بدأ وزراء ما يسمى حركة “الصهيونية الدينية” الذين فازوا في انتخابات “إسرائيل” بـ14 مقعداً من 120 مقعداً، وتسلموا قرابة 5 وزارات مهمة بينها الداخلية والمالية وشؤون الضفة الغربية، يدعون علناً إلى تطبيق الحكومة للشريعة اليهودية وتعاليم التوراة.
وقد زعم هؤلاء الوزراء أن تطبيق الشريعة اليهودية (المحرفة) فوراً فيه الخير لدولتهم الصهيونية؛ ما طرح تساؤلات حول أسباب رفض الدول العربية تطبيق الشريعة الإسلامية، وتسفيه أي تيار إسلامي يطالب بتطبيقها، ووصفه بـأنه يريد “أسلمة وأخونة الدولة”! بينما صمت العالم على مطالبة الصهاينة بذلك في “تل أبيب”.
ففي حوار أجراه زعيم الصهيونية الدينية “سموتريتش”، الذي تولي منصب وزير المالية مع المجلة الأسبوعية الحريدية “بمشبحاه” أو “العائلة”، ربط بين الازدهار الاقتصادي وتطبيق الشريعة اليهودية، عبر اقتباس ما ورد في التوراة: “إذا اتبعتم شريعتي فإن الأمطار ستهطل عليكم في وقتها”.
وقال: حال طبقنا تعاليم الشريعة، فإننا سننعم برغد اقتصادي وتحل علينا البركة، وهذا سيكون المنطلق الذي سأستند إليه في سياساتي الاقتصادية.
وأضاف: كلما طبقت “إسرائيل” تعاليم التوراة وتمسكت باليهودية وحرصت على أداء فريضة استيطان الأرض أكثر (سرقة أراضي الفلسطينيين)، فإن الرب سينعم علينا برغد اقتصادي كبير، وسنتمتع بالأمن أيضاً!
وقال المتطرف الصهيوني موجهاً حديثه لمن يرفضون ذلك في المجتمع “الإسرائيلي” من اليساريين: علينا أن نقرر: هل نحن يهود مؤمنون حقاً، أم نمارس الإيمان في الكنيس اليهودي فقط، وفي الخارج نستند إلى اعتبارات المجتمع العلماني؟!
قوانين التلمود
ولمحاولة تخفيف الانتقادات الدولية وخداع أنظمة التطبيع العربية، أكد رئيس الحكومة الصهيونية نتنياهو، في سياق مقابلة أجرتها معه الصحفية الأمريكية باري فايس ونُشرت أول ديسمبر الجاري على موقع “كومون سنس”، أن “إسرائيل” لن تخضع لقوانين التلمود.
لكن زعيم الصهيونية الدينية سموتريتش رد عليه قائلاً بوضوح: كلما دفعت الدولة قدماً بالتوراة وباليهودية وبتطبيق توطين البلاد وبالمزيد من الخير والمزيد من التكافل، فحينئذ سيدر الله علينا الخير الكثير.
وقد أثارت هذه الأقوال عدداً غير قليل من علامات الاستفهام في أوساط الجمهور “الإسرائيلي” العلماني، وتساءلوا: هل تعكس هذه الأقوال سياسة اقتصادية حقيقية، أبعد بكثير من الخطاب المعتاد حول زيادة مخصصات الطلاب في المدارس الدينية على أمل أن يؤدي ذلك إلى خير وفير، أم أنها محاولة للتحدث بلغة قراء هذه المجلة؟
الكاتب الصهيوني سامي بيرتس قال لصحيفة “هاآرتس/ذي ماركر”، في 11 ديسمبر الجاري: لم يكن سموتريتش هو أول من يعتمر القبعة الدينية ويعين وزيراً للمالية، فقد سبقه موشيه نسيم (الليكود)، الذي شغل هذا المنصب، لكن لا أحد من هؤلاء أحضر أي رؤية أو أجندة دينية توراتية إلى هذا المنصب.
وقال: إن سموتريتش عزف على وتر أن الحكومات “الإسرائيلية” جربوا الكثير من النظريات الاقتصادية؛ جربوا الرأسمالية والاشتراكية، ولكن بقي شيء واحد لم يجربوه، وهو النظرية الاقتصادية التي تسمى تطبيق التوراة.
وقال لهم: إذا طبقنا التوراة فسنحصل على خير اقتصادي وبركة كبيرة، وهذه ستكون رؤيتي الاقتصادية، وسيحضر إيمانه الديني إلى هذا المنصب.
وجاهر زعيم الصهيونية الدينية سموتريتش بأنه معني بتطبيق أحكام التوراة بدل القوانين الوضعية، فيما يطالب “الحريديم” -أي المتدينين اليهود- بتشريع لمأسسة الفصل بين الجنسين في المؤسسات العامة ويطالبون بفرض حرمة السبت بشكل متطرف.
روح الشريعة في التعليم
في هذا السياق أيضاً، وقع نتنياهو، وآفي معوز، زعيم حزب “نوعم” الديني المتطرف، على اتفاق يضمن انضمام الحزب للحكومة القادمة؛ حيث سيتولى معوز وزارة مسؤولة عن تعزيز مضامين الهوية اليهودية، وتعهد بإعادة صياغة برامج التعليم لتكون أكثر اتساقاً مع روح الشريعة اليهودية.
وقد رد نشطاء على ذلك مؤكدين على مواقع التواصل: عندنا في العالم العربي يغيرون المناهج لنيل رضا نتنياهو ومعوز، في إشارة لقيام دول عربية بتغيير مناهج التعليم وحذف آيات قرآنية وقصص دينية عن اليهود بعد التطبيع.
وقد بارك الحاخام حاييم دروكمان، كبير الحاخامات في الصهيونية الدينية، في مقابلة مع صحيفة “إسرائيل اليوم”، شكل كيان العدو المستقبلي في ظل صعود الأحزاب الدينية في الانتخابات قائلاً: لا مشكلة مع دولة الشريعة اليهودية (الهالاخا)، لا داعي للخوف منها.
ويقول الخبير الفلسطيني في الشؤون “الإسرائيلية” د. صالح النعامي: إن كل المؤشرات تدل على أن اليمين الديني اليهودي في “إسرائيل” مصمم على استغلال فوزه في الانتخابات في تحقيق هدفين رئيسين؛ محاولة حسم الصراع مع الشعب الفلسطيني، وهدم أسس النظام السياسي الداخلي وإرساء نظام بديل يمهد لبروز دولة الشريعة اليهودية.
وفيما يتعلق بتدشين نظام سياسي جديد، أوضح أن أحزاب الحكومة القادمة تصر على سن قانون يلغي صلاحيات المحكمة العليا، ويمنعها من الاعتراض على القوانين التي يسنها الكنيست والقرارات التي تتخذها الحكومة، بشكل يمكنها من تكريس الطابع الديني اليهودي لـ”إسرائيل”، ويحيلها إلى “دولة شريعة”.
لكن صالحاً اعتبر التوجيه لصياغة نظام سياسي جديد يعلي من شأن أحكام التوراة سيعزز الاستقطاب الداخلي بين المتدنيين والعلمانيين، وسيكرس الصدع المجتمعي المتعاظم داخل “إسرائيل” بشكل يقلص من قدرتها على مواجهة تحديات الصراع التي تعمل على تأجيجه.