حوى المسجد الأقصى المبارك تحفة فنية، وهي ما اشتهر بين العامة باسم «منبر صلاح الدين»؛ نسبة للسلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي، والحقيقة أن الذي أمر بصناعة هذا المنبر لم يكن صلاح الدين، وإنما كان سلفه الملك العادل نور الدين محمود زنكي، وقد أمر ببنائه عام 564هـ/ 1168م، قبل تحرير «الأقصى» بتسعة عشر عاماً، فصنع المنبر في حلب وجهز ليتم وضعه في المسجد الأقصى المبارك بعد تحريره من الصليبيين، ولكنه توفي قبل أن يتمكن من وضعه فيه.
وجاء بعده صلاح الدين يوسف، فحرر بيت المقدس من الصليبيين، وأمر بإحضار هذا المنبر ووضعه داخل الجامع القبلي بالمسجد الأقصى وفاءً لأستاذه نور الدين محمود، وقد بقي هناك قريبًا من 800 عام في مكانه، حتى أُحرق عمداً على يد مستوطن صهيوني أسترالي يدعى دينيس مايكل روهان، في 21 أغسطس 1969م، بعد حوالي عامين من احتلال مدينة القدس من قبل الصهاينة؛ مما أدى إلى تدميره، ولم يبق منه إلا قطع قليلة وضع بعضها في المتحف الإسلامي بالمسجد الأقصى.
يذكر أن الملك العادل نور الدين محمود كان قد صنع ثلاثة منابر متشابهة في ذلك الوقت، وضع أحدها في مسجد حلب، والآخر خصص للمسجد الأقصى، أما الثالث فموجود اليوم في المسجد الإبراهيمي بمدينة الخليل، وهو ما دفع لإعادة صنع مثيله مرة أخرى فوضع في المسجد القبلي.
وكان في المنبر إمضاء شاهد على صناعته وصانعه وتاريخه، كان رسمه: «بسم الله الرحمن الرحيم، أمر بعمله العبد الفقير إلى رحمته الشاكر لنعمته المجاهد في سبيله المرابط لإعلاء دينه الملك العادل نور الدين ركن الإسلام والمسلمين منصف المظلومين من الظالمين أبو القسم محمود بن زنكي ابن آق سنقر.. في شهور سنة أربعة وستين وخمس مائة»،
وكتب على يساره قوله تعالى: «إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون».
نسأل الله أن يعيد على أمة الإسلام مسجدهم ويحرره من دنس المحتل.