أُقرّت بنسبة 3.5% سنويًا التي ستطبَّق لفترة 2023-2025، هي أقل بكثير من معدل التضخم.
وسيحمل تنفيذ الاتفاق مع الصندوق الدولي بعض المخاطر، فسيفاقم انخفاض مستويات المعيشة الناجم عن ارتفاع معدل التضخم، يضاف إلى ذلك أن إصلاح نظام الدعم، الذي يعتبر ركيزة أساسية لإبرام أي اتفاق مع صندوق النقد الدولي في المستقبل، سيلحق الضرر على الأرجح بالقدرة الشرائية للطبقات الوسطى التي تعتمد على الدولة، وذلك ما سيطرح مشكلات جديّة لقيادات المنظمة النقابية التي تُعتبر قاعدتها الشعبية الأساسية من الطبقة الوسطى.
وشدّد التقرير على أنّ الآفاق الاقتصادية في تونس لا تزال ضبابية، فالتعافي في مرحلة ما بعد الوباء يعتبر بطيئاً، فضلاً عن أن ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية بسبب الحرب في أوكرانيا يزيد من هشاشة الاقتصاد، ولا تزال استدامة القدرة على تحمّل الدين تثير قلقاً شديداً بسبب ارتفاع عجز المالية العمومية.
فيما توقّع صندوق النقد الدولي نمو اقتصاد تونس بنسبة 2.2% على امتداد سنة 2022 على أن تهبط النسبة إلى مستوى 1.6% سنة 2023 في وقت يعمل فيه وفد حكومي تونسي، في واشنطن، على وضع اللمسات الأخيرة لتوقيع اتفاق مالي.
وأوضح صندوق النقد الدولي، وفق تقرير أصدره، الثلاثاء، حول آفاق الاقتصاد العالمي لشهر أكتوبر 2022، أنّ عدم نشر بيانات تتّصل بالآفاق الاقتصادية لتونس خلال الفترة الماضية يعود إلى أنّ استمرار المحادثات التقنيّة معها حول اتفاق تمويل جديد.
134 ألف مؤسسة أغلقت أبوابها نهائياً و250 ألفاً غير قادرة على تسديد رواتب موظفيها
الاقتصاد مهدد بالانهيار
يأتي ذلك في وقت أكد فيه رئيس المنظمة الوطنية لرواد الأعمال ياسين قويعة، أمس الأربعاء، أن رقم معاملات المؤسسات وخاصة منها الصغرى والمتوسطة تراجع بما يقارب الـ70% بسبب نقص المواد الأولية والتضخم في العالم وفي تونس، وأسعار الصرف، وكذلك تراجع القدرة الشرائية للمواطن.
وأوضح قويعة، في ندوة صحفية، أن تراجع رقم المعاملات في ظل الظرف الاقتصادي الصعب يؤثر على ديمومة المؤسسات وعلاقة الأجير بالمؤسسة.
وأشار إلى أن أكثر من 134 ألف مؤسسة أغلقت أبوابها نهائياً، وهو رقم كبير، وفق تعبيره، إضافة إلى 250 ألف مؤسسة أي حوالي ربع الجسم المؤسساتي غير قادرة على تسديد الرواتب، قائلاً: “كأننا عدنا إلى أزمة “كوفيد”، هناك مؤسسات تعتمد سياسات تقشف وأخرى تفتح باب الانتدابات وهو ما سيؤثر على نسبة البطالة”.
وأفاد قويعة بأن الحلول الممكنة على المدى القريب تتمثل في ضغط البنك المركزي على البنوك لتوفير السيولة اللازمة وضخها لهذه المؤسسات التونسية التي تعاني من صعوبة الولوج للتمويل، واعتبر أن النسيج الاقتصادي مهدد اليوم بالانهيار.
وتسعى تونس، التي تواجه أزمة ماليّة خانقة، إلى التوصّل إلى اتّفاق مع صندوق النقد الدولي بشأن قرض يتراوح بين ملياري دولار و4 مليارات دولار؛ أي ما يعادل ما بين 5.6 مليارات دينار و13 مليار دينار على 3 سنوات.
نسبة نمو أقل
إلى ذلك، أبقى صندوق النقد الدولي تقديراته بشأن آفاق نمو الاقتصاد العالمي عند مستوى 3.2% خلال العام الجاري 2022، لكنّه خفّض توقّعه لنمو العام المقبل 2023 إلى 2.7%، أيّ بنسبة 0.2%، مع إمكانية أن يتراجع النمو إلى ما دون 2%.
وتوقّع التقرير ارتفاع معدل التضخم العالمي إلى 8.8% خلال العام الجاري، ليتراجع بعد ذلك إلى 6.5% في عام 2023، و4.1% في عام 2024، وذلك بعد أن كان عند 4.7% في عام 2021.