بعد أن أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد تعليق الحياة السياسية، في 25 يوليو 2021، واستحواذه على جميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، والبدء ببلورة مشروعه في بناء نظام سياسي جديد بدلاً من نظام الحكم البرلماني الذي تم التوافق عليه بموجب دستور 2014، كيف ستكون إفرازات النظام السياسي الجديد على حياة الشعب التونسي؟
صلاحيات مطلقة
أصدر الرئيس سعيد مرسوماً بإجراء استفتاء على نصوص دستوره الجديد الذي استطاع تمريره بنسبة مشاركة متواضعة بلغت 27%، بينما قاطع الاستفتاء 73% من الشعب التونسي، إلا أن الدستور أصبح نافذاً إذ أعطى الدستور الجديد الرئيس شبه صلاحيات مطلقة في حكم البلاد، وأبرز معالم هذه التعديلات التي وسعت صلاحيات الرئيس وانتقلت بالبلاد من النظام البرلماني وتوزيع السلطات في شكل الحكم إلى النظام الرئاسي المطلق بحيث أصبح من صلاحيات الرئيس:
– تعيين رئيس الحكومة وأعضاء الفريق الوزاري وإقالتهم وإنهاء مهامهم دون الرجوع إلى البرلمان، على أن تكون الحكومة مسؤولة في أعمالها أمام الرئيس وليس أمام أعضاء مجلس الشعب.
– حق الرئيس في إعلان حالة الطوارئ دون أي سقف زمني ودون أي رقابة من أي جهة تشريعية أو قضائية وجعلها سلطة مطلقة بيد الرئيس.
– لم ينص في الدستور على أي إجراءات تتعلق في عزل الرئيس مما جعل الرئيس محصناً من أي إجراء يمكن أن يطيح بسلطته مهما كانت الظروف.
– إنشاء غرفة ثانية للبرلمان (المجلس الوطني) للجهات والأقاليم يتم انتخابهم من أعضاء المجالس المحلية والمجالس الجهوية، وليس من الشعب مباشرة، وفي ذلك سعي لعدم إيجاد أي تكتل صلب داخل مجلس النواب يمكن أن يسقط حكومة الرئيس وتفريغ عمل البرلمان حتى من مهامه الهامشية المنصوص عليها في الدستور الجديد.
– إعطاء الرئيس صلاحية تعيين الوظائف العليا المدنية والعسكرية في الدولة بتنسيب من الحكومة المعينة من الرئيس دون أي دور لمجلس النواب في ذلك.
– تمتع الرئيس بحصانة طوال مدة رئاسته ولا يمكن ملاحقته عن أي عمل قام به أثناء رئاسته وفي إطار أداء مهامه.
– أعطى الدستور الجديد الحق للرئيس في طرح مشاريع قوانين، كما أعطى الرئيس الحق في اقتراح المعاهدات والاتفاقيات الدولية، ومنح الدستور الرئيس الحق في وضع ميزانية الدولة.
يمكن القول: إن الرئيس التونسي بهذه التعديلات الدستورية التي مررها وبمشاركة شعبية ضعيفة استطاع أن يحول تونس من النظام البرلماني وحكم المؤسسات وتقاسم السلطة وتوازنها إلى النظام الرئاسي بصلاحيات شبه مطلقة؛ مما ينذر بعودة حكم الاستبداد وحكم الفرد المطلق من جديد.
برلمان ديكوري مهمَّش
النظام السياسي الجديد الذي بناه الرئيس التونسي جعل من البرلمان مؤسسة ديكور سياسي لتجميل شكل النظام السياسي فقط، مؤسسة تعمل على هامش صناعة القرار والحياة السياسية في تونس، وجاءت التعديلات على عدة محاور في تهميش دور البرلمان، أهمها:
– تخفيض عدد أعضاء مجلس النواب من 217 إلى 161 نائباً.
– إنشاء غرفة تشريع ثانية تختار من الأعضاء من المجالس المحلية والجهويات ولا تختار من الشعب مباشرة.
– جعل الحكومة مسؤولة أمام الرئيس في أعمالها وليس أمام المجلس، وبذلك ليس من حق المجلس أن يمارس دور الرقابة على أعمال الحكومة.
– إعطاء البرلمان دوراً في التشريع وحجب الثقة عن الحكومة مما يسقطها دون الحق له في المشاركة مع الرئيس في تسمية الحكومة الجديدة وفريقها.
– السماح بالترشح بشكل فردي بعيد عن الترشح على القوائم الحزبية؛ مما سيجعل من مجلس النواب غرفة لإفرازات الجهويات والقبائل والمناطقية وغياب الأحزاب، وبذلك يتم تحويل القبائل إلى أحزاب سياسية موسمية.
إفرازات التعديلات على الحياة السياسية
– سيكون للرئيس سلطة سياسية مطلقة في إدارة حكم البلاد، وسيحضر شخص الرئيس ويغيب حكم المؤسسات، ويكون نظام الحكم نظاماً هرمياً يقوم على نقطة ارتكاز واحدة؛ مما يضعف الحوكمة في قيادة البلاد وقراراتها المصيرية.
– سيكون مجلس النواب مجلساً صورياً ديكورياً منزوع الصلاحية، فلا رقابة له ولا دور في أي عمل من أعمال الحكم؛ مما يجعله “بروازاً” لتجميل الحالة السياسية وحكم الفرد.
– سيكون الفرز لمجلس النواب على أساس جهوي ومناطقي وقبلي، وسوف تحل القبائل محل الأحزاب، وتتحول القبائل والتجمعات الجهوية إلى أحزاب اجتماعية مؤقتة في المواسم الانتخابية، وسوف تتعزز الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية التونسية الجامعة.
– سيتحول المجلس من مجلس رقابة وتشريع إلى مجلس خدمات و”لوبيات” للتكسب والشللية وتقاسم المكتسبات على أساس جهوي وعلى حساب العمل الرقابي والتشريعي والهم الوطني الجامع.
– ستكون الحكومة كل ما تسعى له نيل ثقة ورضا الرئيس، وسيكون المجلس آخر اهتماماتها ما دامت غير مسؤولة عن إهمالها وتقصيرها أمامه، وهذا سيحول المجلس على سبيل الفرض الساقط إن وصلت إليه الأحزاب إلى مجلس مناكفات سياسية؛ مما يجعل البلاد كعربة تجرها أحصنة باتجاهات معاكسة، وستدخل البلاد في حالة استعصاء سياسي.
النظام السياسي الذي تم تصميمه قام من أجل تعزيز حكم الفرد المطلق والسلطة المطلقة في مواجهة حكم المؤسسات؛ مما ينذر بإعادة تشكل الدكتاتورية السياسية في تونس من جديد، وبنص الدستور، وصدق من قال: “إن أسوأ الدكتاتوريات هي التي تولد من رحم الصندوق”.