استضافت جمهورية الهند القمة الـ18 من قادة مجموعة العشرين في نيودلهي، خلال الفترة من 9 – 10 سبتمبر 2023م، بمشاركة من قادة الدول الأعضاء وزعماء الدول الأخرى التي وجهت الهند الدعوة إليها للمشاركة في أعمال القمة.
حضر أعمال القمة رؤساء دول «مجموعة العشرين»، ما عدا روسيا والصين، وكذلك رؤساء 10 دول تم دعوتها من قبل الحكومة الهندية، ومنها 3 دول عربية؛ جمهورية مصر العربية، والإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عُمان (كضيف شرف).
اختارت الهند شعار قمة هذا العام مرتكزًا على زهرة اللوتس، تحت عنوان «أرض واحدة.. عائلة واحدة.. مستقبل واحد»، حيث ترى الهند أن الشعار والموضوع ينقلان رسالة قوية، وهي السعي لتحقيق نمو عادل ومنصف للجميع في العالم.
إن موضوع رئاسة الهند لمجموعة العشرين «فاسودهايفا كوتومباكام»، مستوحى من النص السنسكريتي القديم في مها الأوبنشاد الكتاب المقدس للهندوس، إنه يؤكد القيمة الجوهرية لجميع أشكال الحياة، بما في ذلك البشر والحيوانات والنباتات والكائنات الحية الدقيقة.
ركزت الهند في أجندة قمة العشرين لهذا العام على القضايا والملفات الأكثر إلحاحًا في الوقت الحالي، التي تشمل التحديات العالمية الكبرى، والسلام والاستقرار، والتنمية الخضراء، والحفاظ على المناخ والكوكب، وتسريع التقدم في أهداف التنمية المستدامة، والتحول التكنولوجي والبنية التحتية الرقمية، ومكافحة الفقر، والأمن الغذائي، وتمويل المناخ.
أعلنت الهند أيضاً في اليوم الأول من القمة قرار مجموعة العشرين بضم الاتحاد الأفريقي الذي يضم 55 دولة، وهو الكتلة الإقليمية الثانية التي تنضم إلى مجموعة العشرين بعد الاتحاد الأوروبي حيث رحب رئيس الوزراء مودي برئيس الاتحاد الأفريقي أزالي عثماني على طاولة الزعماء، وقال: إن ضم الكتلة الأفريقية من شأنه أن يعزز فعالية مجموعة العشرين.
وأطلق رئيس الوزراء الهندي مع قادة سنغافورة وبنغلاديش وإيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل والأرجنتين وموريشيوس والإمارات العربية المتحدة مبادرة التحالف العالمي للوقود الحيوي بهذه المناسبة.
كما شارك رئيس الوزراء الهندي والرئيس الأمريكي في رئاسة حدث خاص حول الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار والممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا على هامش القمة.
وسلّم رئيس الوزراء مودي في نهاية أعمال القمة رئاسة مجموعة العشرين إلى الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، واقترح عقد جلسة افتراضية لمجموعة العشرين في نهاية نوفمبر لاستعراض الموضوعات التي تم تحديدها في القمة.
إعلان نيودلهي
تم اعتماد «إعلان نيودلهي» لقادة مجموعة العشرين في اليوم الأول من القمة، الذي نص على التزام القادة بالأولويات التي تمت مناقشتها والاتفاق عليها خلال الاجتماعات الوزارية ومجموعات العمل المعنية.
كما توصل القادة إلى الإجماع على الفقرات المتعلقة بأوكرانيا المثيرة للجدل في اليوم الأول من أعمال القمة؛ الأمر الذي اعتبر إنجازاً كبيراً للهند، وضربة للغرب، حيث تمثل الوثيقة النهائية تحولاً في الموقف الذي اتخذته الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ومجموعة الدول السبع، وتخفف من الانتقادات اللاذعة الموجهة إلى روسيا التي تضمنها بيان مجموعة العشرين الذي صدر في بالي في العام الماضي.
أكد الإعلان أن تعاون مجموعة العشرين ضروري في تحديد المسار الذي سيتخذه العالم، حيث لا تزال الرياح المعاكسة التي تواجه النمو الاقتصادي العالمي والاستقرار مستمرة، وأدت سنوات من التحديات والأزمات المتتالية إلى تراجع المكاسب التي تحققت في خطة عام 2030م وأهداف التنمية المستدامة.
وشدد على أن فقدان التنوع البيولوجي والتلوث والجفاف وتدهور الأراضي والتصحر يهدد الأرواح وسبل العيش، ويساهم ارتفاع أسعار السلع الأساسية، بما في ذلك أسعار المواد الغذائية والطاقة، في ضغوط تكاليف المعيشة، وإن التحديات العالمية مثل الفقر وعدم المساواة وتغير المناخ والأوبئة والصراعات تؤثر بشكل غير متناسب على النساء والأطفال والفئات الأكثر ضعفاً.
ووافق على استغلال فرصة لبناء مستقبل أفضل، حيث أكد أنه من الممكن أن يؤدي التحول العادل في مجال الطاقة إلى تحسين فرص العمل وسبل العيش، وتعزيز القدرة الاقتصادية على الصمود، وسوف تتبع الدول الأعضاء نماذج تنموية تنفذ تحولات مستدامة وشاملة وعادلة على مستوى العالم.
ممر اقتصادي يربط الهند والشرق الأوسط وأوروبا
قامت الهند بتوجيه دعوة إلى الدول العربية لتشارك في القمة كضيف شرف؛ الأمر الذي يعتبر خطوة مهمة في مسار تعزيز العلاقات الثنائية بين الجانبين، وفرت مشاركة الدول العربية فرصة لمناقشة آفاق تعزيز الشراكة مع الهند وبجانب آخر، سنحت الفرصة لتبادل الآراء مع قادة دول العالم.
وكان من ضمن المناقشات إطلاق الممر الاقتصادي الذي يمر عبر منطقة الشرق الأوسط من الهند وأوروبا الذي يمثل خطوة وقراراً يؤثر بشكل إيجابي على المدى الطويل، ويجلب المنافع لكلا الجانبين، وتجب الإشارة إلى مدى أهمية المنطقة العربية ومساهمتها الاقتصادية المؤثرة على الاقتصاد العالمي، وذلك من خلال إطلاق ممر اقتصادي جديد يربط الهند والشرق الأوسط ومن ناحية أخرى دول أوروبية.
وتدعم الولايات المتحدة الأمريكية إنشاء الممر الاقتصادي وما تضمنته كلمة الرئيس الأمريكي جو بايدن، حيث يعد المشروع ممراً منافساً لمبادرة الحزام والطريق الصينية، وتأتي خطوة أمريكا للحد من تقليل هيمنة الصين الاقتصادية في المنطقة.
المملكة العربية السعودية
وقد شارك ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في أعمال القمة، حيث أبلغ الأمير السعودي تفاصيل توقيع مذكرة تفاهم بشأن إنشاء مشروع ممر اقتصادي جديد يربط الهند والشرق الأوسط وأوروبا، وقال الأمير: إنه تتويجاً لما تم العمل عليه خلال الفترة الماضية، أعلنت السعودية، والولايات المتحدة، والهند، والإمارات، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، والاتحاد الأوروبي، التوقيع على مذكرة تفاهم بشأن مشروع إنشاء ممر اقتصادي جديد يربط الهند والشرق الأوسط وأوروبا، ووصف المبادرة بأنها بلورة للأسس التي بنيت عليها، بما يُحقق مصالح المملكة المشتركة، ويعزز الترابط الاقتصادي مع شركائها من الدول الأخرى، وبما ينعكس إيجاباً على الاقتصاد العالمي بصورة عامة.
وأكد أن المشروع سيسهم في تطوير وتأهيل البنى التحتية التي تشمل سككاً حديدية وربطاً للموانئ لزيادة مرور السلع والخدمات وتعزيز التبادل التجاري، حيث سيشمل المشروع مد خطوط وأنابيب لنقل الكهرباء والهيدروجين، لتعزيز أمن إمدادات الطاقة العالمي، بالإضافة إلى كابلات لنقل البيانات من خلال شبكة عابرة للحدود ذات كفاءة وموثوقية عالية، وشدد على أن المذكرة ستعمل على تعزيز التكامل الاقتصادي والمساهمة في توفير فرص عمل جديدة ونوعية بما يحقق مكاسب طويلة الأمد على امتداد الممرات الجديدة العابرة للحدود.
الإمارات العربية المتحدة
وشارك الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، في أعمال القمة، نشرت الصحف الإماراتية تفاصيل هذه المشاركة؛ حيث ذكرت بأن دولة الإمارات تمكنت خلال مشاركتها الرابعة كضيف شرف لأعمال القمة وللمرة الثانية على التوالي، من ترسيخ مكانتها الإيجابية في مختلف القطاعات، بما يستهدف تعزيز الاستقرار والسلم العالميين، ويسهم في حشد الجهود العالمية لمواجهة التحديات المشتركة.
تجدر الإشارة إلى أن دولة الإمارات خلال أعمال قمة مجموعة العشرين شاركت في إطلاق التحالف العالمي للوقود الحيوي، الذي يهدف إلى تطوير وتعزيز استخدام الوقود الحيوي المستدام، ويساعد في تسريع الجهود العالمية لتحقيق أهداف صافي الانبعاثات الصفرية من خلال تسهيل التجارة في الوقود الحيوي المشتق من مصادر طبيعية، كما شاركت الدولة خلال فترة رئاسة الهند لمجموعة العشرين في نحو 25 اجتماعاً عقد على مدار العام ضمن المسارات المختلفة، كما حضرت الدولة في كافة اجتماعات «الشيبربا» ومجموعات العمل، بما يعبر عن التزامها بالمساهمة بفعالية في ملفات مجموعة العشرين.
سلطنة عُمان
وقد شارك أسعد بن طارق آل سعيد، نائب رئيس الوزراء لشؤون العلاقات والتعاون الدولي الممثل الخاص لسلطان عُمان، في قمة مجموعة العشرين التي استضافتها الهند.
وتسهم مشاركة عُمان كضيف شرف في القمة الـ18 لمجموعة العشرين في تعزيز وتنمية العلاقات الوطيدة مع دول الأعضاء في المجموعة، ودفعها نحو آفاق أرحب خاصة في مجالات السياحة والصحة والزراعة والطاقة البديلة والتعليم والتحول الرقمي.
إن مشاركة عُمان في اجتماعات القمة أتاحت لها الفرصة للتعرف على آليات اتخاذ القرار العالمي في المجالات السياسية والاقتصادية والمالية وغيرها من المجالات من خلال الاتصال المباشر مع صناع القرار في الدول المتقدمة، والاطلاع على سبل تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
جمهورية مصر العربية
من جانبه، شارك الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في أعمال قمة مجموعة العشرين، وألقى كلمته في الجلسة الثالثة والختامية للقمة، وأثار فيها قضايا التنمية والتحول التكنولوجي لزيادة الإنتاجية والديون والمناخ وتوفير فرص جديدة للنمو والاستثمار، كما دعا الرئيس السيسي إلى معالجة التحديات القائمة قبل أن تستفحل، وأن هناك حاجة ملحة لمعالجة إشكالية ديون الدول النامية، وأعرب عن تصاعد المخاوف بشأن أثر الميكنة والذكاء الاصطناعي على مستقبل التوظيف في حديثه.
تباين المواقف
برغم أن القمة التي استضافتها الهند ركزت على الحرب في أوكرانيا والتغير المناخي وصولاً إلى مستقبل الطاقة، فإن قادة دول مجموعة العشرين واجهوا صعوبة في الاتفاق على الكثير من الأمور، وخصوصاً فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا التي بدأت قبل ثمانية عشر شهراً، حيث ضغطت الهند على أعضاء المجموعة للاتفاق على بيان مشترك يرفض استخدام القوة في أوكرانيا لتحقيق مكاسب ميدانية، لكن من دون ذكر روسيا تحديداً.
وأشادت الولايات المتحدة وروسيا بالإعلان التوافقي الذي أحجم عن انتقاد موسكو بسبب الحرب في أوكرانيا، لكنه دعا الدول الأعضاء إلى تجنب استخدام القوة، بينما اعتبر وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف مخرجات قمة العشرين فوزاً دبلوماسياً لبلاده، حيث أفاد لافروف بأن روسيا تمكنت من إحباط المحاولات الغربية لجعل أوكرانيا تهيمن على جدول أعمال القمة، وقد نجحت الرئاسة الهندية فعلاً في توحيد المشاركين في مجموعة العشرين الذين يمثلون جنوب العالم، وانتقدت أوكرانيا البيان المشترك لمجموعة العشرين بالقول: إنه ليس هناك ما يدعو مجموعة العشرين إلى الاعتزاز.
كما كانت دول مجموعة العشرين منقسمة أيضاً بشأن مستقبل الطاقة، ومع احتمال أن يصبح عام 2023م الأكثر سخونة على الإطلاق، حيث فشل البيان الختامي في الدعوة إلى التخلص من الوقود الأحفوري، لكن قادة دول مجموعة العشرين أعلنوا أنهم سيدعمون الجهود المبذولة لزيادة القدرة العالمية للطاقة المتجددة 3 مرات بحلول العام 2030م.
من ناحيتها، أكدت الصحافة الغربية أن البيان الختامي لقمة مجموعة العشرين كان بمثابة ضربة للدول الغربية؛ بسبب عدم وجود إجماع عالمي على دعم أوكراني، وذكرت الصحف بأن البيان الختامي كان أضعف بيان صدر على الإطلاق.
وفي تعليقه، أكد الرئيس الفرنسي إيمانول ماكرون أن الهدف الرئيس لمجموعة العشرين مناقشة القضايا الاقتصادية والمشكلات العالمية، ولذا فإن موضوع النزاع الأوكراني لم يكن أولوية القمة، واعتبر أنه سيكون من غير المعقول عرقلة اعتماد بيان ختامي للقمة لمجرد عدم وجود توافق في الآراء حول القضية الأوكرانية.
وبشأن المناخ، اعتبر الرئيس الفرنسي أن النتائج المتعلقة به التي توصلت إليها دول مجموعة العشرين خلال قمتها في الهند كانت غير كافية، داعياً إلى ضرورة وضع أهداف أكثر طموحاً للتخلي عن النفط.
________________________
كاتب وباحث بنيودلهي.