هذا رجل كان مغرماً بالمعاصي والذنوب، لا يعرف من دنياه إلا اللهو والطرب والخنا والزنى، خرج في ليلة من الليالي بعد أن أكرمه الله بزوجة، ورزقه منها ببنت، وقد أكملت خمس سنين، ولكنه لم يعفّ نفسه، أباح له الله تعالى النكاح ولكنه ما عفّ فرجه.
خرج في تلك الليلة يبحث عن صاحب سوء ورفقة فاجرة يخالطها في المعصية، ذهب وبحث عنهم فإذا بهم قد سبقوه وغادروا، تضايق وأصيب بالحزن والحسرة والضيق والندم، رجع إلى البيت فإذا به يعوض تلك السهرة وتلك المعصية بفيلم خليع.
واسمع -يا عبد الله- إلى هذا النبأ العظيم، يجلس آخر الليل، أين زوجه؟ زوجته نائمة مع ابنتها الصغيرة في غرفة النوم، ويغلق على نفسه غرفة المجلس، وينظر إلى التلفاز وهو يشاهد فيلماً جنسياً خليعاً، أما يتقي الله؟! أما يستحيي من الله؟! لو قبض الله روحه في تلك الحالة تظنه كيف يبعث؟! يبعث على ما مات عليه، والله عزَّ وجلَّ في تلك اللحظات قد نزل إلى السماء الدنيا، وقد كان أقرب ما يكون من العباد، ويقول: «هل من داعٍ فأستجيب له؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟».
وهو غارق في شهواته، ومتلذذ بمعاصيه، ينظر إلى المحرمات، وفي لحظة من اللحظات يُفتح الباب، من الذي فتحه؟! ينظر! فإذا ابنته الصغيرة فتحت الباب، نظر إليها فأغلق التلفاز مسرعاً، فقالت له ابنته الصغيرة: يا أبي! اتق الله عيب عليك! اتق الله عيب عليك! فإذا به يرتجف وتهزه تلك الكلمات، ثم غادرت البنت إلى غرفة النوم ووقف على حاله، يفكر «يا أبي، عيب عليك، اتق الله، عيب عليك، اتق الله!».
يقول: فظللت أفكر في تلك الكلمات في سكون وهدوء الليل حتى قطع صمت الليل صوت -أتعرف ما هذا الصوت؟- الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، يقول: إنه صوت أذان الفجر، فإذا بي أذهب فأغتسل من الجنابة، وأذهب إلى المسجد متوجهاً إلى بيت الله، من الذي يشده؟ من الذي يدعوه؟ من الذي يهديه؟ إنه الله جل وعلا.
يقول: دخلت في صلاة الفجر، وفي السجدة الأخيرة أجهشت بالبكاء، فلما سلَّم الإمام ظللت أبكي، فسألني من بجنبي: ما لك يا فلان تبكي؟ قال: إليك عني سبع سنوات ما سجدت لله سجدة -سبع سنوات لو قبض الله روحه تظنه كيف يكون مصيره؟!- يقول: وظللت أبكي حتى طلعت الشمس وأنا أقرأ القرآن.
يقول: فذهبت إلى الدوام والعمل، ثم جلست مع صاحب لي في العمل وأخبرته بالقصة، فرجعت إلى البيت وصليت الظهر، فلما دخلت البيت فإذا الزوجة تبكي، قلت: سبحان الله! ما يبكيكِ؟! قالت: يا فلان! أدركنا، قلت: ما الخبر؟ قالت: ابنتك الصغيرة قد ماتت (ابنته الصغيرة التي قالت له: عيب عليك اتق الله، عيب عليك اتق الله).
يقول: أجهشت بالبكاء، واتصلت على صاحبي فصلينا العصر ودفناها، وأنا أقول للناس: والله إني لا أدفن ابنتي ولكنني أدفن النور الذي عرفت به طريق السعادة.
________________________
كتاب «دروس»، نبيل العوضي.