«الموت آت سواء بالسكتة القلبية أو بالأباتشي، وأنا أفضل الأباتشي».. هكذا عبر عن أمنيته، وقد تحقق له ما أراد، دفاعاً عن فلسطين ومقدساتها؛ ليبعث روح الحرية والكرامة في شعبه، الباحث عن الاستقلال.
إنه الشهيد البطل د. عبدالعزيز الرنتيسي، أحد مؤسسي وقادة حركة «حماس»، الذي استشهد في 17 أبريل 2004م بعد أن قصفت طائرات الاحتلال «الإسرائيلي» سيارته في قطاع غزة.
ومع قرب مرور 20 عاماً على استشهاده، يرتقي إلى السماء آلاف الشهداء، في غزة، التي تواجه قصفاً صهيونياً وحشياً للشهر الثاني على التوالي، رداً على عملية «طوفان الأقصى» التي زلزلت العدو، وقتلت منه أكثر من 1500 صهيوني.
ولد الرنتيسي في 23/ 10/ 1947م في قرية يبنا، الواقعة بين عسقلان ويافا، وقد عاش في مخيم خان يونس للاجئين ليعايش معاناة شعبه من التهجير والنزوح القسري على يد الاحتلال الغاشم.
حصل على شهادة الثانوية العامة عام 1965م، وتخرج في كلية الطب بجامعة الإسكندرية في مصر عام 1972م، ونال منها كذلك درجة الماجستير في طب الأطفال، ثم عمل طبيباً في مستشفى ناصر بخان يونس عام 1976م.
واشتغل الرنتيسي بالتدريس في الجامعة الإسلامية في غزة منذ افتتاحها عام 1978م، لكنه اعتقل عام 1983م بسبب رفضه دفع الضرائب لسلطات الاحتلال، ليكتب فصلاً جديداً في مسيرة الكفاح والنضال.
شارك في تأسيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عام 1987م، برفقة الشيخ الراحل أحمد ياسين، وآخرين، وهي الحركة التي تضج مضاجع العدو، وتكبده خسائر فادحة كشفت عورة الجيش الذي لا يُقهر!
اعتقل الرنتيسي عدة مرات، لمدد مختلفة، حيث قضى عامين ونصف عام على خلفية المشاركة في أنشطة معادية للاحتلال الصهيوني، وأطلق سراحه في 4/ 9/ 1990م، وأعيد اعتقاله مرة أخرى في 14/ 12/ 1990م لمدة عام.
وفي ديسمبر 1992م جرى إبعاد الرنتيسي مع المئات من قيادات المقاومة إلى جنوب لبنان، حيث برز كناطق رسمي باسم المبعدين الذين رابطوا في مخيم العودة بمنطقة مرج الزهور، لكنه غرس مع آخرين بذرة الانتفاضة الفلسطينية الأولى في 9 ديسمبر 1987م.
عاد «شهيد الأباتشي» مجدداً لسجون الاحتلال، لفترات قليلة، وقد زج به إلى سجون السلطة الفلسطينية، التي قضى بين جدرانها 27 شهراً، وجريمته الدفاع عن وطنه.
تعرض الطبيب الثائر لثلاث محاولات اغتيال، قال عقب إحدى هذه المحاولات في رسالة تحد واضحة: «ليفلعوا ما يشاؤون، ليقصفوا سياراتنا، بيوتنا، ليغتالونا، ولكن نعاهد الله ثم نعاهدكم أن نمضي قدماً في مسيرتنا حتى نحرر ثرى الوطن من دنس الصهاينة الغاصبين».
في 24 مارس 2004م، وبعد يومين على اغتيال الشيخ أحمد ياسين، اختير الرنتيسي زعيماً لحركة «حماس» في قطاع غزة، ليلحق بالشيخ القعيد شهيداً في قصف نفذته طائرات الأباتشي مع اثنين من مرافقيه.
رحل الجسد، وبقي اسم الشهيد الراحل خالداً على اسم مستشفى الرنتيسي للأطفال، التي تتعرض هذه الأيام لقصف عنيف، وكأن الاحتلال لم ينس قيمة هذا الاسم، ورمزيته لدى غزة وفلسطين بأسرها.
«إن عدونا لا يفهم إلا لغة واحدة، هي لغة الحراب، وإن ألفي قذيفة من كلام لا تساوي قذيفة من حديد، وإن الطريق الوحيد الذي يفهمه العدو هو طريق الرشاش»، هي كلمات الرنتيسي التي ظلت حية في ذاكرة الشعب الفلسطيني، وبدت جلية في «طوفان الأقصى».