هي أنثى، فتاة كانت، أو زوجة، موظفة، أو ربة منزل، لكنها ليست ككل النساء، لا تنشغل بزينة أو موضة، لا يثير اهتمامها عالم الأزياء، ومساحيق التجميل، ولا يلفت انتباها أغاني الحب، وأفلام الرومانسية.
إنها امرأة لا تضيع وقتها في متابعة مواقع التواصل، ومسلسلات السفه، وأفلام التفاهة، وبرامج الطهي، ومهرجانات العري، ومسابقات ملكات الجمال وغيره.
ليست معنية بما يردده إعلام العري من تحريض على الرجل، وتبغيض في الزواج، وتحريض على الاختلاط، بدعوى حقوق المرأة، وتمكين النساء، وحرية الجسد، وغيرها من دعاوى الشذوذ والانحلال.
إنها امرأة من نوع خاص، وعالم آخر، شجرة مثمرة معنية بصناعة المقاومة، وبث الأمل، وغرس الكفاح، وطرح الجهاد، وولادة الأبطال، وتربية جيل من المرابطين، لا يضرهم من خذلهم، في مسيرة تحرير الأرض والعرض، ورفع راية الوطن والمقدسات.
إن المرأة الفلسطينية تسطر تاريخاً جديداً، ليس اليوم فحسب، بل منذ عقود، وهي ترفض تفشي سرطان النكبة والنكسة والهزيمة في نفوس الأمة، بل تقف من جديد، لتشعل انتفاضة أولى، ثم ثانية، ثم تتوج مسيرتها بـ«طوفان» أعاد إحياء القضية من جديد.
امرأة تقدم الشهيد تلو الآخر، دون خوف أو جزع، دون تراجع أو استسلام، ثم تعاود الكرة لإنجاب الأبطال الأشاوس، الذين يتحدون بصدور عارية الدبابات والصواريخ وحاملات الطائرات والغواصات النووية.
ليس هذا فقط، بل تقدم نفسها شهيدة، تحصد آلة الحرب منها قرابة 3 آلاف امرأة في قصف همجي وحشي يتم بتواطؤ عربي ودولي، وسط صمت فاضح وغض للبصر عما يسمى بحقوق المرأة.
تخرج من تحت الأنقاض، تلملم شتاتها، لا يشغلها سوى ستر شعرها وجسدها، وهي في حال المصاب والمضطر، لكنها امرأة تخشى الله، تنشد رضاه، وتأمل في جنانه ورؤياه.
نحو 3 امرأة شهيدة، من بين أكثر من 11 ألف شهيد، سقطوا جراء الحرب الصهيوأمريكية على قطاع غزة، منذ 7 أكتوبر الماضي، بينهم أكثر من 4 آلاف طفل، وقرابة 700 مسن، ونحو 30 ألف جريح.
عشرات الأسيرات في سجون الاحتلال «الإسرائيلي»، من بين قرابة 17 ألف فلسطينية تعرضن للاعتقال منذ العام 1967م، بينهن أمهات ونساء طاعنات في السن، وزوجات وحوامل ومريضات.
يسطر التاريخ أن الأسيرة الفلسطينية الأولى كانت فاطمة برناوي، ابنة مدينة القدس، التي اعتقلت بتاريخ 14 أكتوبر 1967م، وأمضت 10 أعوام قبل أن تتحرر عام 1977م.
ومن بين الأسيرات القابعات في سجون الاحتلال الصهيوني، طفلتان، و15 أسيرة يعانين من مشكلات صحية، و6 أسيرات أمهات، من أبرزهن الأسيرة ميسون موسى، المعتقلة منذ العام 2015م، والمحكوم عليها بالسجن 15 عاماً، بحسب بيانات نادي الأسير الفلسطيني.
وتواجه أسيرات فلسطين ظروفاً صعبة، وانتهاكات بشعة، تصل إلى التعذيب الجسدي والنفسي والمعاملة المهينة؛ بهدف انتزاع معلومات، والضغط على أفراد أسرتها، وإجبار المطلوبين منهم على تسليم أنفسهم.
ويطال الإهمال الطبي الأسيرات المسنات، كما جرى مع الشهيدة سعدية فرج الله (68 عاماً)، التي استشهدت في 2 يوليو 2022م، وهي أم لثمانية أبناء، حرم الاحتـلال أبناءها منها للأبد، كما ماطل الاحتـلال في تسليم جثمانها.
نحن نتحدث عن امرأة أسيرة، وشهيدة، ومجاهدة، واستشهادية، وليست فنانة أو راقصة أو لاعبة كرة ممن يحظين بأضواء الشهرة والنجومية، في زمن بات فيه العري مقياساً للجمال والأنوثة.
إن ما تواجهه المرأة في فلسطين لهو تاج يوضع على رأسها، ويتوجها ملكة للجمال في العالم، بصمودها، وبسالتها، وشجاعتها، في مواجهة الاحتلال الغاشم، والقصف المستمر بلا هوادة، بالقنابل والصواريخ والأسلحة المحرمة دولياً.
ألم أقل لكم، إنها امرأة من نوع آخر، تستحق تسليط الأضواء، ومنحها الجوائز، وإنتاج الأعمال الدرامية والسينمائية عن بطولاتها، وقد باتت رقماً صعباً بالتأكيد في المعركة الدائرة الآن لتحرير «الأقصى» الأسير.
رقم صعب وعامل مؤثر في دفة المعركة، وهي تنجب أطفالاً من رحم المعاناة، وتربيهم على الشجاعة والحرية، وتغرس فيهم النخوة والكرامة، وتعلي في نفوسهم روح الجهاد والاستشهاد.
كذلك هي زوجة تؤازر زوجها، وتدفع به إلى ميدان المعركة، دون جزع، وهي تعلم أنها قد تتلقى نبأ استشهاده في أي لحظة، لكنها صابرة محتسبة ذلك عند الله.
إنها تعلم أنها مصنع الشهداء، وأرض تثمر الأبطال، وشجرة تنبت بالمقاومة، وغرس يحمل بذور الحرية والتحرر، ورحم يحمل أجنة اليوم، أبطال الغد، قادة حرب التحرير لاستعادة القدس الشريف.
امرأة من نوع خاص، تختلف كلياً عن نساء اليوم، تحمل مشروع شهادة لنفسها وزوجها وأبنائها وأشقائها، فداء لـ«الأقصى» المبارك.